مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةتراث

إسهام بادية غمارة في العلوم الكونية (الحلقة الأولى)

الحلقة الأولى

                                                                     الدكتور مصطفى مختار    

                                                                    باحث بمركز علم وعمران   

بتوجيه من الدكتور جمال بامي

      أسهمت بادية غمارة، بوصفها جزءا من بلاد جبالة العالمة، في تشكل العلوم الكونية [1] التي تم تحويلها من علوم نظرية مجردة إلى علوم تطبيقية صرفة.

      ومن بين هذه العلوم علم الطب والصيدلة الذي راج ببلاد غمارة [2] بفضل بعض نساخ مخطوطاته. من بينهم سيدي محمد الشدادي الزجلي الذي كان من خط يده عملان. أولهما: "رسالة فيمن حل بأرضهم الطاعون، هل يجوز لهم الخروج أم لا" لسيدي محمد بن أبي القاسم الفلالي. فرغ من نسخها من نسخة كتبت في 6 جمادى الثانية سنة 1234 هـ [المكتبة الوطنية بالرباط، في مجموع تحت رقم 2251 د]. وثانيهما: "جواب في أحكام الطاعون وفيمن حل ببلادهم هل يسوغ لهم الخروج أم لا"، لمحمد بن أحمد بن الحاج الرهوني [المكتبة نفسها، في المجموع ذاته 2251 د] [3]. ويبدو أنهما ممن أغفل ذكرهما كارل بروكلمان ومحمد المنوني.

      وأسهمت في رواج العلم ذاته زاوية آل حمدون، بقرية تارْزاتْ من قبيلة بني منصور الغمارية [4]. حيث "اشتهر أفرادها بممارسة الطب النادر بمهارة وحكمة قل نظيرها في هذا المجال، كمعالجة الفك والكسور والحرق والرضوض والأمراض الجلدية والسل ولدغات العقارب والأفاعي وأمراض أخرى مختلفة، وكذلك الختان [5] وإزالة الأضراس والأسنان والحجامة. وكان لهم في معالجة هذه الأمراض مهارات وتقنيات عالية بشهادة الخاص والعام (قضاة وعدول وقياد ...)، مستعملين في علاج ذلك مستحضرات طبيعية كالمراهم والمخدرات النباتية وغيرها من الأدوية. وكانت الشهرة في هذا العلم بغمارة لهذا النسب دون سواه" [6].

      ويبدو أن هذه الزاوية تحولت إلى شبه مستشفى يستقبل مرضى بادية غمارة وغيرهم للعلاج [7]. سمي المستشفى الخيري الأحمدوني [8] الذي أسهم في تطبيب جرحى حرب الريف الشهيرة [9].

      وقد توارث أفراد هذا البيت الغماري مهنة التطبيب [10]، بفضل عمله بنظام شبه عائلي. يسهر فيه على علاج المرضى والمصابين رئيس المستشفى، صاحب معرفة وخبرة، ومنتمٍ إلى البيت نفسه. يساعده طاقم يضم ذكورا وإناثا من هذا البيت. يكتسب معرفته وخبرته ميدانيا [11].

      وبذلك، نبغ منهم الفقيه محمد أحمدون، ناقل مقر أسرته من مدشر إيتليغة إلى مدشر ترزات [12]. خلفه ابنه سيدي الحسن بن محمد أحمدون المنصوري [13]، دفين روضة سيدي اكحل العيون، بمركز بواحمد الغماري [14]. كان في مقدمة المرابطين بدار ابن قريش، خلال الحرب الريفية [15].

      وخلفه حفيده سيدي المفضل بن الحسن أحمدون [16]، فابن حفيده سيدي الحاج الصّدّيق بن المفضل أحمدون [17]، الماهر النابغة في صنعته [18]، بحسب شهادات أعيان وثقتها رسوم عدلية شبه طبية [19]، بحسب ما سنتطرق إليه في الجزء الثاني من هذه الحلقة الأولى.

(يتبع ...)

الإحالات:

[1] قبيلة غمارة: التاريخ، الإنسان والمجال، موسى المودن، مطبعة أصكوم، 2020  م، 302؛ قبائل غمارة تاريخ وأعلام، بوعبيد التركي، مطبعة باب الحكمة، 2023 م، 97؛ قبائل غمارة من مواجهة الضغوط الاستعمارية إلى فرض الحماية، الكتاب 2، معاد البكوري، Négoce Com، 2018 م، 553، 591؛ من أعلام شمال المغرب ج1، عبد الله المرابط، مطابع جريدة طنجة، 2014 م، 125؛ ج2، 2015 م، 131.

[2] قبيلة غمارة: التاريخ، الإنسان والمجال، 302؛ قبائل غمارة من مواجهة الضغوط الاستعمارية إلى فرض الحماية، الكتاب الثاني، 553، 591.

[3] فهرس المخطوطات العربية المحفوظة في الخزانة العامة للكتب والوثائق، القسم الثالث، ج1، مطبعة التومي، 1973 م، 225؛ قبائل غمارة تاريخ وأعلام، 155.

[4] قبائل غمارة تاريخ وأعلام، 57، 115، 116، 265، 396، 440؛ قبيلة غمارة: التاريخ، الإنسان والمجال، 302؛ الفقيه التجكاني، محمد الحبيب التجكاني، مطبعة آنفو- برانت، د. ت، 31؛ قبائل غمارة، الكتاب الثاني، 492.

[5] راجع عن الختان: قبائل غمارة تاريخ وأعلام، 115، 266، 267، 269؛ قبائل غمارة، الكتاب الأول، 238؛ صورة جبالة في الوعي الكولونيالي الفرنسي، إ. ميشو بيلير، ترجمة: حنان المدراعي، منشورات باب الحكمة، د. ت، 62- 63.

[6] قبائل غمارة تاريخ وأعلام، 115. راجع: نفسه، 116، 266- 269، 396؛ قبيلة غمارة: التاريخ، الإنسان والمجال، 302؛ قبائل غمارة، الكتاب الثاني، 492.

[7] قبائل غمارة تاريخ وأعلام، 57، 115، 116، 266، 267، 268؛ قبيلة غمارة: التاريخ، الإنسان والمجال، 302؛ قبائل غمارة، الكتاب الثاني، 492، 493.

[8] قبائل غمارة تاريخ وأعلام، 116، 258، 265، 404.

[9] نفسه، 57، الهامش 2، 116، 258، 265.

[10] نفسه، 115، 116؛ قبيلة غمارة: التاريخ، الإنسان والمجال، 302؛ قبائل غمارة، الكتاب الثاني، 493.

[11] قبائل غمارة تاريخ وأعلام، 116.

[12] نفسه؛ قبيلة غمارة: التاريخ، الإنسان والمجال، 302؛ قبائل غمارة، الكتاب الثاني، 492.

[13] الإحالة الأخيرة؛ قبائل غمارة تاريخ وأعلام، 116، 258، 267؛ قبيلة غمارة: التاريخ، الإنسان والمجال، 302.

[14] قبائل غمارة تاريخ وأعلام، 258- 259؛ قبيلة غمارة: التاريخ، الإنسان والمجال، 303؛ قبائل غمارة، الكتاب 2، 493.

[15] قبائل غمارة تاريخ وأعلام، 258.

[16] نفسه، 116، 267، 269.

[17] نفسه، 116، 265؛ قبيلة غمارة: التاريخ، الإنسان والمجال، 302؛ قبائل غمارة، الكتاب الثاني، 493.

[18] قبائل غمارة تاريخ وأعلام، 116، 265، 266.

[19] نفسه، 266- 269.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق