مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

أسْرارُ البَيَان في القُرْآن(8) البَيَانُ في الفَرقِ بَينَ(عَذَاب مُـهِـين) و(حَلَّاف مَـهِين).

           وَ ذَلكَ قولُهُ تعَالَى في سُورَةِ (آل عِمْرَان): ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾. وقولُهُ تعَالَى في سُورَة (القَلَم):﴿وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَـلّافٍ مَّهِينٍ﴾.حيثُ تَستَوقفُكَ الكلِمَتَان: (مُهِين) بضَمّ الـمِيم، و(مَهِين) بفَتْحِها.وقدْ تكَرّرتِ الكلمَتَان في ثَمَانيَ عَشرَةَ آيَة،أغلَبُها بضَمّ الـمِيم، وكلُّها جاءَتْ صفَاتٍ للعَذابِ، مُوزّعةً علَى ثَلا ثِ حالاتٍ:  (عَذَابٌ مُهِينٌ – عَذاباً مُهيناً – العَذَاب الْـمُهِين).وأربعٌ منْها بفتْحِ الـمِيمِ ؛ اثْنَتَان  مِنها عنْ خَلقِ الإنْسَان: ﴿ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾.

           ويبْدُو منَ النَّظرَة الأُولَى أنَّهمَا منْ أصلٍ وَاحدٍ، لتَطابُقِ الحُرُوف وتَشَابُهِ الدَّلالَة التي تجْمعُهُما علَى الذُّلّ والحَقَارَة. لكنَّ التّحليلَ الصّرْفيّ والـمُعجَميّ الفَاحِص، يَكشفُ عنِ اخْتِلافٍ بَيّنٍ في الأَصْل الاشْتِقاقـيّ لكُلٍّ منهُمَا.

               فَأمَّا (مُهِينٌ)،فتَأتِي منْ فعْلٍ مُعْتلٍّ أَجْوَف؛ فأصْلُها الثُّلاثيّ هوَ الفعْلُ (هَانَ يَهُونُ)،من (الهَوَان والْهُون)، وهوَ(الذُّلّ).قالَ في (المصبَاحِ الـمُنير):  «هَانَ يَـهُونُ هُوناً، بالضَّمّ، وهَوَاناً، ذَلَّ وحَقُرَ».

          ثمّ نُقلَ بهمزَةِ التَّعْديَةِ إلَى (أَهَانَهُ يُهِينُهُ)،أيْ (أَذَلَّهُ يُذِلُّهُ). مثلَمَا نُقِلَ ضدُّهُ: (كَرُمَ يَكْرُمُ) إلَى (أَكْرَمَهُ يُكْرِمُهُ)، وقدْ جَمَعَهُما قوْلُهُ تعَالى في سُورَة (الفَجْرِ):﴿فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيَ أَكْرَمَنِ﴾،ثمَّ قَالَ:﴿فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيَ أَهَـانَنِ﴾. ثمَّ اشْتُقّ منهُ اسْمُ الفَاعِلِ (مُهِينٌ).و قدْ وقعَ فيهِ إعْلالٌ بنَقْلِ الحَرَكَة؛ حيثُ أصْلُهُ : (مُــهْــــيِـــــنٌ)، علَى وَزْنِ : (مُفْعِلٌ)، مثْلُ: (مُكْرِمٌ)،قالَ تعَالى:﴿ومَنْ يُّهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾. ثمّ  سُكِّنتِ اليَاء، ونُقلَتْ كَسْرَتُها إلَى (الهَاءِ) قَبلَها، علَى قاعِدَة الإعْلَال، فصَارتْ: (مُهِينٌ).

          ومثلُهَا في القُرْآن: (مُبِين – مُجِيب – مُلِيم – مُحِيط – مُريب – مُنيب – مُنير).قالَ تعَالى: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مَلِيمٌ﴾،منَ الفعل: (أَلَامَ)، إذا فَعَل مَا يَجعَلُ النَّاسَ يَلومُونَهُ، وقالَ عزَّ  وجَلَّ: ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَّرَآئِهِم مُّحِيطٌ﴾. وقالَ عزَّ  وَجَلَّ: ﴿ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾.

           فالميمُ في كُلّ هَذَا زَائِدَة، واليَاءُ أصْلِيّة.فإذَا أردْتَ اسمَ المفْعُول، قلتَ: (مُهَانٌ)،كمَا في قولهِ تعَالَى:﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً﴾، وقولِهِ تَعَالَى: ﴿مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾.

           وأمَّا (مَهِينٌ)،فَتَأتِي منْ فعْلٍ صَحِيحٍ سَالِمٍ؛فأصلُهَا الثُّلاثيّ: (مَهُنَ يَمْهُنُ مَهَانَةً) بمعْنى: (حَقُرَ يَحْقُرُ حَقَارَةً)،جاءَ في (لِسَان العَرَب): «قَالَ ابْنُ بَرّي:الْـمَـهِــينُ، فِعْلُهُ مِنْ: مَهُنَ بِضَمّ الهَاءِ. والمصْدَرُ الْـمَهَانَة». فيَكُونُ المعْنَى علَى أنّهُ اتَّضَعَ وانْحَطّت قيمَتُهُ أوْ صغُرَ  حَجْمُهُ.

         ثمَّ اشتُقَّ منهُ وزْن:(فَعِيلٌ)،إمَّا لقَصْدِ المبَالغَة، أوْ  لبِنَاء الصِّفَة المشبَّهَةِ. كمَا جاءَ: (مَتِينٌ مِنْ مَتُنَ) و(مَجِيدٌ مِنْ مَجُدَ). قالَ تعَالى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ﴾. وقالَ تعَالَى:﴿إِنَّ كَيْدى مَتِينٌ﴾. فـَــــــ(الميمُ) في كُلّ هَذَا أَصْليَّةٌ، و (اليَاءُ) زَائدَةٌ.

         أمّا اسمُ الفَاعلِ منْهُ فهُوَ: (مَهُنَ:مَاهِنٌ) (مَتُنَ:مَاتِنٌ) (مَجُدَ:مَاجِدٌ). فإذَا أنتَ أردْتَ ذلكَ منَ الفعْل(هَانَ)، قُلتَ: (هَانَ:هَائِنٌ)كمَا تقولُ(قَالَ: قَائِلٌ) و(لَامَ : لَائِمٌ). ويكُونُ اسمُ المفعُول منهُ:( مَهُونٌ) كمَا تقُولُ: ( مَقُولٌ – مَلُومٌ).قالَ تعَالى: ﴿وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِـمٍ﴾، باسْمِ الفَاعِلِ. ثمَّ قَال تعَالَى: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ﴾.باسْمِ المفْعُول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق