مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

آفة: “الغضب” من أمراض القلوب المهلكة

    يعتبر الغضب آفة من آفات القلوب المهلكة، ومن رذائل الأخلاق التي تهيج قلب الإنسان وتدفعه بقوة من أجل التشفي والانتقام، وهو وسيلة للتعبير عن المشاعر الداخلية عندما يتعرض الإنسان لضرر يلحقه بسبب من الأسباب، وقد عد علماء التربية الصوفية هذه الآفة من أمراض القلوب الصعبة في حالة خروجها عن السيطرة، ويقوم بعد ذلك صاحبها بردة فعل قوية تبعده عن قيم المحبة والتسامح والانفتاح، وربما تكون سبباً لشقائه في الدنيا والآخرة، وتحرمه من مواصلة السير إلى حضرة الله، بيد أن السير إلى حضرة الله يستوجب طهارة القلوب وصفائها من كل حقد وضغينة.

    والغضب شعلة نار نفسية موقدة زائدة تهيج صاحبها، وقد تبعده عن رحمه الله إذا تجاوزت الحدود وكان العامل الأساسي من الانتقام هو اتباع النفس والهوى والتفاخر بالقوة واحتقار الضعفاء والتسلط عليهم، قال الغزالي رحمه الله:  (فإن الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، وإنها لَمُسْتَكِنَّة في طي الفؤاد. استكنان الجمر تحت الرماد، ويستخرجها الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد، كاستخراج الحجر النار من الحديد) [1].

   فإذا كان الغضب فطرة وغريزة إنسانية لا يمكن التخلص منها بسهولة، فلا غرو أن الشريعة الاسلامية قد وضعت مجموعة من الضوابط المسعفة في تحقيق التوازن والاعتدال في حياة الانسان حتى يتسنى له طرق ترشيد هذه الغريزة وتقويم اعتدالها وتهذبها وإطفاء غليانها، وإبعادها عن مختلف الصراعات التي لا فائدة منها لكي تكون نعمة وخيرا لصاحبها لا نقمة عليه، قال ابن رجب الحنبلي: (والغضب، هو غليانُ دم القلب طلباً لدفع المؤذي عندَ خشية وقوعه، أو طلباً للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعدَ وقوعه، وينشأ من ذلك كثيرٌ من الأفعال المحرمة، كالقتل والضربِ وأنواعِ الظلم والعُدوان، وكثيرٍ من الأقوال المحرَّمة كالقذفِ والسبِّ والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، كما جرى لجبلة بن الأيهم ([2].

   وضبط النفس عند الغضب ليس بالأمر السهل فهو مقام عال، يستوجب الإرادة القوية وهمة عالية، من أجل صد النفس الأمارة بالسوء التي كثيرا ما تحب الانتقام وتبتعد غالبا عن قيم المحبة والعفو والتسامح، فأشد عدو للإنسان هو النفس واتباع هواها خاصة في حالة الغضب، قال ابن بطال: (إنّ مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ أَشَدُّ مِنْ مُجَاهَدَةِ الْعَدُوِّ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ أَعْظَمَ النَّاسِ قُوَّةً)[3]، فالناس يختلفون كل حسب قدرته في التحكم في غضبه بقدر علو همته، فقد جاء في سنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا صَلَاةَ الْعَصْرِ بِنَهَارٍ، ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا أَخْبَرَنَا بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (...) أَلَا وَإِنَّ مِنْهُمُ الْبَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الْفَيْءِ، وَمِنْهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ، فَتِلْكَ بِتِلْكَ، أَلَا وَإِنَّ مِنْهُمْ سَرِيعَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ، أَلَا وَخَيْرُهُمْ بَطِيءُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ، أَلَا وَشَرُّهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ بَطِيءُ الْفَيْءِ(...) أَلَا وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَلْصَقْ بِالْأَرْضِ قَالَ: وَجَعَلْنَا نَلْتَفِتُ إِلَى الشَّمْسِ هَلْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ)[4].

     ولذلك جعل النبي صَلى الله عليه وسلم الفائز في حالة الغضب هو ذلك الانسان الذي ارتاحت جوارحه وصفى قلبه من الرعونات النفسية، وحب الانتقام وامتلاء بالمحبة والتسامح من أجل مرضاة الله سبحانه وتعالى، هذا هو حال الأولياء الصادقين المتوجهين إلى حضرة الله ليس لهم عدو إلا أنفسهم باعتبار الهوى والنفس والشيطان من أشد الأعداء التي تسكن الإنسان، فعن سهل بن مُعاذ عن أبيه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من كظمَ غيظاً، وهو قادِرٌ على أن يُنفِذَهُ، دعاهُ الله عَزَّ وَجَلَّ على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ، حتى يُخيِّره مِنْ أيِّ الحُورِ شَاءَ) [5]، وعن عكرمة في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(وسيداً وحصوراً) [سورة ‏آل عمران،‏ 39‏]، قال‏:‏ السيد الذي يملك نفسه عند الغضب ولا يغلبه غضبه) [6]‏.‏

    لذلك اعتبر علماء التربية الصوفية أنّ مصدر الغضب هو من الشيطان، إذا كان الغضب بفعل الانتقام الصادر من الهوى والنفس، قال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [سورة فاطر، الآية: 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ) [7]. والغضب سببه النفس المتكبرة المنتقمة الأمارة بالسوء، ولا تسكن ولا تهدئ إلا بالانتقام والاعتداء وإظهار القوة والتسلط على الضعفاء واحتقارهم، فالنفس المتكبرة هي من جند الشيطان، قال ابن القيم رحمه الله:  (وقد تقدم أنّ النفس مثلها كمثل رحى تدور بما يلقى فيها، فإن ألقيت فيها حبا دارت به، وإن ألقيت فيها زجاجا وحصى دارت به، والله سبحانه هو قيم تلك الرحى ومالكها ومصرفها، وقد أقام لها ملكا يلقي فيها ما ينفعها فتدور به، وشيطانا يلقي فيها ما يضرها فتدور به، فالملك يلم بها مرة، والشيطان يلم بها مرة، فالحب الذي يلقيه الملك إيعاد بالخير وتصديق بالوعد، والحب الذي يلقيه الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالوعد، والطحين على قدر الحب، وصاحب الحب المضر لا يتمكن من إلقائه إلا إذا وجد الرحى فارغة من الحب وقيمها قد أهملها وأعرض عنها، فحينئذ يبادر إلى إلقاء ما معه) [8]. وقال ابن كثير في تفسير  قول الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) [سورة الجاثية، الآية: 23]، أي: إنما يأتمر بهواه، فمَهما رآه حسنًا فعله، ومهما رآه قبيحاً ترَكه، ثم قال تعالى: (وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) [سورة الجاثية، الآية: 23].[9]

    فامتلاك النفس في حالة الغضب من خصوصيات الخواص أهل التحقيق أهل الاحسان المتشبعين بأنوار حضرة الله وحضرة رسوله الكريم، فهم علموا أنّ العضب ليس من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم بُعِتَ رحمة للعالمين، فاقتبسوا هذه الأخلاق من مشكاة النبوة، أما المنغمسين في جهلهم وكبرهم وجبروتهم المنتقمين والمتكبرين والحاقدين، فإن الله سبحانه وتعالى قد حذرهم من ذلك وقال: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة الأنعام، الآية: 43].

    وقد أثنى الله جلت قدرته على عباده المتقين المتسامحين العافين عن الناس والكاظمين الغيض، قال جلت قدرته: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [سورة الشورى، الآية: 37] وقال عز من قال: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالاَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة آل عمران، الآية: 134].

   وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ) [10]. قال الامام الصنعاني: (المرادُ بالشديدِ هُنا شدةُ القوةِ المعنويةِ، وهيَ مجاهدةُ النفسِ وإمساكُها عندَ الشرّ، ومنازعتُها للجوارحِ للانتقامِ ممنْ أغضَبها، فإنَّ النفسَ في حكمِ الأعداءِ الكثيرينَ وغلبتها عما تشتهيهِ في حُكمِ مَنْ هوَ شديدُ القوةِ في غلبةِ الجماعةِ الكثيرين فيما يريدونه منهُ، وفيهِ إشارةٌ إلى أن مجاهدةَ النفسِ أشدُّ منْ مجاهدةِ العدوِّ، لأنهُ  صلى الله عليه وسلم جعل الذي يملكُ نفسَه عندَ الغضبِ أعظمَ الناسِ قوةً، وحقيقةُ الغضبِ حركةُ النفسِ إلى خارجِ الجسدِ لإرادةِ الانتقام. والحديثُ فيه إرشادٌ إلى أن مَنْ أغضبَه أمرٌ، وأرادتِ النفسُ المبادرةَ إلى الانتقامِ ممنْ أغضَبه، أنْ يجاهِدَها ويمنعَها عما طلبتْ، والغضبُ غريزةٌ في الإنسانِ، فمهما قصدَ أو نُوزعَ في غرضٍ اشتعلتْ نارُ الغضبِ وثارتْ، حتَّى يحمرَّ الوجهُ والعينانِ، وينتفخ الودجان، ويحمر البدن غالبًا منَ الدمِ، لأنَّ البشرةَ تحكي لونَ ما وراءَها) [11]. وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا جَرَعَ عَبْدٌ جُرْعَةً أَعْظَمَ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) [12].   وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم من تجنب الغضب بالفوز بالجنة ونيل الدرجة الرفيعة والمقام المحمود، ومن ذلك وعده للصحابي الجليل بالجنة، وقال له: (لَا تَغْضَبْ، وَلَكَ الجَنَّةُ) [13].

    ومن صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنّه لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله، روت عائشة رضي الله عنها قالت: (مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الْإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَاللهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلهِ) [14]، وقالت عائشة رضي الله عنها: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِماً لَهُ قَطُّ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، إِلّاَ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ، إِلّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا، إلا أن يَكُونَ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الْإِثْمِ، وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ) [15].

   ونسوق نموذج آخر لنبي الله موسى عليه السلام في قوله تعالى: (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ) [سورة الأعراف، الآية: 154]. قال ابن كثير: (ولما سكن عن موسى الغضب، أي: غضبه على قومه، أخذ الألواح التي ألقاها من شدة الغضب على عبادتهم العجل، غَيرَةً لله وغضبًا له) [16].

    وتعد آفة الغضب من الأسباب المؤدية إلى التفرقة والشتات وقطع الأرحام والتفرقة بين الأزواج وبين الأصحاب، وخطورة الغضب تؤدي كذلك إلى التفرقة بين الذاكرين لله والمتقين لله، وهذا لا يتناسب مع مقام الاحسان الذي يستوجب أن يكون فيه الذاكر لله تعالى محبا لكافة الناس بل يكره نفسه التي بين جنبيه، وقد أورد الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: في "باب الحذر من الغضب"، مستدلا بقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُون) [سورة الشورى، 37]، مستدلا بقوله جلت قدرته: وقال جلت قدرته: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين) [سورة آل عمران، الآية: 143][17].

مفهوم الغضب وحقيقته

 تعريف الغضب لغة:

   الغضب من الناحية اللغوية له معاني متعددة: منها: (السخط، أو عدم الرضى بالشيء، قال ابن منظور الغضب: بـأنه نقيض الرضا، يقال: رجل غضوب: شديد الغضب) [18]، وعرفه ابن منظور بقوله: الغضب نقيض الرضا) [19].

 تعريف الغضب اصطلاحاً

قال الجُرجانيُّ: (الغَضَبُ: تَغَيُّرٌ يحصُلُ عِندَ غَلَيانِ دَمِ القَلبِ؛ ليحصُلَ عنه التَّشَفِّي للصَّدرِ)[20]، وقال الإمام أبو حامد الغزالي: (حقيقة الغضب، هو غليان دم القلب بطلب الانتقام) [21].

أدلة تحريم الغضب من الكتاب والسنة

أدلة التحريم من الكتاب

يضم القرآن الكريم مجموعة من الآيات البينات من الذكر الحكيم التي تحذر من آفة الغضب ومن ذلك قوله عز زجل: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) [سورة آل عمران، الآية: 112].

  وقال جلت قدرته: (كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) [سورة طه، الآية: 81].

وقال عز وجل: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [سورة النساء، الآية: 93].

   وقال جلت قدرته: (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ) [سورة الأعراف، الآية: 71].

وقال تقدست أسماؤه: (وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [سور الأنفال، 16].

وقال جلت قدرته: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [سورة النحل، الآية: 106].

سورة الأنبياء: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة الأنبياء، الآية: 87].

وقال جلت قدرته: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [سورة الشورى، الآية: 37].

أدلة التحريم من السنة

  في السنّة النّبوية أحاديث كثيرة في ذم الغضب والنهي عنه، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ما روي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا غضبَ أحدُكم وهو قائمٌ فلْيجلسْ، فإن ذهبَ عنه الغضبُ وإلاَّ فلْيَضْطَجِعْ) [22]، وعن سليمانَ بن صُرَد رضي الله عنه، قال: (اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ، مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ)[23]، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ألا وإنَّ الغضبَ جمرةٌ في قلبِ ابنِ آدمَ، أما رأيتُمْ إلى حُمرةِ عَينيهِ وانتِفاخِ أوداجِهِ، فمَن أحسَّ بشَيءٍ من ذلِكَ فليُلصِق بالأرضِ)[24]، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم، قال: (عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ) [25]، وعن أبي هريرة  رضي الله عنه، أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوْصِنِي، قالَ: لا تَغْضَبْ. فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ) [26].

أسباب الغضب

   ذكر علماء التربية الصوفية أن سبب توران الغضب في قلب الانسان، هو تفشي مجموعة من الأمراض القلبية في القلوب التي تصدر منها مجموعة من التصرفات السيئة، كالاعتداء على الناس جسديّاً أو لفظيّاً، وتعريضهم لمعاملة سيئة كالإهانة، والتحقير وإضمار السوء والشماتة، والعزم على إفشاء السر، والاستهزاء وغير ذلك من رذائل القلوب المهلكة، قال الامام الغزالي رحمه الله: (قال يحيى لعيسى عليهما السلام: (أي شيء أشد؟ قال: غضب الله، قال فما يقرب من غضب الله، قال أن تغضب، قال: فما يبدي الغضب وما ينبته؟ قال عيسى: الكبر والفخر والتعزز والحمية، والأسباب المهيجة للغضب هي: الزهور والعجب والمزاح والهزل والهزء والتعيير والمماراة والمضادة والغدر، وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعاً، ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب فلا بد من إزالة هذه الأسباب بأضدادها.

     فينبغي أن تميت الزهو بالتواضع. وتميت العجب بمعرفتك بنفسك ، وتميت العُجب بمعرفتك بحقيقة نفسك، وأما المزاح فتزيله بالتشاغل بالمهمات الدينية التي تستوعب العمر، وتفضل عنه. وأما الهزل فتزيله بالجِّد في طلب الفضائل والأخلاق الحسنة والعلوم الدينية التي تَبَلِّغك إلي سعادة الآخرة (...) وأما الهزء فتزيله بالتكرم عن إيذاء الناس وبصيانة النفس عن أن يُستهزأ بك. وأما التعيير فبالحذر عن القول القبيح وصيانة النفس عن مُرِّ الجواب. وأما شدة الحرص على مزايا العيش، فتُزالُ بالقناعة بقدر الضرورة، طلبًا لِعز الاستغناء، وتـَرَفُعَاً عن ذُل الحاجة) [27].

أنواع الغضب

    يقول ابن الجوزي رحمه الله: (إن الغضب إنما ركب في طبع الآدمي ليحثه على دفع الأذى عنه والانتقام من المؤذي له، وإنما المذموم إفراطه، فإنه حينئذ يزيل التماسك، ويخرج عن الاعتدال، فيحمل على تجاوز الصواب، وربما كانت مكانته في الغضبان أكثر من مكانته في المغضوب عليه) [28].

   فالله سبحانه وتعالى قد جعل في الإنسان غريزة الانفعال، ليتصدى لكل ما من شأنه أن يسيء لكرامته ويحمي نفسه وجسده من كل سوء ومكروه، ومن كل الأخطار المحيطة به، ولكن هذه الحماية وهذا الاندفاع يجب أن تراعى فيه مجموعة من الضوابط والسلوكيات، وإلا فهو خارج عن قيم المحبة والتسامح فالدفاع عن النفس إذا زاد عن حده فإنه يجلب الضرر والحمية والضغينة، ولأخذ الحيطة والحذر فقد قسم العلماء الغضب إلى ثلاثة أنواع: الغضب المحمود، والغضب المدموم، والغضب المباح.

أولا: الغضب المحمود والمباح

    قدوتنا في الغضب المحمود هو النّبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يغضب إلّا عندما تنتهك محارم الله جلت قدرته، فعن عائشة  رضي الله عنها، قالت: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، إِلّاَ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ، إِلّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا، إلا أن يَكُونَ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الْإِثْمِ، وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ) [29]، وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ الْغَضَبِ، فَقَالَ: بِهَذَا أُمِرْتُمْ، أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ؟ تَضْرِبُونَ الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، بِهَذَا هَلَكَتْ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرو: مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ تَخَلَّفْتُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَتَخَلُّفِي عَنْهُ) [30]. قال ابن حبان رحمه الله تعالى: (والخلق مجبولون على الغضب، والحلم معا، فمن غضب وحلم في نفس الغضب، فإن ذلك ليس بمذموم ما لم يخرجه غضبه إلى المكروه من القول والفعل على أن مفارقته في الأحوال كلها أحمد) [31].

 ويكون الغضب المباح كذلك في تعاون المسلمين في الدفاع عن حرمات الاسلام، وحفظ تعاليمه وشعائره، شريطة أن يكون بالمنهج النبوي المبني على قيم المحبة والوسطية والاعتدال واليسر، قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [سورة البقرة، لآية: 251].

ثانيا: الغضب المذموم

   أما الغضب المدموم هو الغضب الذي تجاوز حده بغرض الانتقام وإعجاب المرء بنفسه، وقوته ومصدره من الشيطان، والحقد الدفين في القلوب العليلة، قال ابن القيم رحمه الله: (دخل الناس النّار من ثلاثة أبواب: باب شبهـة أورثت شكاً في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وباب غضب أورثت العدوان على خلقه) [32].

    فهذا النوع منهي عنه في الكتاب والسنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني: (قال: لا تغضب فردد مراراً، قال: لا تغضب) [33]، وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذا خطب قال في خطبته: (أفلح من عصم من الهوى، والغضب، والطمع)[34]. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (اُنْظُرُوا إلَى حِلْمِ الرَّجُلِ عِنْدَ غَضَبِهِ وَأَمَانَتِهِ عِنْدَ طَمَعِهِ، وَمَا عِلْمُك بِحِلْمِهِ إذَا لَمْ يَغْضَبْ، وَمَا عِلْمُك بِأَمَانَتِهِ إذَا لَمْ يَطْمَعْ) [35].

في بيان الدواء الذي يطهر القلب من الغضب

 ذكر علماء التربية الصوفية أنّ القلب هو الأساس في صلاح وفساد الانسان، فمتى أصلح الله قلب الانسان ووجهه نحو التقوى والعمل الصالح، وملائه بالإيمان، صار بعد ذلك على منهج الله وسنة رسوله الكريم، وإدا امتلأ القلب بالأمراض القلبية، كالحقد والحسد والكبر والغضب، ساءت أحوال صاحب هذا القلب، وأصبحت أقواله وأفعاله مصدراً للشر والاعتداء على الناس.

    لذلك أصبحت مهمة طهارة القلوب من الأمراض القلبية والرعونات النفسية، بالأمر المهم في صفاء القلوب وإخلاص الاعمال لوجه الله تعالى، وخير دواء لطهارة القلوب هو الإكثار من ذكر الله، قال عز وجل: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [سورة الرعد الآية: 28]، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (لِكُلِّ شَيْءٍ جِلاءٌ، وَإِنَّ جِلاءَ الْقُلُوبِ ذِكْرُ اللهِ عز وجلَّ) [36] فلو أكتر الناس من ذكر الله لاستقامت، قلوبهم ووجدوا حلاوة الذكر وتمرات الذكر ظاهرة في معاملاتهم وتصرفاتهم اليومية. قال كعب بن مالك رضي الله عنه: (من أكثر ذكر الله برئ من النفاق) [37].

    ولأهمية هذه الطهارة نجد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم فقد عالج مجموعة من حالات الغضب الوافدة عليه والتي اشتكت كثرة الغضب وعدم التحكم فيه، وذلك عندما استبَّ رجلان، فغضب أحدهما حتى احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأحدهما: (إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ) [38]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّه قال: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوْصِنِي، قالَ: لا تَغْضَبْ. فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ) [39].

  قال الامام أبو حامد الغزالي: (فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة، وخسة النفس في احتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه. ومن مال غضبه إلى الإفراط حتى جره إلى التهور واقتحام الفواحش فينبغي أن يعالج نفسه ليغض من سورة الغضب ويقف على الوسط بين الطرفين) [40]، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: داووا الغضب بالصمت والشهوة بالعقل) [41]. وفي رواية إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ [42].

     والتحلي بالصبر مهم جداً في تجاوز آفة الغضب وأن يتذكر الانسان ما أعده الله سبحانه وتعالى للكاظمين الغيض والعافين عن الناس والمتسامحين ابتغاء مرضات الله، قال صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه لأمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا وفي رواية ملأ الله قلبه أمناً وإيمانا [43]، قال عز وجل : (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران، الآية: 134] وقال جلت قدرته: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى، الآية: 40].

..........................................

 .1 إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، الناشر: دار المعرفة – بيروت، (ط/ت) ربع المهلكات  كتاب ذم الغضب والحقد والحسد، ج: 3، ص: 164.

  1. جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، لابن رجب، تعليق وتحقيق: الدكتور ماهر ياسين الفحل، الناشر: دار ابن كثير، دمشق – بيروت، الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008م، الحديث السادس عشر، ص: 351.
  2. فتح الباري بشرح البخاري، لابن حجر العسقلاني، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وتصحيح تجاربه: محب الدين الخطيب، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب لقول الله تعالى: ﴿والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون﴾، الناشر: المكتبة السلفية – مصر، الطبعة: الأولى، 1380 - 1390 هـ) ج: 10، ص: 520
  3. الجامع الكبير سنن الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1996م، أبواب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، ج: 4، ص: 583 رقم الحديث: 2191.
  4. سنن أبي داود، المحقق: شعيب الأرنؤوط محمد كامل قره بللي، الناشر: دار الرسالة العالمية، الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009م، أول كتاب الأدب، باب من كظم غيظا، ج: 7، ص: 157 رقم الحديث: 4777.
  5. الوسيط في تفسير القرآن المجيد، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس، قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1415 هـ -1994م، سورة آل عمران، ج: 1، ص: 443.
  6. سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا – بيروت (ط/ت)، كتاب الأدب، باب ما يقال عند الغضب، ج: 4، ص: 249. رقم الحديث: 4784.
  7. الفوائد، لابن قيم الجوزية، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الثانية، 1393 هـ - 1973م، فصل فإذا دفعت الخاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده وإن قبلته صار، ص: 176.
  8. تفسير القرآن العظيم، لابن كثير الدمشقي، تحقيق: مصطفى السيد محمد - محمد السيد رشاد - محمد فضل العجماوي - علي أحمد عبد الباقي - حسن عباس قطب، دار الكتب المصرية الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2000م. تفسير سورة الجاثية وهي مكية، ج: 12، ص: 362.
  9. صحيح البخاري، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، الناشر: (دار ابن كثير، دار اليمامة) – دمشق، الطبعة: الخامسة، 1414هـ -1993م، كتاب الأدب، باب: الحذر من الغضب، ج: 5، ص: 2267. رقم الحديث: 5763.
  10. سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، حققه وخرج أحاديثه وضبط نصه: محمد صبحي حسن حلا، الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع – السعودية، الطبعة: الثالثة، 1433هـ، الباب الرابع، باب الترهيب من مساوئ الأخلاق جهاد النفس أعظم من جهاد العدو، ج: 8، ص: 212 رقم الحديث: 1398.
  11. شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: د عبد العلي عبد الحميد حامد، أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه: مختار أحمد الندوي، الناشر: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2003م، حسن الخلق فصل في ترك الغضب وفي كظم الغيظ والعفو عند القدرة، ج: 10، ص: 539 رقم الحديث: 7954.
  12. المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد - أبو الفضل عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، الناشر: دار الحرمين – القاهرة، عام النشر: 1415هـ - 1995م، باب الألف، باب من اسمه إبراهيم، ج: 3، ص: 25، رقم الحديث: 2353.
  13. صحيح البخاري، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، حديث: ما خير النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ج: 6، ص: 81، رقم الحديث: 6786.
  14. مسند الإمام أحمد بن حنبل، المحقق: شعيب الأرنؤوط، عادل مرشد – وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001م، مسند النساء مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها، ج: 43، ص: 109، رقم الحديث: 25956.
  15. تفسير ابن كثير، [سورة الأعراف، آية 154]، ج: 3، ص: 430.
  16. صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: الحذر من الغضب، ج: 5، ص: 2266، رقم الحديث: 5762.
  17. معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، المحقق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: دار الفكر، عام النشر: 1399هـ - 1979م، باب الغين والضاد وما يثلثهما، غضب، ج: 4، ص: 428.
  18. لسان العرب، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى، الحواشي: لليازجي وجماعة من اللغويين، الناشر: دار صادر – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414 هـ، ب، فصل الغين المعجمة، ج: 1، ص: 648.
  19. التعريفات، للشريف الجرجاني، حققه وضبطه وصححه جماعة من العلماء، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت –لبنان، الطبعة: الأولى 1403هـ -1984م، المجلد الأول، باب: الغين، ص: 162.
  20. إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، ربع المهلكات كتاب ذم الغضب والحقد والحسد، ج: 3، ص: 167.
  21. سنن أبي داود، أول كتاب الأدب، باب ما يقال عند الغضب، ج: 7، ص: 172، رقم الحديث: 4782.
  22. صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: الحذر من الغضب، ج: 5، ص: 2267 رقم الحديث: 5764.
  23. سنن الترمذي، أبواب الفتن عن رسول الله ﷺ، باب ما أخبر النبي ﷺ أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، ج: 4، ص: 262 رقم الحديث: 2335.
  24. جامع المسانيد، لابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، تحقيق: الدكتور علي حسين البواب، الناشر: مكتبة الرشد – الرياض، الطبعة: الأولى، 1426 هـ - 2005، ص: 7474.
  25. مصابيح السنة، لمحيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، تحقيق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، محمد سليم إبراهيم سمارة، جمال حمدي الذهبي، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1407 هـ - 1987م، - كتاب الآداب، باب الغضب والكبر، ج: 3، ص: 400 رقم الحديث: 3962.
  26. إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، ربع المهلكات كتاب ذم الغضب والحقد والحسد، ج: 2، ص: 172.
  27. صيد الخاطر، لجمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، بعناية: حسن المساحي سويدان، الناشر: دار القلم – دمشق، الطبعة: الأولى: 1425هـ - 2004م، صيد الخاطر اجتلاب الصالح ودفع المؤذي، ص: 139.
  28. مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند النساء مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها، ج: 43، ص: 109، رقم الحديث: 25956.
  29. سنن ابن ماجه، المحقق: شعيب الأرنؤوط ، عادل مرشد، محمَّد كامل قره بللي، عَبد اللّطيف حرز الله، الناشر: دار الرسالة العالمية، الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009م، أبواب السنة، باب في القدر، ج: 1، ص: 63 رقم الحديث: 85.
  30. روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت (ط/ت)، ذكر الزجر عن الطمع الى الناس، ص: 141.
  31. الفوائد، لابن قيم الجوزية، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الثانية، 1393 هـ - 1973م، قاعدة لشهادة أن لا إله إلا الله عند الموت تأثير عظيم في تكفير، ص: 58.
  32. مصابيح السنة، للبغوي، كتاب الآداب، باب الغضب والكبر، ج: 3، ص: 400 رقم الحديث: 3962.
  33. جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم ابن رجب، الحديث السادس عشر، ج: 1، ص: 368.
  34. الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيتمي، الناشر: دار الفكر، الطبعة: الأولى، 1407هـ - 1987م، الباب الأول في الكبائر الباطنة وما يتبعها الكبيرة الثالثة الغضب بالباطل، ج: 1، ص: 86.
  35. شعب الإيمان، للبيهقي، ج: 2، ص: 63 رقم الحديث: 520.
  36. شعب الإيمان، للبيهقي، ج: 2، ص: 98 رقم الحديث: 572.
  37. الفردوس بمأثور الخطاب، أبو شجاع الديلميّ الهمذاني، المحقق: السعيد بن بسيوني زغلول، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1406هـ - 1986م، باب الميم، ج: 3، ص: 564.
  38. صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: الحذر من الغضب، ج: 5، ص: 2267 رقم الحديث: 5764.
  39. إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، ربع المهلكات كتاب ذم الغضب والحقد والحسد، ج: 3، ص: 169.
  40. الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني، حققه ورتبه: أبو مصعب محمد صبحي بن حسن حلاق، الناشر: مكتبة الجيل الجديد، صنعاء – اليمن (ط/ث)، الفقه وأصوله مجموعة من الحكم لبعض الحكماء المتقدمين، ج: 11، ص: 5798.
  41. فيض القدير شرح الجامع الصغير، زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى – مصر، الطبعة: الأولى، 1356هـ، باب كان وهي الشمائل الشريفة، ج: 5، ص: 150 رقم الحديث: 6752.

43. التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ، للصنعاني، المحقق: د. محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم، الناشر: مكتبة دار السلام، الرياض، الطبعة: الأولى، 1432 هـ - 2011م، حرف الميم، من مع التاء المثناة، ج: 10، ص: 385.

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق