مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

آفات اللسان، (الغيبة والنميمة والكذب…) من مهلكات القلوب

أدلة تحريم آفات اللسان من الكتاب

يزخر القرآن الكريم بمجموعة من الآيات البينات من الذكر الحكيم التي تنهى عن آفات اللسان بمختلف أنواعها ومن ذلك:

قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [سورة الحجرات، الآية: 12].

قال تعالى : (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) [سورة القلم، الآية: 10-12].

قال تعالى (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يومِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [سورة النحل، الآية: 105].

قال جلت قدرته: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [سورة ق، الآية: 18].

قال تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، [سورة النور: الآية 24].

قول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)، [سورة الصف: الآيات، 2 – 3].

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[سورة الحجرات، الآية: 11].

قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة النور، الآية: 23].

قوله تعالى: (وَلا تَقولوا لِما تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هـذا حَلالٌ وَهـذا حَرامٌ لِتَفتَروا عَلَى اللَّـهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذينَ يَفتَرونَ عَلَى اللَّـهِ الكَذِبَ لا يُفلِحونَ).[سورة النحل، الآية: 116].

 قوله تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ).[سورة النور، الآية: 15].

قال جلت قدرته: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُومِنِينَ وَالْمُومِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) سورة الأحزاب، الآية: 58].

وقال تقدست أسماؤه: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ([سورة الاسراء، الآية: 36].

أدلة تحريم آفات اللسان من السنة

وَرَدت في السنة النبوية جملة من الأحاديث التي تحدّثت عن آفات اللسان، منها على سبيل المثال لا الحصر:

حديث معاذ بن جبل الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)[40].

قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنَّ العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ مِن رضوانِ اللَّهِ لا يُلْقي لها بالًا يرفعُه اللَّهُ بها درجاتٍ، وإنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ مِن سخطِ اللَّهِ لا يُلقي لها بالًا يَهوي بها في جهنمَ) [41].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه، فقد بهته) [42].

عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن. فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا. وكونوا، عباد الله! إخوانا)[43].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ، قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ) [44].

وعن أبي وائل، قال: بلغ حُذَيْفَةَ عنَّ رجل أَنّهَ يَنُمُّ الْحَدِيثَ، قَالَ: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ)[45].

وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبانِ، فقالَ: إِنَّهُما لَيُعَذَّبانِ، وَما يُعَذَّبانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ.ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّها بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ واحِدَةً، فقالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذا؟ فقالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُما ما لَمْ يَيْبِسا) [46].

  وعن موسى بن زياد بن حِذْيَمٍ، عن أبيه، عن جده حِذْيَمِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ: (أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ فَقَالُوا: الَّلهُمَّ نَعَمْ) [47].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ) [48].

وعن عبد اله بن عَمْرٍو رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ). أنواع آفات اللسان) [49].

أقسام الكلام وأنواعه

قسم  الإمام أبي حامد الغزالي  الكلام إلى أربعة أقسام:

  قسم هو ضرر محض؛

 وقسم هو نفع محض؛

 وقسم فيه ضرر ومنفعة؛

 وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة..

 أما الذي هو ضرر محض؛ فلا بد من السكوت عنه وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر، وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر؛ فهو فضول والاشتغال به تضييع زمان وهو عين الخسران فلا يبقى إلا القسم الرابع فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي ربع وهذا الربع فيه خطر إذ يمتزج بما فيه إثم من دقائق الرياء والتصنع والغيبة وتزكية النفس وفضول الكلام امتزاجا يخفى دركه فيكون الإنسان به مخاطراً ومن عرف دقائق آفات اللسان على ما سنذكره علم قطعاً أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم هو فصل الخطاب حيث قال من صمت نجا) [50].

أسباب وبواعث آفات اللسان

   من بين الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تمادي الإنسان في معصية الله بلسانه الغفلة عن الله عز وجل التي تزرع الشر في القلوب وتبعد خوف الله عنه وهي أصل جميع الذنوب التي تزرع القسوة في القلب وتجعله منغمسا في ظلمات الجهل والكبر والحقد والحسد وكل هذه الأمراض تترجم إلى أقوال وأفعال تصدر عن القاسية قلوبهم من ذكر الله. قال مالك بن دينار: (مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ)[51].

   ومن بين أساب آفات اللسان الاشتغال بعيوب الناس وفضح وتتبع عوراتهم إلى جانب عدم معرفة عقوبة وحكم الشرع في آفات اللسان وخطورتها. لقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات:12]. قال ابن حجر الهيثمي: (ففي الآية النهي الأكيد عن البحث عن أمور الناس المستورة وتتبع عوراتهم أهـ) [52].

    وأخرج أبو داود عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ) [53].

عدم الإخلاص في الأعمال والعبادات وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ) [54].

والتخلي عن مراقبة النفس ومحاسبتها؛ ويقول الله عز وجل، في وصف المؤمنين الذين يحاسبون أنفسهم عند الزلة والتقصير وأنهم يرجعون عما كانوا عليه: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [سورة الأعراف، الآية:201].

  عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، (الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ) [55]، قال الترمذي: (معنى قوله: من دان نفسه حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يُحاسب يوم القيامة)[56].

   وليعلم الإنسان بأن الشيطان هو العدو الوحيد: الذي يشجع على التمادي في السقوط في زلات اللسان لذلك ينبغي للإنسان أن يتخذه عدوا مصداقا لقوله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [سورة فاطر، الآية: 6].

طرق التخلص من آفات اللسان

  لكل آفة من آفات اللسان السالفة الذكر علاج وطرق للتخلص منها والابتعاد عنها، وأهم بداية التي ينبغي الانطلاق منها: هو حفظ اللسان، وعوض أن يرتكب الإنسان معصية بلسانه ينبغي أن يتذكر أن لذلك عواقب خطيرة وأن يعمل على مراقبة لسانه وتعويذه على الكلام في الخير وغض الطرف وستر العورات والاشتغال بذكر الله عوض ذكر عيوب الناس والابتعاد عن مجالسة رفقاء السوء ومجالس اللغو والنميمة التي لا يذكر فيها اسم الله عز وجل وأن يخالط الأتقياء والصلحاء الذاكرين الله والمتفانين في ذكره ومعرفته.

   قال الامام الغزالي: (اعلم أنّ أحسن أحوالك أن تحفظ ألفاظك من جميع الآفات التي ذكرناها من الغيبة والنميمة والكذب والمراء والجدال وغيرها وتتكلم فيما هو مباح لا ضرر عليك فيه ولا على مسلم أصلاً إلا أنك تتكلم بما أنت مستغن عنه ولا حاجة بك إليه فإنك مضيع به زمانك ومحاسب على عمل لسانك وتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير لأنك لو صرفت زمان الكلام إلى الفكر ربما كان ينفتح لك من نفحات رحمة الله عند الفكر ما يعظم جدواه ولو هللت الله سبحانه وذكرته وسبحته لكان خيراً لك فكم من كلمة يبنى بها قصراً في الجنة ومن قدر على أن يأخذ كنزاً من الكنوز فأخذ مكانه مدرة لا ينتفع بها كان خاسراً خسراناً مبيناً وهذا مثال من ترك ذكر الله تعالى واشتغل بمباح لا يعنيه فإنه وإن لم يأثم فقد خسر حيث فاته الربح العظيم بذكر الله تعالى فإن المؤمن لا يكون صمته إلا فكرا ونظره إلا عبرة ونطقه إلا ذكراً (٣) هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم بل رأس مال العبد أوقاته ومهما صرفها إلى مالا يَعْنِيهِ وَلَمْ يَدَّخِرْ بِهَا ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ ضَيَّعَ رَأْسَ مَالِهِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المرء تركه مالا يعنيه) [57].

ويضيف الإمام الغزالي: (أنه من تأمل جميع... آفات اللسان علم أنه إذا أطلق لسانه لم يسلم، وعند ذلك يعرف سر قوله ﷺ: (من صمت نجا)؛ لأن هذه الآفات كلها مهالك ومعاطب، وهي على طريق المتكلم، فإن سكت سلم من الكل، وإن نطق وتكلم خاطر بنفسه، إلا أن يوافقه لسان فصيح، وعلم غزير، وورع حافظ، ومراقبة لازمة، ويقلل من الكلام؛ فعساه يسلم عند ذلك، وهو مع جميع ذلك لا ينفك عن الخطر، فإن كنت لا تقدر على أن تكون ممن تكلم فغنم، فكن ممن سكت فسلم، فالسلامة إحدى الغنيمتين) [58].

وقد وضع الإمام الغزالي آدابا خاصة للتصدي لآفة النميمة عندما تصدر من أحد الصدقاء بقوله:

  1. أن لا يصدقه، لأن النمام فاسق، وهو مردود الشهادة؛
  2. أن ينهاه عن ذلك، وينصح له، ويقبح عليه فعله؛
  3. أن يبغضه في الله، فإنه بغيض عند الله؛
  4. أن لا يظن بأخيه الغائب السوء، فإن بعض الظن إثم؛
  5. أن لا يحمله ما حكي له على التجسس، والبحث لأجل التحقق؛
  6. وأن لا يحكي النميمة، وإلاّ رضي لنفسه ما نهى النمام عنه...) [59].

  -----------------

  1. إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، الناشر: دار المعرفة – بيروت (ط/ت)، ربع المهلكات، كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 108.
  2. إحياء علوم الدين، ربع المهلكات، كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 108.
  3. مسند الإمام أحمد بن حنبل، المحقق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001م، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، ج: 20، ص: 343 رقم الحديث: 13047.
  4. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، الناشر: مطبعة السعادة - بجوار محافظة مصر، عام النشر: 1394 هـ - 1974م، ج: 2، ص: 110.
  5. طبقات الأولياء، لابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، بتحقيق: نور الدين شريبه من علماء الأزهر، الناشر: مكتبة الخانجي، بالقاهرة، الطبعة: الثانية، 1415 هـ - 1994م، حرف الميم - 257 للهجرة، ص: 322.
  6. صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، ج: 8، ص: 101 رقم الحديث: 6478.
  7. سنن الترمذي، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1996م، أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه، ج: 4، ص: 211، رقم الحديث: 2411.
  8. سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - فيصل عيسى البابي الحلبي (ط/ت)كتاب الحدود، باب الستر على المؤمن ودفع الحدود بالشبهات ج: 2، ص: 350 رقم الحديث: 2546.
  9. مسند أحمد بن حنبل، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، ج: 14، ص: 513 رقم الحديث: 8951.
  10. ربيع الأبرار ونصوص الأخيار، لجار الله الزمخشري، الناشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ الجزء الثانى، الباب الحادي والعشرون الحياء والسكوت، وقلة الاسترسال، والعزلة، والستر والخمول، وسلامة الجانب، والتواضع، وهضم النفس ونحو ذلك، ج: 2، ص: 136.
  11. صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، ج: 8، ص: 100 رقم الحديث: 6474.
  12. فتح الباري بشرح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وتصحيح تجاربه: محب الدين الخطيب، الناشر: المكتبة السلفية – مصر، الطبعة: 1380 - 1390هـ، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان: ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، وقوله تعالى: ﴿ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾، ج: 11، ص: 309.
  13. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب، عام النشر: 1387 هـ. زيد بن أسلم، الحديث الثالث والثلاثون ج: 5، ص: 67.
  14. التفسير الوسيط للزحيلي، الناشر: دار الفكر – دمشق، الطبعة: الأولى - 1422هـ، تحريم الإيذاء وأداء الأمانات [سورة الأحزاب (33) : الآيات 69 إلى 73]، ج: 3، 2092.
  15. لسان العرب، لابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى، الحواشي: لليازجي وجماعة من اللغويين

الناشر: دار صادر – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414هـ. (ف، فصل التاء المثناة)، ج: 9، ص: 16.

  1. المعجم الوسيط، المؤلف: نخبة من اللغويين بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، الناشر: مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الطبعة: الثانية [كُتبَتْ مقدمتُها 1392 هـ = 1972م]. ج: 2، ص: 32.
  2. معجم لغة الفقهاء، المؤلف: محمد رواس قلعجي - حامد صادق قنيبي، الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988م. حرف الهمزة، ص: 36.
  3. إحياء علوم الدين، ربع المهلكات، كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 143.
  4. سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، ج: 4، ص: 269 رقم الحديث: 4847.
  5. إحياء علوم الدين، ربع المهلكات، كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 146.
  6. الزواجر عن اقتراف الكبائر، لأحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي، الناشر: دار الفكر، الطبعة: الأولى، 1407هـ - 1987م ، كتاب النكاح، الكبيرة الثامنة والتاسعة والأربعون بعد المائتين الغيبة والسكوت عليها، ج: 2، ص: 20.
  7. إحياء علوم الدين، ربع المهلكات، كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 156.
  8. الزواجر عن اقتراف الكبائر، كتاب النكاح، الكبيرة الثانية والخمسون بعد المائتين النميمة ج: 2، ص: 37.
  9. الأدب المفرد، لمحمد بن إسماعيل البخاري، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: المطبعة السلفية ومكتبتها – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1379م، ثم صورتها وأضافت لها فهارس: دار البشائر الإسلامية، 1409 هـ - 1989م، باب من سأل الله العافية، ص: 252. رقم الحديث: 724.
  10. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في المعاريض، ج: 4، ص: 293 رقم الحديث: 4971.
  11. الأدب المفرد، للبخاري، باب لا تعد أخاك شيئا فتخلفه، ص: 142.
  12. إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ربع المهلكات كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 118.
  13. حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبة في الليل والنهار، المعروف بـ: الأذكار النواوية، المؤلف: أبو زكريا، يحيى بن شرف النواوي، بعناية: بَسّام عبد الوهّاب الجابي، الناشر: الجفان والجابي للطباعة والنشر - دار ابن حزم للطباعة والنشر، الطبعة: الطبعة الأولى 1425 هـ- 2004م. باب في ألفاظ يكره استعمالها، فصل ذم المراء والجدال والخصومة، ص: 587.
  14. صحيح مسلم، كتاب العلم، باب في الألد الخصم، ج: 8، ص: 162. رقم الحديث: 2668.
  15. جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير، جلال الدين السيوطي، المحقق: مختار إبراهيم الهائج - عبد الحميد محمد ندا - حسن عيسى عبد الظاهر، الناشر: الأزهر الشريف، القاهرة - جمهورية مصر العربية، الطبعة: الثانية، 1426 هـ - 2005م، القسم الأول: الأقوال، حرف الميم، ج: 9، ص: 61.
  16. إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ربع المهلكات كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 118.
  17. الصمت وآداب اللسان، لابن أبي الدنيا، حققه وخرج أحاديثه: أبو إسحاق الحويني الأثري، الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 هـ - 1990م، باب ذم المزاح، ص: 211.
  18. شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: د عبد العلي عبد الحميد حامد، أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه: مختار أحمد الندوي، صاحب الدار السلفية ببومباي – الهند، الناشر: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2003م، حفظ اللسان عما لا يحتاج إليه فصل في المزاح، ج: 7، ص: 197.
  19. إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ربع المهلكات كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 128.
  20. الزواجر عن اقتراف الكبائر، لا بن حجر الهيثمي، الناشر: دار الفكر، الطبعة: الأولى، 1407هـ - 1987م، كتاب النكاح، الكبيرة الثالثة والخمسون بعد المائتين كلام ذي اللسانين وهو ذو الوجهين الذي لا يكون عند الله وجيها، ج: 2، ص: 39.
  21. صحيح البخاري، كتاب المناقب، قول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)، ج: 4، ص: 178.
  22. ذم الغيبة والنميمة، أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: بشير محمد عيون، الناشر: مكتبة دار البيان، دمشق - سورية، مكتبة المؤيد، الرياض – السعودية، الطبعة: الأولى، 1413 هـ - 1996م، باب ذم ذي اللسانين، ص: 41.
  23. إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ربع المهلكات، كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 131.
  24. إحياء علوم الدين، ربع المهلكات، كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 131.
  25. سنن الترمذي، أبواب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، ج: 5، ص: 12 رقم الحديث: 2616.
  26. مصابيح السنة، لمحيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، تحقيق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، محمد سليم إبراهيم سمارة، جمال حمدي الذهبي، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1407 هـ - 1987م. كتاب الآداب، باب حفظ اللسان والغيبة والشتم، 3، ص: 318، رقم الحديث: 3741.
  27. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الغيبة، ج: 4، ص: 2001، رقم الحديث: 2589.
  28. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش، ونحوها، ج: 4، ص: 985. رقم الحديث: 2563.
  29. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الغيبة، ج: 4، ص: 269. رقم الحديث: 4878.
  30. مسند الإمام أحمد بن حنبل، أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، ج: 38، ص: 351 رقم الحديث: 23325.
  31. صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الجريد على القبر، ج: 2، ص: 95 رقم الحديث: 1361.
  32. معرفة الصحابة، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة: الأولى 1419هـ- 1998م. ج: 2، ص: 381 رقم الحديث: 2285.
  33. سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب حرمة دم المؤمن وماله، ج: 2، ص: 298، رقم الحديث: 3933.
  34. صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ج: 1، ص: 13 رقم الحديث: 10.
  35. إحياء علوم الدين، ربع المهلكات، كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 111.
  36. الزهد، لأحمد بن حنبل، وضع حواشيه: محمد عبد السلام شاهين، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999م، زهد محمد بن سيرين رحمه الله تعالى، ص: 259. رقم الحديث: 1871.
  37. الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيثمي، كتاب النكاح، الكبيرة الثامنة والتاسعة والأربعون بعد المائتين، الغيبة والسكوت عليها، ج: 2، ص: 10.
  38. سنن أبي داود، كتاب الأدب باب في الغيبة، ج: 4، ص: 270. رقم الحديث: 4880.
  39. السنن الكبرى، لأحمد بن شعيب النسائي، حققه وخرج أحاديثه: حسن عبد المنعم شلبي، بمساعدة مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، أشرف عليه: شعيب الأرناؤوط، قدم له: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م. - كتاب الصيام، ثواب من فطر صائما، وذكر الاختلاف على عطاء في الخبر فيه، ج: 3، ص: 375. رقم الحديث: 3319.
  40. الجامع الكبير (سنن الترمذي)، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ج: 4، ص: 246. رقم الحديث: 2459.
  41. نفس المصدر نفس الصفحة.
  42. إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ربع المهلكات كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 112.
  43. إحياء علوم الدين، ربع المهلكات، كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 162.
  44. إحياء علوم الدين، ربع المهلكات، كتاب آفات اللسان، ج: 3، ص: 156.
الصفحة السابقة 1 2
Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق