الرابطة المحمدية للعلماء

وفاة أحد أبرز أعلام فني المديح والسماع في المغرب

وفاة أحد أبرز أعلام فني المديح والسماع في المغرب

عبد اللطيف بنمنصور مبدع ومجدد في مجال الفنون التراثية

انتقل إلى عفو الله تعالى ورحمته، مساء أمس الثلاثاء 6 أبريل الجاري، بأحد مستشفيات الرباط، الأستاذ عبد اللطيف بنمنصور، عن سن 84 عاما، ويُعد الراحل، واحدا من أبرز أعلام فني المديح والسماع في المغرب ومن رواد الموسيقى الأندلسية، ومن المجددين في هذه الفنون التراثية المغربية، حيث استحق عن جدارة واقتدار أن يلقب بشيخ المادحين والمسمعين والمنشدين المغاربة.

واعتبر الزميل إدريس اكديرة، في الورقة التعريفية بأعمال الراحل، أن عبد اللطيف بن محمد بنمنصور (وهو من مواليد سنة 1926 بحاضرة الرباط)، كان من حسن حظه أن يلازم متصوفا رفيع الطبقة، غزير السر، كامل الذوق، وهو جده لأمه الفقيه عبد السلام اكديرة المنتسب للطريقة الحراقية الدرقاوية ومقدمها وشيخها بالرباط، وعلى هذا الشيخ تتلمذ، وعنه أخذ، و به اعتمد، ومنه استمد ليظهر أثر ذلك عليه فيما بعد؛ وعن ذلك قال الفقيد بنمنصور في إحدى الأحاديث الصحفية التي أجريت معه “إن نشوئي في أسرة وبيئة تتنفس المديح والسماع كان السبب المباشر في تعلقي وولعي بهذا الفن الراقي، ذلك أن جدي لوالدتي هو الفقيه عبد السلام اكديرة مقدم الزاوية الحراقية الدرقاوية بمدينة الرباط في إبانه، ووالدي محمد بنمنصور كان من أوفى مريدي هذه الزاوية وخادم مقدمها، وضمن هذه البيئة الصوفية الربانية تربيت ونشأت أتنسم أريج مجالس الذكر والسماع بكرة وعشيا، فكان أن وقر هذا الفن في سويداء قلبي واحتل الصدارة في مسار اهتماماتي وانشغالاتي، سيما وأن جدي رحمه الله كان يرعاني ويهذبني ويحدثني بحديث أهل المديح والسماع، وبعد أن اشتد عودي أخذ جدي يصحبني معه إلى الزاوية الدرقاوية حيث تشربت نفسي أصول المديح والسماع على يد فطاحل المسمعين والمادحين آنذاك”.

وساعد هذا الطفل النجيب آنذاك فضوله وإقباله على علوم اللغة والقرآن والحديث وتذوقه للقصيد والدواوين الشعرية، إلقاء وترنيما وغناء، وولعه بجميل الشعر وبديع النغم، مما أهله ليقارب كل ظاهرة فنية متشبعا بثقافة أصيلة عميقة الأثر، وعن بدايته تعليمه يقول الراحل “حفظت القرآن على يد الفقيه الشيخ الحاج إدريس برادو، وكان حافظا متقنا زاوجت فيه بين ميزتي الحفظ والفهم، حتى أني كنت وما أزال معروفا لدى أصدقائي وجلسائي بسرعة بديهتي في استحضار الشواهد من آي القرآن الكريم على الوقائع والأحداث .

وبعد ذلك درست الألفية وبقية علوم الآلة على يد الأستاذ عبد الله الجراري، كما انتسبت إلى مجالس الشيخ محمد بن المدني الحسني لسنوات، وبعد الإحاطة بحظ وافر من العلوم الشرعية وغيرها انخرطت في خطة العدالة بعد اجتياز اختبار دقيق سنة 1984″.

وشارك الفقيد عبد اللطيف بنمنصور في مجال النظم بمجموعة من القصائد والموشحات ضمنها ديوانه بعنوان “نفحات العرف والذوق في مدح طه سيد الخلق”، بالإضافة إلى ذلك نسق بنمنصور برامج للسماع والمديح في مناسبات شتى. إلا أن إسهامه المتميز كان إصداره سنة 1977 لمجموع الأشعار والأزجال والبراول المعروف بـ”كناش الحائك” متضمنا، إلى جانب المتن الشعري المصحح والمنقح، أهم نظراته النقدية لأساليب أداء النوبة في هذا العصر، كما اختير المرحوم عبد اللطيف بنمنصور، ما بين سنتي 1989 و1992، عضوا في اللجنة الوطنية المكلفة بالإشراف على تسجيل “أنطولوجية الآلة” وحصل بفضل ذلك على وسام العرش من درجة فارس سنة 1992، وأنجز أيضا، لوزارة الثقافة، تحت إشرافه وبحضور نخبة من المسمعين من مختلف مدن المملكة، تسجيلات لقصائد “البردة” و”الهمزية” و”الفياشية” و”المنفرجة” والغوثيات وحصص من فن السماع صدرت كلها في أقراص مدمجة (أسطوانات لايزر) ما بين 1994 و1998، وتعتبر هذه التسجيلات حاليا أساسا لمعرفة الطبوع والإيقاعات والإنشادات ومدرسة للأداء الأصيل.

وقد أقيمت للراحل عبد اللطيف بنمنصور عدة حفلات تكريمية منها تكريمه في أكتوبر 1998 بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، وكان آخرها تكريمه في مارس 2010 في إطار ملتقى تطوان لفني المديح والسماع الذي أقيم تحت شعار “الشيخ عبد اللطيف بنمنصور رائد المدرسة السماعية الحراقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق