مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

وجوه الترجيحات(3)

يقول الإمام الحافظ أبو بكر بن حازم الهمذاني (ت584هـ) مُبيناً وجوه الترجيح:

الوجه السابع أن يكون أحد الروايين مباشرا لما رواه والثاني حاكيا؛ فالمباشر أعرف بالحال، مثاله حديث ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم نكحها وهو حلال، وبعضهم رواه نكحها وهو حرام، فمن رواه نكحها وهو حلال أبو رافع، ومن رواه نكحها وهو حرام ابن عباس، وحديث أبي رافع أولى بالتقديم لأن أبا رافع كان سفيرا  بينهما، وكان مباشرا للحال، وابن عباس كان حاكيا؛ ولهذا أحالت عائشة رضي الله عنها على علي رضي الله عنه لما سألوها عن المسح على الخفين وقالت: سلوا عليا فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثامن أن يكون أحد الراويين صاحب القصة فيرجح حديثه؛ لأن صاحب القصة أعرف بحاله من غيره وأكثر اهتماما، ولذلك رجح نفر من الصحابة ممن كان يرى الماء من الماء إلى حديث عائشة رضي الله عنها في التقاء الختانين.

الوجه التاسع أن يكون أحد الراويين أحسن سياقا لحديثه من الآخر وأبلغ استقصاء فيه؛ لأنه قد يحتمل أن يكون الراوي الآخر سمع بعض القصة فاعتقد أن ما سمعه مستقل بالإفادة، ويكون الحديث مرتبطا بحديث آخر لا يكون هذا قد تنبه له، ولهذا من ذهب إلى الإفراد في الحج قدم حديث جابر لأنه وصف  خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مرحلة مرحلة ودخوله مكة، وحكى مناسكه على ترتيبه و انصرافه إلى المدينة، وغيره لم يضبطه ما ضبطه.

الوجه العاشر أن يكون أحد الراويين أقرب مكانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحديثه أولى بالتقديم؛ لأنه يكون أمكن من استيفاء كلامه وأسمع له، ولذلك من يرى الإفراد بالحج أفضل من القِران يذهب إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج، ويرجحه على حديث أنس أنه قرن لما ذكر ابن عمر في حديثه قال: كنت تحت جران ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعابها بين كتفي.

الوجه الحادي عشر أن يكون أحد الراويين أكثر ملازمة لشيخه؛ فإن المحدث قد ينشط تارة فيسوق الحديث على وجهه، وقد يتكاسل في الأوقات فيقتصر على البعض، أو يرويه مرسلا إلى غير ذلك من الأسباب، وهذا الضرب يوجد كثيرا في حديث مالك بن أنس رضي الله عنه، ولهذا قدمنا يونس بن زيد الأبلي في الزهري على النعمان بن راشد وغيره من الشاميين من أصحاب الزهري؛ لأن يونس كان كثير الملازمة للزهري حتى كان يزامله في أسفاره، وطول الصحبة له زيادة تأثير فيرجح به.

كتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار،

الصفحة: 11-12.

الطبعة الثانية،

 مطبعة دائرة المعارف العثمانية،

 حيدر آباد، 1359هـ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق