الرابطة المحمدية للعلماء

هل العالم سيكون أفضل بدون الإسلام؟

غراهام فولر: لم يوجد في التاريخ الإسلامي ما يشابه الحربين العالميتين بتأثيراتهما
الكونية الكارثية”!

نشرت مجلة (Foreign Policy) في عددها الأخير مقالة لجراهام فولر Graham E.Fuller
بعنوان: عالم بدون إسلام (A World Without Islam). وقد أثارت هذه المقالة -وما تزال-
الكثير من النقاش في صفوف صنّاع القرار الثقافي والسياسي والإعلامي في العالمين الإسلامي
والغربي. وهو ما جعل بعض المراقبين يعتبرون أطروحة فولر في هذه المقالة مؤشرا على إمكانية
وجود تحول في السياسة الأمريكية تجاه منطقة “الشرق الأوسط” بشكل خاص، وتجاه الإسلام
بشكل عام.

تكمن أهمية مقالة فولر -التي ترجمت إلى لغات عديدة، منها اللغة العربية (ترجمة الكاتب
المصري صالح سليمان عبد العظيم)- في أمرين على الأقل:

الأول: طبيعة الكاتب نفسه؛ فجراهام فولر هو النائب السابق لرئيس مجلس المخابرات القومي
التابع لوكالة المخابرات الأمريكية، المسؤول عن التنبؤات الاستراتيجية بعيدة المدى،
وهو حاليا أستاذ زائر في قسم التاريخ في جامعة سيمون فريزر بفانكوفر، وهو مؤلف للكثير
من المؤلفات حول الإسلام والمسلمين، منها كتاب: “مستقبل الإسلام السياسي” (2003)، كما
أنه من صناع القرار السياسي الأمريكي، ومن الخبراء الرئيسيين في الشأن الإسلامي.

الثاني: طبيعة المجلة التي نشرت المقالة؛ فمجلة “فورين بوليسي” من أوسع المجلات انتشارا
في الوسط السياسي العالمي.

يحاول فولر في مقالة “عالم بدون إسلام” “اختراق” الوعي الغربي، ومجادلة مسلماته وصوره
النمطية المتعلقة بنظرته للإسلام والمسلمين؛ خاصة ما يتعلق بربط الإسلام بصدام الحضارات
والحروب المقدسة والإرهاب! وفي هذا الصدد، يُذكّر فولر الرأيَ العام الغربي بأنه “من
السهل تحديد الإسلام بوصفه مصدر “المشكلة”، لكن هذا التحديد -يستدرك فولر- أكثر يسرا
من الوقوف على الآثار الكونية للقوة العظمى الوحيدة في عالمنا المعاصر”!.

ينطلق فولر من التساؤل الافتراضي التالي: هل العالم سيكون أفضل بدون الإسلام؟ وللإجابة
على هذا التساؤل الكبير طرح مجموعة من الأسئلة الصغيرة كمفاتيح للوصول إلى تلك الإجابة،
منها: كيف سيكون حال “الشرق الأوسط” إذا لم يظهر الإسلام إلى الوجود؟ وهل علاقة “الشرق
الأوسط” بالغرب ستكون أكثر تصالحا إذا ما ظل الشرق مسيحيا؟ ويثبت في هذه المقالة؛ عبر
مجموعة من الشواهد التاريخية، أن العالم بدون الإسلام لن يكون أفضل عما عليه الآن،
بل إن شكل المنطقة سوف يبقى معقدا وصراعيا.

يشدد فولر على أن سمة الممانعة ليست شأنا خاصا بالمسلمين، بل إن هذه السمة مركوزة في
داخل كل إنسان بغض النظر عن دينه ولغته وثقافته. فالإنسان بطبيعته يرفض الظلم والقهر.

ومن هنا فإن عالما بدون إسلام -في تصور فولر- لا يعني أن التشكيلات الدينية والثقافية
الأخرى من العالم سترحب بالظلم والهيمنة والقهر.

وفي هذا السياق يقول فولر: “من غير المرجح أن يرحب المواطنون المحليون المسيحيون بالأساطيل
الأوروبية وتجارهم المدججين بالمدافع الغربية”. وحتى في المرحلة الحديثة فإن مسيحيي
الشرق الأوسط، يقول فولر، لن يرحبوا بقدوم شركات النفط الغربية الإمبريالية مثلهم في
ذلك مثل المسلمين.

من ناحية أخرى، شكك فولر في أطروحة الذين يرون أن الدافع الأساس وراء “الحملات الصليبية”
يكمن في نشر الدين المسيحي، وقال بأن الهدف الأساس من تلك الحملات هو الهيمنة والاستعمار،
وأشار إلى أن العقلية الاستعمارية لا تعير أي اعتبار للقيم والمبادئ. أما بخصوص استعمال
الدين في هذه الحملات فهدفه الأساس -كما يقول فولر- هو “مباركة النوازع الدنيوية للأوروبيين
الأقوياء”.

ويُعتبر التمييزُ بين المسيحية الشرقية الأرثوذوكسية وبين الكنيسة الكاثوليكية من المداخل
الرئيسة التي اعتمدها فولر للتأكيد على أن مسيحيي الشرق -في غياب الإسلام- لن يقبلوا
أي سيطرة أوروبية على أرضهم وثرواتهم.

ويُذكّرنا فولر ب”أن واحدا من أكثر خلافات التاريخ الدينية استمرار وعدائية وقسوة كان
بين الكنيسة الكاثوليكية في روما والمسيحية الشرقية الأرثوذكسية في القسطنطينية، وهو
العداء المستحكم حتى اليوم”، وأن “الخلاف فيما بين الشرق والغرب في الشرق الأوسط المسيحي
قد استمر مثلما عليه الحال اليوم”.

ومن بين خصائص الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية وفق تصور فولر:

أولا: مازالت الكنيسة الشرقية تحتفظ بخوفٍ متبقٍ من الغرب.

ثانيا: رؤيتها للدين بوصفه العنصر الفاعل في حماية المجتمعات والثقافة الإسلامية والحفاظ
عليها.

ثالثا: توجسها من التوجه الإمبريالي للغرب.

وفي موضوع ذي صلة بالإرهاب يرى فولر أن الذاكرة الغربية في تركيزها على الإرهاب باسم
الإسلام تتسم بالقصور. وفي هذا الإطار قدّم نبذة من تاريخ الحركات الإرهابية التي عرفتها
أوروبا والغرب بشكل عام. ليصل في النهاية إلى تقرير النتيجة التالية: “كل أشكال الرعب
الرئيسة في القرن العشرين قد أتت تقريبا بشكل حصري من الأنظمة العلمانية المتشددة (…)،
ولم يوجد في التاريخ الإسلامي ما يشابه الحربين العالميتين بتأثيراتهما الكونية الكارثية”.

وبخصوص ما يقال عن معاداة المسلمين “للسامية” يوضح فولر أن “المسيحيين هم من قاموا
بقمع اليهود بشراسة لما يزيد على الألف سنة، مكللين ذلك بالإبادة”. ويضيف بأن السلوك
المعادي “للسامية” كان متجذرا بشكل قوي بين الشعوب والثقافة الغربية.

كل ما سبق لا يعني -في تصور فولر- أن الإسلام لا يتميز بشيء معين عن غيره من الأديان
والمعتقدات والأفكار، بل يعتقد أن الإسلام يتميز بخصوصية تجعل من مقاومته لما سماه
ب”الاعتداءات الغربية” مقاومةً تختلف نوعيا عن سائر أنواع المقاومات الأخرى… وتتجلى
هذه الخصوصية في رؤية الإسلام للعالم والكون والحياة والثقافة والأخلاق والقيم.. وقدرته
على توحيد منطقة كانت تتسم بكثير من التعقيد. وهذه الخصوصية -يقول فولر- هي التي جعلت
المسلمين ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم جزءا من مشروع حضاري إسلامي كبير.

ليصل في النهاية إلى تقرير نتيجة مفادها أن الحضارة الإسلامية بَنت للمسلمين أرضية
تصورية مشتركة تمكنهم من استئناف، يقول فولر، “مقاومتهم ضد الاعتداءات الغربية”، وأن
هذه الحضارة قد نجحت في “خلق ذاكرة ثقافية من الأقدار والمصائر المشتركة التي لا تنتهي
أبدا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق