مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةقراءة في كتاب

نهاية الإقدام في علم الكلام لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني ت.548هـ

هو محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح الشافعي المتكلم، قرأ الكلام على أبي القاسم الأنصاري وتفرد به، وتفقه على أحمد الخوافي وأبي نصر القشيري وغيرهما، وبرع في الفقه، دخل بغداد سنة (510هـ) ووعظ بها، وظهر له القبول التام عند العموم.
وقد اختُلف في تاريخ ولادته على ثلاثة أقوال، لعل أرجحها ما ذكر  السمعاني[1] -وكان معاصرا له- أنها كانت سنة479هـ[2]، واتُفق على أن مكان ولادته هو “شهرستان” بين نيسابور وخوارزم، وتوفي بها في شعبان سنة 548هـ[3].
من مؤلفاته العقدية:
– الملل والنحل.
– نهاية الإقدام في علم الكلام.
– مصارعة الفلاسفة.
– مجلس في الخلق والأمر.
– بحث في الجوهر الفرد.
– مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار.
– الإرشاد إلى عقائد العباد.
– رسالة في المبدأ والمعاد.
– المناهج في علم الكلام.
– غاية المرام في علم الكلام.
– دقائق الأوهام.
موضوع الكتاب والغرض من تأليفه:
هو مصنف في علم الكلام جمع فيه مؤلفه جميع مسائل الكلام، وجعلها في عشرين قاعدة يناقش خلالها الآراء الكلامية والفلسفية في القضايا العقدية.
وللكتاب أهمية بالغة تظهر في كثرة نقول أهل العلم عنه، كما اعتمده الآمدي اعتمادا ملحوظا في كتابه “غاية المرام في علم الكلام”.
وقد أفصح الشهرستاني عن غرضه من تأليف هذا الكتاب في مقدمته، وهو جمع مشكلات الأصول وحل ما انعقد من غوامضها على أرباب العقول، ثم أوضحه في أواسط الكتاب قال: “ولولا أني التزمت على نفسي في هذا الكتاب أن أبين مصادر المذاهب ومواردها واشتراك منتهى إقدام العقول في مسائل الأصول، وإلا ما أهمني كشف الأسرار وهتك الأستار”[4]،  وقال في أواخر الكتاب: ” فإني لم أشترط على نفسي في هذا الكتاب نقل ما ذكر في الكلام، وإنما شرطت حل المشكلات من المعقولات، وبيان منتهى إقدام أهل الأصول في مراتب العقول دون المنقول”.[5]وقد قيل أن الشهرستاني أراد أن يثبت في كتابه “نهاية الإقدام” اعتقاده الصحيح الذي ربما عرّضه للارتياب فيه ما عرضه من الموضوعية في كتابه” الملل والنحل”،  فوضع الأول بعد الثاني وجاء مكملا له.[6]وقد وعد الشهرستاني بتأليف كتاب”نهايات أوهام الحكماء الإلهيين”يناقش خلاله الآراء الحكمية، تتمة للغرض الذي من أجله ألف كتاب “نهاية الإقدام”، قال في ذلك: “وقد نجز غرضنا من عشرين قاعدة في بيان نهايات إقدام أهل الكلام وإن تنفس الأجل وأمهل العمر شرعنا في عشرين أخرى في بيان نهايات أوهام الحكماء الإلهيين”.[7] أما إنجاز الوعد فليس هناك دليل عليه، فمجرد تأخر وفاة المؤلف غير كافي في الدلالة على تأليفه.[8]
محتوياته:
اشتمل الكتاب على عشرين قاعدة هي:
القاعدة الأولى: في حدث العالم، وبيان استحالة حوادث لا أول لها واستحالة حوادث لا آخر لها واستحالة وجود أجسام لا تتناهى مكانا.
القاعدة الثانية: في حدوث الكائنات بأسرها بإحداث الله.
القاعدة الثالثة: في التوحيد، وفيه ذكر الوحدانية ومعنى الواحد، تمهيدا للرد على  الثنوية.
القاعدة الرابعة: في إبطال التشبيه، وفيها الرد على أصحاب الصور، وأصحاب الجهة، والكرامية في قولهم أن الله تعالى محل للحوادث.
القاعدة الخامسة: في إبطال مذهب التعطيل وبيان وجوه التعطيل.
القاعدة السادسة: في الأحوال بين المثبتين والنافين، مع بيان مصدر القولين وصوابهما من وجه وخطئهما من وجه آخر.
القاعدة السابعة: في المعدوم هل هو شيء أم لا، وفي الهيولي، وفي الرد على من أثبت الهيولي بغير صورة الوجود.
القاعدة الثامنة: في إثبات العلم بإحكام الصفات العلى.
القاعدة التاسعة: في إثبات العلم بالصفات الأزلية.
القاعدة العاشرة: في العلم الأزلي خاصة وأنه أزلي واحد متعلق بجميع المعلومات.
القاعدة الحادية عشرة: في الإرادة، وهي تتشعب إلى ثلاث مسائل، إحداهما الأولى في كون الباري تعالى مريدا على الحقيقة، الثانية في أن إرادته قديمة لا حادثة، والثالثة أن الإرادة الأزلية متعلقة بجميع الكائنات.
القاعدة الثانية عشرة: في كون الباري متكلما بكلام أزلي.
القاعدة الثالثة عشرة: في أن كلام الباري واحد.
القاعدة الرابعة عشرة: في حقيقة الكلام الإنساني والنطق النفساني.
القاعدة الخامسة عشرة: في العلم بكون الباري تعالى سميعا بصيرا.
القاعدة السادسة عشرة: في جواز رؤية الباري تعالى عقلا ووجوبها سمعا.
القاعدة السابعة عشرة: في التحسين و التقبيح وبيان أنه لا يجب على الله تعالى شيء من قبيل العقل ولا يجب على العباد شيء قبل ورود الشرع.
القاعدة الثامنة عشرة: في إبطال الغرض والعلة في أفعال الله تعالى، وإبطال القول بالصلاح والأصلح، واللطف ومعنى التوفيق والخذلان، والشرح والختم والطبع، ومعنى النعمة والشكر، ومعنى الأجل والرزق.
القاعدة التاسعة عشرة: في إثبات النبوات، وتحقيق المعجزات، ووجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام.
القاعدة العشرون: في إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان معجزاته ووجه دلالة الكتاب على صدقه، وجمل من معجزاته في السمعيات من الأسماء والأحكام، وحقيقة الإيمان والكفر، والقول في التكفير والتضليل، وبيان سؤال القبر والحشر والبعث والميزان والحساب والحوض والشفاعة والصراط والجنة والنار، وإثبات الإمامة وبيان كرامات الأولياء من الأمة، وبيان جواز النسخ في الشرائع وأن هذه الشريعة ناسخة للشرائع كلها، وأن محمدا المصطفى صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وبه ختم الكتاب.  
طبعاته:
طُبع الكتاب بتحرير وتصحيح  المستشرق”ألفرد جيوم” عدة مرات، من هذه الطبعات:
– طبعة لندن سنة 1931م.
– طبعة أوكسفورد سنة 1934م.
– طبعة مكتبة المثنى ببغداد (دون ذكر تاريخ الطبع).
– نشرة الثقافة الدينية مصورة عن الطبعة المصححة للمستشرق “ألفرد جيوم”.
ثم طبع الكتاب بتحقيق  أحمد فريد المزيدي، الطبعة الأولى لدار الكتب العلمية سنة 2004.
وقد ذيل “ألفرد جيوم”  هذا الكتاب ببحث للشهرستاني في “الجوهر الفرد”، وكذا فعل “فريد المزيدي”، واختلف الباحثون في هذا البحث هل هو مؤلف مستقل أم هو جزء من الكتاب؟ مع اتفاقهم على صحة نسبته إلى الشهرستاني[9].

 

الهوامش:

[1] هو الإمام الحافظ أبو سعد عبد الكريم بن محمد التميمي السمعاني المروزي، صاحب كتاب “التحبير في المعجم الكبير”. انظر ترجمته في “سير أعلام النبلاء” 20/456.
[2] انظر “وفيات الأعيان” لابن خلكان، تحقيق د.إحسان عباس، دار صادر-بيروت، 4/274. وانظر “سير أعلام النبلاء” للذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط و محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، سنة 1405هـ، 20/286.
[3] انظر ترجمته في: “تاريخ حكماء الإسلام” 141-144، و”نزهة الأرواح وروضة الأفراح”2/58، و”وفيات الأعيان” 4/273، و”سير أعلام النبلاء” 20/286، و”العبر في خبر من غبر”3/7، “تذكرة الحفاظ” 3/1313، “طبقات الشافعية” للسبكي 3/78، و”طبقات الشافعية” لابن القاضي شهبة 1/366-367، و”شذرات الذهب” 6/246، و”الأعلام” 6/215.
[4] “نهاية الإقدام” للشهرستاني، تحقيق فريد المزيدي، الطبعة الأولى لدار الكتب العلمية سنة 2004، ص: 96.
[5] المصدر السابق ص:277.
[6] كتاب “فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية “للويس غردية، نقله إلى العربية: د.صبحي الصالح ود. فريد جبر، دار العالم للملايين-بيروت، الطبعة الثانية1979م.
[7] “نهاية الإقدام” تصحيح وتحرير “ألفرد جيوم” مكتبة المثنى ببغداد (دون تاريخ) ص:503-504، وأوردت هذا القول للشهرستاني من هذه الطبعة، لاعتقادي بخطأ ما أثبت في الطبعة المحققة لفريد المزيدي، فقد جاء فيها: “وقد نجز غرضنا من سبعة عشر قاعدة في بيان نهايات إقدام أهل الكلام…” فالصحيح أنها عشرون قاعدة كما فصلنا. انظر القول في ص:280.
[8] “منهج الشهرستاني في كتابه الملل والنحل” السحيباني، دار الوطن-الرياض، ص:83.
[9] المصدر السابق ص: 78.

 

                                                                   إعداد الباحثة: إكرام بولعيش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق