مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

نماذجُ من الشعر السنغاليّ في القوافي المشتركة (الحلقة الأولى)

 

إن من مظاهر سعة العربية، والدلائل على أنها لغة ثريّةٌ وغنية، الاشتراكَ اللفظيَّ، وهو اتفاق المبنى واختلاف المعنى، يقول السيوطي – رحمه الله تعالى- في تعريفه هو:”اللفظُ الواحدُ الدالُّ على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة(1)”، بمعنى أن تكون اللفظة الواحدة دالةً على حقيقتينِ فأكثر.
وقد أجاز الاشتراكَ الأكثرون، وإن اتفقوا على أن الأصل في اللفظ أن يكون لها معنى واحدٌ، كما أشار إليه سيبويه – رحمه الله تعالى – في كتابه، وقال:”اعلم أنّ من كلامِهم اختلاف اللفظينِ لاختلاف المعنيينِ، واختلافَ اللفظينِ والمعنى واحدٌ، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين. وسترى ذلك إن شاء الله تعالى؛ فاختلافُ اللفظين لاختلاف المعنيين هو نحو: جلسَ وذهبَ. واختلاف اللفظين والمعنى واحدٌ نحو: ذهبَ وانطلقَ. واتفاق اللفظين والمعنى مختلِف قولك: وجَدتُ عليه من المَوْجِدة، ووجَدت إذا أردت وِجدان الضّالَّة. وأشباه هذا كثيرٌ(2)”، وأشار إليه أيضا ابن فارس بقوله:” وتسمى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، نحو: عين الماء، وعين المال، وعين السحاب(3)”.

 

إن من مظاهر سعة العربية، والدلائل على أنها لغة ثريّةٌ وغنية، الاشتراكَ اللفظيَّ، وهو اتفاق المبنى واختلاف المعنى، يقول السيوطي – رحمه الله تعالى- في تعريفه هو:”اللفظُ الواحدُ الدالُّ على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة(1)”، بمعنى أن تكون اللفظة الواحدة دالةً على حقيقتينِ فأكثر.

وقد أجاز الاشتراكَ الأكثرون، وإن اتفقوا على أن الأصل في اللفظ أن يكون لها معنى واحدٌ، كما أشار إليه سيبويه – رحمه الله تعالى – في كتابه، وقال:”اعلم أنّ من كلامِهم اختلاف اللفظينِ لاختلاف المعنيينِ، واختلافَ اللفظينِ والمعنى واحدٌ، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين. وسترى ذلك إن شاء الله تعالى؛ فاختلافُ اللفظين لاختلاف المعنيين هو نحو: جلسَ وذهبَ. واختلاف اللفظين والمعنى واحدٌ نحو: ذهبَ وانطلقَ. واتفاق اللفظين والمعنى مختلِف قولك: وجَدتُ عليه من المَوْجِدة، ووجَدت إذا أردت وِجدان الضّالَّة. وأشباه هذا كثيرٌ(2)”، وأشار إليه أيضا ابن فارس بقوله:” وتسمى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، نحو: عين الماء، وعين المال، وعين السحاب(3)”.

وقد بين السيوطي وغيره سبب وقوع المشترك، وذكر أنه يقعُ”إمَّا من وَاضِعَيْن بأنْ يضعَ أحدُهما لفظًا لمعنى ثم يضعُه الآخرُ لمعنى آخر، ويَشْتَهِر ذلك اللفظ بين الطائفتين في إفادته المعنيين، وهذا على أنَّ اللغات غيرُ توقيفية، وإما مِنْ واضعٍ واحدٍ لغرض الإبهام على السامع حيثُ يكونُ التصريح سببًا للمَفْسدة، كما رُوي عن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – وقد سأله رجلٌ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وقت ذهابهما إلى الغار: من هذا؟ قال: هذا رجلٌ يَهْديني السبيلَ(4)”.

 هذا، ويقع الاشتراك في الحروف نحو:”هل” بمعنى الاستفهام وبمعنى “قَدْ”، و”أَمْ” للاستفهام وبمعنى “بَلْ”، وفي الأفعال، نحو: وجدت في الحزن ووجدت الضالَّةَ، ووجدت في الغضب، ووجدت أي علمت كقولك: وجدت الله غالبا، وفي الأسماء نحو: الصدَى، الطائر يخرج من رأس المقتول إذا لم يُدرَك بثأره، والصدى: العطش، والصدى: ما يعارض الصوت في الأوعية الخالية… (5)”.

وقد زخرت الضادّ بمشترك الألفاظ، وعني بجمعها وضبطها العلماء والحُفّاظ، ومنها: الخال، والعجوز، والعين، والغرب، والهلال، فهذه الألفاظ ذكر لها أصحاب المعاجم معاني كثيرة، فالعجوز مَثَلًا ذكر لها الفيروز آبادي سبعةً وسبعين معنًى، واستدرك عليه الشارح مرتضى الزَّبيديُّ عشرين معنًى ونيّفًا، وقال:”والعَجُوزُ، كصَبُور، قد أَكثرَ الأَئِمَّةُ والأُدباءُ فِي جَمع مَعَانِيه كَثرَةً زَائِدَة ذكَر المُصنِّف مِنْهَا سَبْعَة وَسبعين معنًى(6)”، وقال في «البصائر»:”والعَجُوز سُمِّيت لعجزها عن كثير من الأُمور، ولها معانٍ تنيف على ثمانين ذكرتُها فى «القاموس» وغيره من الكتب الموضوعة فى اللغة(7) “. كما ذكر للعينِ سبعة وأربعين معنًى، واستدرك عليه الشارح عشرين معنًى ونيّفًا ثمَّ قال الشارحُ:”وقالَ شيْخُنا – أي الشيخ محمد بن الطيب الفاسيّ -، رحِمَه الله تَعَالَى: معانِي العَيْن زادَتْ عنِ المِائَةِ(8)”.

وقد أولعَ باللفظ المشترك الأدباء، وهام به الشعراء النجباء، لما فيه من الإمتاع والمؤانسة، والتورية والمجانسة، فازدخر التراث العربي بالعجوزيات، والخاليات، والغربيات، والعينيات، والهلاليات، يقول الرافعي – رحمه الله تعالى -:” وقد تناول المتأخرون تلك الألفاظ واستعملوها قوافيَ للشعر على طريقة الجناس التام، وأشهرها الذي تخرج منه القصائدُ، ألفاظٌ معدودة، وهي: العين، والخال، والغرب، والهلال، والعجوز؛ ولم يرد للمتأخرين قصائد على غيرها، وقد زاد بعضهم في معانيها ما لم يسمع ولم يجئ به نص في اللغة ليبلغ من ذلك مبلغ الكثرة، ولكن الشأن إنما هو في سهولة انقياد القافية وتمكينها على غير تكلف(9)”.

ومن أمثلة ذلك قول الخليل بن أحمد الفراهيدي- رحمه الله تعالى -:[من السريع]

يا وَيْحَ قلبي من دواعي الهوى /// إذْ رحَلَ الجيرانُ عندَ الغُروبْ

أتْبَعْتُهمْ طَرْفي وقدْ أمْعَنوا /// وفَيْضُ عيْنيَّ كفيْضِ الغُروبْ

بانُوا وفيهمْ حُرّةٌ طَفْلَةٌ /// تفْتَرُّ عن مكنونِ حَبِّ الغُروبْ

فالغروبُ الأول: غروبُ الشمس، والثاني: جمْعُ غَرْب وهو الدلو الكبيرة، والثالثُ: الكُفُرَّى وهو الطّلْع(10).

وأنشد أبو العباس ثعلب – رحمه الله تعالى -:[من الطويل]

أتعرِفُ أطلالاً شَجَوْنَكَ بالخالِ /// وعيْشَ زمانٍ كان في العُصُرِ الخَالي

لياليَ ريْعانُ الشبابِ مسلَّطٌ /// عليّ بعِصْيانِ الأمارَةِ والخَالِ

وإذْ أنا خِدْنٌ للغَويّ أخي الصِّبا /// وللغَزل المِرِّيحِ ذي اللّهوِ والخَالِ

لياليَ تُكْنَى تسْتَبيني بِدَلِّها /// وبالنَّظرِ الفتّان والخدِّ والَخالِ

إذا سكنَتْ رَبْعاً رَئِمْتَ رِباعَها /// كما رَئِمَ المَيْثاءَ ذو الرَّيْثةِ الخَالي

ويقتادني منها رخيمٌ دلالُهُ /// كما اقتادَ مُهْراً حين يألفُه الخَالي

فالخالُ الأول موضع، والثاني الماضي، والثالث العُجْب، والرابع الذي لا زوجةَ له، والخامس النّقطةُ السوداء، والسادسُ الذي ليسَ له مُعين، والسابع الذي يسوسُ الدّوابّ(11).

وقال الحريري في إحدى مقاماته(12):

سَلَّ الزّمانُ عليّ عضْبَهْ /// ليَرُوعَني وأحَدَّ غَرْبَهْ

واستَلّ منْ جَفْني كَرا /// هُ مُراغِماً وأسالَ غَربَهْ

وأجالَني في الأفْقِ أطْـ /// ـوِي شرْقَهُ وأَجُوبُ غَرْبَهْ

فبِكُلّ جوٍّ طلْعَةٌ /// في كلّ يومٍ لي وغَرْبَهْ

وكذا المُغرِّبُ شخصُهُ /// متغرّبٌ ونواهُ غرْبَهْ

فالأول: حدّ السيف، والثاني: مجرى الدمع، أو فيض الدمع، والثالث: مقابل الشرق، والرابع: من الغُرُوبِ ضدِّ الطلوع، والخامس: البعيدةُ.

وللعلامة الشيخ بهاء الدين السبكيِّ صاحبِ «عروس الأفراح» قصيدة طويلةٌ مدح بها أخاه جمال الدين الحسين السبكيَّ، واستعمل فيها كلمة «العين» في خمسة وثلاثين معنًى، وذكرَ القصيدةَ كاملةً أخوهما العلامةُ تَاج الدين السُّبكي في طبقاته، ومنها(13):[من الوافر]

هَنِيئًا قد أقرّ الله عَيْني /// فَلَا رَمت العدى أَهلِي بِعَين

وَقد وافى المبشّر لي فَأكْرم /// بِخَير ربيئة وافى وَعين

يُخَبِّرنِي بِأَن أخي أَتَاهُ /// مُنَاهُ وسَعْدُهُ من كلِّ عين

فَلَو سمح الزَّمَان لَكُنْت أُعطي /// لَهُ مَا فِيهِ من ورِقٍ وَعين

فالعين الأول: الحاسة الباصرة، والثاني: الإصابة بالعين، والثالث: المكاشف، والرابع: الناحية، والخامس: الذهب.

وقال الزبيدي – رحمه الله تعالى – :” قَالَ شيخُنا: وَقد أَكثَر الأُدباء فِي جَمع هَذِه الْمعَانِي فِي قصائدَ كثيرةٍ حسَنَةٍ لم يحضُرْنِي مِنْهَا وقتَ تَقْيِيد هَذِه الْكَلِمَات إلاّ قصيدةٌ واحدةٌ للشَّيْخ يُوسُف بن عِمْرانَ الحَلَبيّ يَمدَح قاضِياً جمع فِيهَا فأَوعَى، وَإِن كَانَ فِي بعض تراكيبها تَكَلُّفُ وَهِي هَذِه:[من الوافر]

لِحاظٌ دونهَا غُولُ العَجُوزِ /// وشَكَّتْ ضِعْفَ أَضعافِ العَجُوزِ

لِحاظُ رَشاً لَهَا أَشْراكُ جَفْنٍ /// فكَم قَنَصَت مِثالي من عَجُوزِ

وكَم أَصْمَتْ وَلم تعرِف مُحِبّاً /// كَمَا الكُسَعِيّ فِي رَمْيِ العَجُوزِ..

فالأول: المنيَّة، والثاني: الإبرة، والثالث: الأسد، والرابع: الحمار الوحشي.

وفي «التاج» أيضا نقلا عن شيخه بيتان للعلاّمة جمال الدِّين مُحَمَّد بن عيسى بن أَصبَغَ الأَزدِيّ اللّغويّ في العجوز، وهما:[من الوافر]

أَلا تُبْ عن مُعاطاةِ العَجُوز /// ونَهْنه عن مُواطأَة العَجُوز

ولا تَركَبْ عَجُوزاً في عَجُوزٍ /// ولا رَوعٍ ولا تَكُ بالعَجُوزِ

فالعجوز الأَوّل: الخَمْر، والثَّاني: المَرأَة المُسِنَّة، والثالث: الخصلة الذَّميمة، والرَّابع: الحُبّ، والخامس: العاجِز.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:


(1)  الكتاب (1/24).

(2 )  المزهر (1/292).

(3 )  الصاحبي (ص:59).

(4 )  المزهر (1/292).

(5 )  الخصائص (2/93).

(6 )  تاج العروس (15/202).

(7 )  بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، للفيروز آبادي (4/ 22).

(8 )  تاج العروس (35/440).

(9 )  تاريخ آداب العرب (3/239).

(10 )  نضرة الإغريض (ص:93).

(11 )  نضرة الإغريض (ص:94).

(12 )  مقامات الحريري بشرح الشريشي (2/474)

(13 )  وردت القصيدة كاملة في كتاب:طبقات الشافعية الكبرى (9/416)، وانظر ترجمة جمال الدين السبكي فيه:(9/411)..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق