مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامة

نظرة القرآن الشمولية للنساء ج. 1

1. لمحة عن وضع النساء الراهن:

عرفت  الآونة الأخيرة اهتماما متزايدا بالعنصر النسوي، سواء من طرف المرأة نفسها أو من طرف الرجل أيضا في شكل جمعيات سياسية أواجتماعية، بهدف إنصاف هذه الفئة وإعطائها المكانة اللائقة، خصوصا بعد إلغاء الدور الفعال للنساء في بناء المجتمع إبان عصر التراجع والجمود، وتهميشهم بسبب عوامل متعددة، كرَّسها الموروث الثقافي من عادات وتقاليد اجتماعية لتحط من قدر المرأة في المجتمع.

وتَمثل هذا الاهتمام في إنشاء الكثير من الجمعيات والمراكز الحقوقية والقانونية والاجتماعية، التي تُعنى بتحسين وضعية النساء والرفع من شأنهن ماديا ومعنويا، بالدفاع عن حقهن في التعلم والارتقاء بهن إلى المستوى المطلوب الذي تتحقق به الكرامة والعدل والمساواة… متأرجحين بين الأخذ من النموذج الإسلامي والنموذج الغربي كبديل في إيجاد الحلول المناسبة، لكن ما يلاحظ بعد الكثير من الجهود المبذولة أن الحلول المقدمة تبقى حلولا نسبية لأنها تعتمد نظرة تجزيئية، فهي لا تسعى للنهوض بكل قضايا النساء في العالم بقدر ما تهتم بإيجاد حلول آنية لأوضاع راهنة دون النظر في مسبباتها وأسباب نشوئها، والوقوف مع الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي كانت وراء تكريس هذه الأوضاع السيئة التي باتت النساء اليوم يعشنها، حتى أنها أثرت لا على وضع النساء فحسب بل على الأسرة والمجتمع كله، وأقدم هنا مثالا لتوضيح ذلك:

فالبحث عن مخارج قانونية لحل مشكلة “الأمهات العازبات”، وبذل الجهد في تمكينهن من تسجيل أبنائهن بسجلات الحالة المدنية، وتوفير المأوى والسكن لهن ولأبنائهن، وتعليمهن حِرفا وصنائع للحصول على لقمة العيش والتعفف عن سؤال الناس، هذا كله أمر محمود يخفف من حدة المشكل نسبيا، لكن عدم وضع حد لظاهرة الزنا التي تنخر جسم المجتمع صحيا وأمنيا و… أو البحث في أسباب انتشار هذه الظاهرة بين النساء، ومحاولة إيجاد حلول تعالج الظاهرة في أصلها لا في فرعها، يجعل المشكل قائما وفي تزايد مستمر، لأن وجود الأمهات العازبات هو نتيجة لوضع مترد للمرأة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وحلُّه يكمن في بحث أصل المشكلة لا في نتائجها.

فأين هي كرامة المرأة؟ وكيف يتحقق المجتمع السليم إذا كانت أهم ركيزة فيه عليلة؟

إن علاج مثل هذه الظواهر التي باتت النساء تعاني منها داخل المجتمع، وإن كان أمرا عسيرا، فهو ليس بالمستحيل، فإذا كانت إرادة التغيير والإصلاح قوية فستكون النتائج كبيرة ومحمودة في الوقت ذاته، فالإسلام حين جاء كانت حالة النساء أسوأ بكثير مما هنَّ عليه اليوم، فقد تحرم المرأة من حق الحياة فتقتل وهي رضيعة لأنها أنثى، وقد تحرم من الميراث لأنها أنثى، وقد تُزوج بالإكراه وتجبر على العيش مع من لا تريده لأن ليس لها الحق في اختيار الزوج… ومع ذلك استطاع الإسلام زهاء عقدين من الزمن القضاء على أغلب هذه الأوضاع السيئة، فحرَّر المرأة وقضى على أنواع الاستغلال الذي كانت تعاني منه النساء، وحمى حقوق المرأة ورسخها في مجتمع أغلب أفراده ذكوريون في عقليتهم، ووجدت المرأة في الإسلام ملاذا لها وحماية لها من التقاليد الموروثة والظالمة التي تزكي اغتصاب الحقوق، وبالجملة أعطى النساء حقهن المسلوب، وذلك بمعالجته لقضايا النساء بشكل شمولي متكامل دون تغليب جانب على آخر.

ولكي نفهم النظرة القرآنية للنساء، ومنهج القرآن في التحرير يجب أن نسلك المنهج القرآني نفسه، والذي قام أساسا على تشخيص دقيق لوضع النساء، وتحديد مواقف المشركين منهن، وبيان أنها مواقف جائرة لا تستند على العقل والمنطق والحكمة.

وعليه، يجب أن نميز بين أحكام القرآن وقوانينه ومفاهيمه عن النساء.. وبين الواقع الاجتماعي الذي يعيشه المسلمون بعاداتهم وتقاليدهم المخالفة للإسلام، والتي أثرت فيها عوامل التخلف الناتج عن الاستعمار والجهل والأمية والابتعاد عن مبادئ الدين الحنيف، وكلها عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار عند معالجة موضوع النساء في العالم الإسلامي.

2. مفهوم المرأة في القرآن- المرأة الإنسان:

عندما نطلع على النصوص القرآنية، وخصوصا فيما يتعلق بموضوع “المرأة”، نجد تميُّز القرآن في تناوله لهذا الموضوع، يختلف عن تعامل نصوص العهدين القديم والجديد، حيث تعامل مع المرأة بإنصاف، تمتعت في ظل مبادئه بالمرتبة ذاتها التي يتمتع بها الرجل، فلم يفرق بين الرجل والمرأة في الجنس، بل أكدَّ عدم التمايز بين الذكر والأنثى، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[1]، ويظهر عدم تمييز الحق سبحانه وتعالى بين الذكر والأنثى في قصة ولادة مريم أم المسيح عليهما السلام حيث أكد الحق سبحانه وتعالى سمو الأنثى ومساواتها حتى في أمور العبادة مع الذكر، وذلك في قوله تعالى:﴿ لَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾[2]، ففي هذه الآية الكريمة تظهر جليا مكانة الأنثى عند الخالق سبحانه وتعالى، فلم يفرق عز وجل بينها وبين الذكر بل تقبلها قبولا حسنا، وأنشأها إنشاء صالحا حسنا لتكون في خدمة .

كما أشار القرآن إلى أن الرجل والمرأة جسد واحد متآلف فيما بينه، قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾[3]، لا يمكن أن يستغني أحدهما عن الآخر ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾[4]، بمعنى أنهن ستر لكم وأنتم ستر لهن يستر بعضكم بعضا كما يستر اللباس الجسد، ولفظ اللباس يجمع عدة معاني منها السَّكن والستر والمخالطة والإحصان.

والمرأة إلى جانب الرجل داخل المنظومة القرآنية تُسهم في إدارة شؤون الحياة على قدم المساواة، وتستقل بشخصيتها عن الرجل وفي نفس الوقت يكمل بعضهما البعض، كما في قوله تعالى:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[5]، فالعلاقة إذن بينهما هي علاقة مساواة وتكامل، مساواة في الحقوق وتكامل في الواجبات، و قول الله عز وجل في محكم تنزيله دليل على ذلك:﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[6].

فلا فرق إذن بينها وبين الرجل إلا بالتقوى، فهي مسئولة مثله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:”كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.. والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها”[7]، كما أنها مكلفة بجميع الواجبات الإيمانية والتعبدية والمالية والاجتماعية..، فلكل من الرجل والمرأة حقوق وواجبات، لا أفضلية لأحدهما على الآخر، وإنما التساوي في الحقوق والواجبات وفق الهدي الإلهي:﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[8]. فلم يميز بينها وبين أخيها الرجل في الأوامر والنواهي، والحقوق والواجبات، وما يترتب على ذلك من الجزاء، والأفضلية بينهما تكون بالأعمال الصالحة، قال تعالى:﴿فاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾[9]، وقال تعالى:﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾[10].

وهي أولا وقبل كل شيء المرأة الإنسان، فهي والرجل جنبا إلى جنب، تتحمل أعباء الرسالة الإلهية، وتتحمل مسؤولية أدائها على أحسن وجه، قال تعالى:﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[11]، وقال تعالى:﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا. لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[12].


[1] سورة الحجرات، الآية: 13

[2] سورة آل عمران، الآيات: 36-37.

[3] سورة الأعراف، الآية: 189

[4] سورة البقرة، آية: 187.

[5] سورة التوبة، الآية: 71.

[6] سورة البقرة، الآية 228.

[7]  رواه الإمام البخاري في كتاب “النكاح” باب “المرأة راعية في بيت زوجها” رقم(853) ومسلم في كتاب “الإمارة” “ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” (1423409)

[8] سورة الأحزاب، الآية: 35.

[9] سورة آل عمران، الآية: 195.

[10] سورة النساء، الآية 124.

[11] سورة النور، الآية: 55.

[12] سورة الأحزاب، الآية: 72.

نشر بتاريخ: 19 / 05 / 2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق