مركز الدراسات القرآنية

ندوة علمية: جولة في علم الكواكب بين المنظورين الإعجازي والعلمي

د. أحمد عبادي: هل نملك القدرة على الرجوع إلى الممارسة النبوية الشريفة في السنة النبوية المطهرة لننظر كيف كان عليه الصلاة والسلام، يستنطق القرآن الكريم؟

نظمت الرابطة المحمدية للعلماء بشراكة مع مؤسسة دار الحديث الحسنية ومنظمة GROVE OF HOPE، ندوة علمية في علم الكواكب تحت عنوان “بقلب مفتوح: جولة في علم الكواكب بين المنظورين الإعجازي والعلمي”، يوم 06 ماي 2013م، في حدود الساعة الخامسة بعد الزوال، بقاعة الندوات، دار الحديث الحسنية، حي الرياض، الرباط ـ المملكة المغربية.

الندوة أطرها كل من الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء والدكتور كمال الودغيري عالم الفضاء المغربي والباحث بوكالة الفضاء الأمريكية ناسا الذي كان ضمن الطاقم المشرف على هبوط المركبتين سبيريت وأوبورتيونيتي على المريخ، وأدارها الدكتور أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية.

وقد عرفت الندوة حضورا لافتا ونوعيا، استدعى نقل فعاليات  الندوة عبر البث الحي والمباشر، على شاشة عرض كبيرة، بمحاذاة القاعة المخصصة للندوة، لعدد من الحضور الكريم الذي توافد بكثافة، من أجل تتبع أشغال الندوة.

بعد الكلمة الترحيبية والشكر والامتنان على قبوله دعوة الجهة المنظمة، انطلق الدكتور كمال الودغيري عالم الفضاء المغربي، والباحث بوكالة الفضاء الأمريكية ناسا الذي كان ضمن الطاقم المشرف على هبوط المركبتين سبيريت وأوبورتيونيتي على المريخ، من مسلمة أساسية، وهي أن الحياة على الأرض مرتبطة ارتباطا عضويا بالقمر، موضحا أنه لو لم يكن القمر موجودا لزادت سرعة دوران الأرض حول محورها وزاد بالتالي مقدار الفروق في درجة الحرارة بين البحر واليابسة، ولزادت نتيجة لهذا سرعة الأعاصير حتى تصل إلى 160 كم/ساعة، وتقلص اليوم من 24 ساعة إلى ثمان ساعات فقط، ولانعدمت بالتالي كل الظروف الملائمة والضرورية للعديد من الأحياء سواء أكانت إنسانا أو حيوانيا أو نباتا.

وأبرز أن للقمر وظائف أخرى تتمثل في قيامه بعكس الضوء الآتي إليه من الشمس إلى الأرض، وهذا يؤدي إلى زيادة حرارة الأرض بمقدار 0.2 درجة مئوية، ويقوم كذلك بوظيفة درع واق للأرض من النيازك والشهب، بمعنى أنه لو لم يكن موجودا لزاد عدد النيازك والشهب التي تقع على الأرض.

وحول كيفية نشوء القمر، اقترح الباحث بوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، ثلاث فرضيات إحداها تقول بأن القمر الذي تشكل قبل 4 مليارات من السنين، انشطر من القشرة الأرضية بسبب القوة الطاردة المركزية، خلال فترة امتدت بين 30 و50 سنة من تشكل المجموعة الشمسية، غير أن الفرضية الأقرب للصواب والتي تلقى قبولا في الوسط العلمي حاليا، يقول الدكتور كمال الودغيري، هي التي تتحدث عن فرضية الاصطدام العملاق، بحيث تفرض أن جرما بحجم المريخ اصطدم بالأرض المتشكلة حديثا، فتصاعدت مجموعة من المواد نتيجة لذلك الانفجار وتراكمت لتشكل القمر، مبينا أن ذلك هو ما يفسر صغر نواته التي لا تتعدى 350 كلم تقريبا.

وأضاف الباحث المغربي، أن القمر عبارة عن كرة من الصخر يعلوها التراب وفوهات البراكين، وهو التابع الوحيد للأرض، ويبلغ نصف قطره ربع نصف قطرها تقريبا، وحجمه 50/1 من حجمها تقريبا، وكتلته 80/1 من كتلتها تقريبا ويبعد عن مركزها مسافة 385 ألف كم، بعد أن كان في بادئ الأمر يبعد عنها على محور يصل إلى 22 ألف كلم فقط.

وفيما يخص إمكانية وجود الماء على سطح القمر، أكد الدكتور كمال الودغيري، أن الماء لا يمكن أن يتواجد في الحالة السائلة على سطح القمر، غير أنه تبث عن طريق المسبار كليمنتين، يقول المحاضر، وجوده على شكل جليد في القطبين وفي الفوهات الصدمية النيزكية، مضيفا أن تحليلا حديثا أجري على عينات من الصخور البركانية التي أحضرت إلى الأرض بواسطة المركبة أبولو 15 أكد وجود كميات كبيرة من الماء في كوكب القمر.

  وكشف عالم الفضاء المغربي أن “البحار القمرية” التي يمكن رؤيتها بوضوح بالعين المجردة على سطح القمر، والتي كان الفلكيون القدماء يعتقدون أنها مملوءة بالمياه، هي فقط عبارة عن سهول متصلبة ضخمة تكونت من حمم بازلتية قديمة، مبينا أنها غنية بمعدن الحديد والألمنيوم ومعادن أخرى.

وأفاد الدكتور المحاضر، الذي أهدى (روبو) هو عبارة عن مركبة فضائية للجهة المنظمة، أن برنامج لونا التابع للإتحاد السوفيتي كان الأول الذي نجح في الوصول إلى سطح القمر بواسطة مركبة فضائية غير مأهولة بالسكان في سنة 1959، إلا أن برنامج أبولو التابع لوكالة ناسا الأمريكية استطاع تحقيق إنجاز السفر بالبعثات البشرية، والتي بدأت بأول بعثة بشرية مدارية حول القمر هي بعثة أبولو 8 التي كانت في سنة 1968، ثم تبعتها رحلات أخرى بين سنتي 1969 و1972، مشيرا إلى أن هذه الرحلات جلبت في طريق عودتها نحو 380 كيلوغراما من الصخور القمرية والتي استخدمت بعد ذلك في تطوير التفهم الجيولوجي المفصل لأصول نشأة القمر وكذلك في فهم تكوين بنيته وقشرته الجيولوجية.

وفي مداخلة لفضيلة الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، أثنى فيها على العرض العلمي الذي تقدم به الدكتور كمال الودغيري، واعتبر عرضه بـ” الحقائق العلمية الغضة الطرية”.

وأشار إلى أن لهذا العرض العلمي تكلفة أخرى غير تكلفة توضيحه وتبيانه للحضور، لم يرد الباحث بوكالة الفضاء الأمريكية الحديث عنها، وهي تلك المتعلقة بسلوك القنوات القانونية داخل هذه الوكالة وأخذ الإذن من مسؤوليها للإدلاء بهذه الحقائق العلمية التي لا يزيد عمرها عن ثلاثة أسابيع، مؤكدا أن الذي جعل العلامة كمال الودغيري يكشف عن هذه الحقائق هو اعتزازه بوطنيته وحبه لبلده المغرب.

وذكر الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، أنه استحضر وهو يستمع لعرض الدكتور كمال الودغيري، “صورة لمقبرة كبيرة، وفيها جملة من المقابر، وعلى كل قبر من هذه المقابر، جدث من هذه الأجداث شاهد، كل شاهد فيه، وسمُ واسمُ ورسمٌ من الأجداث المدفونة الثاوية في هذه المقبرة، التي سماها “مقبرة البداهة”، وأعطى لذلك أمثلة فالشمس بديهي، والقمر بديهي، الإنسان بديهي، اليد بديهي… كل شيء بديهي”.

مضيفا في نفس السياق أن هذه المقبرة تمتد كلما كبُـرت الغفلة وعظم الجهل، وتتقلص عندما تلامسها مياه التفكر والتدبر حتى لا يبقى فيها ولا قبر واحد حينها يصبح كل شيء في الوجود مميزا ومتفردا.

واعتبر فضيلة الدكتور أحمد عبادي، أن أولى علامات التفكر والتدبر لدى الإنسان، هي الفضول والتساؤل، بمعنى “أنك أيها الإنسان إذا لم تكن مواكَبا بموكب جليل من علامات الاستفهام (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) [سورة النبأ، من الآية: 1]، فإنك أول ضيف على مقبرة البداهة”، مستدلا في هذا السياق بأول سورة نزلت من القرآن الكريم: “(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [سورة العلق، الآيات: 1ـ5] القراءة في كتابين، في سجلين؛ السجل الأول هو سجل الخلق، وهو الكتاب المنشور المنظور، هذا الكون الذي ينبغي أن نقرأه وهو كتاب له أبجد خاص وله لغة خاصة، إذا لم تتقنها أيها الإنسان فإنه لن يستطيع إعطاءك الأسرار التي يكتنزها”.

ودعا فضيلته إلى تأمل قوله سبحانه: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة] وقوله عز وجل: (قَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) [سورة فصلت، من الآية: 12].

وأضاف أن الوحي مثلا إذا انتقل من المجال البشري إلى المجال الكوني يصبح له معنى آخر، مستشهدا في ذلك بقوله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا..) [سورة النحل، من الآية: 69] الآيات تؤكد أن المسلك عن طريق الوحي في المجال الكوني والخَلقي يتم ذللا.

وذكر فضيلته أن كلمة سبل التي وردت في سياق حديثه سبحانه وتعالى عن النحل، عندما تنتقل إلى مجال الإنسان يصبح نمط عملها مخالفا وذلك في قوله سبحانه وتعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) الآية، موضحا أن السبل الأولى اقترن ذكرها باليسر (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا) الآية، أي بيسر، أما الثانية فقد اقترن ذكرها بالمجاهدة والمكابدة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) الآية. السبل هي هي، لكن الوحي ليس هو الوحي.

ويلفت فضيلته الحاضرين للوقوف على تجلية الأمر، النظر في قوله عز وجل من سورة الشمس: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)، فكل هذه الكائنات معرفة، وحين يصل إليك أيها الإنسان، تصبح نكرة، (ونفس وما سواها) بمعنى أنك أيها الإنسان مكلف بوضع ألف لام ميم، فأنت المكلف بوضع لام التعريف التي تختار أنت بمسؤوليتك وعلى مسؤوليتك لتضعها أمام هذا الكائن، يسميه العلماء “التشيؤ الوظيفي بالغرائز”، لكي تصبح في مقام (يا أيتها النفس المطمئة) الآية، وفي مقام: (إن النفس لأمارة بالسوء)الآية، وفي مقام: (ولأقسم بالنفس اللوامة)الآية، في كل مقام تتجلى اختيارات كل واحد وكل واحدة منا، لوضعها أمام هذه النفس.

ويضيف قائلا: فهذه “الآيات والبصائر هي التي نحتاج إلى أن نقرأها تطويقا لمقتضى أول آية نزلت لكي نهتدي، فالقراءة في الكون تحرر لك ضربا من الهداية والقراءة في الكتاب المسطور الوحي تحرر لك  أيضا ضربا آخر من الهداية”.

والحاصل أن هذا يتجلى في مثل قوله تعالى من سورة الأحزاب: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ) [سورة الأحزاب، من الآية: 72]، أمانة مسؤولية إدخال الوحي إلى مجاله، فالإنسان مسؤول عن أن ينزل الآيات والبصائر، وأن يتخلق بها وأن يرفع أنوارها في سماء نفسه ..،  فهو يعمل بالكدح وبالمكابدة، (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) [سورة الانشقاق، الآية:6] (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [سورة العنكبوت، من الآية:69].

وأشار إلى أن الكتاب المنظور مسخر، مصداقا لقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [سورة لقمان، من الآية:20].

والكتاب المسطور ميسر، مصداقا لقوله عز وجل: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) سورة القمر، في أربع مواضع.

فيسَّر في مقابل سخَّر وفكَّر في مقابل دبَّر، بمعنى أن العلوم المتصلة بالقراءة في الكتاب المنظور يمكن أن نصطلح على تسميتها بعلوم التسخير، والعلوم المتصلة بالقراءة الثانية (اقرأ وربك الأكرم …) يمكن أن نصطلح على تسميتها بعلوم التيسير.

وختم فضيلته مداخلته بـ: مدى امتلاك ـ هذا الإنسان ـ القدرة على الرجوع إلى الممارسة النبوية الشريفة في السنة النبوية المطهرة لينظر كيف كان عليه الصلاة والسلام، يستنطق القرآن الكريم، وأن هذا القرآن لا مجال للإنارة المكتنزة في كواكبه وفي نجومه وفي بصائره.

وفي ختام اللقاء، دعا مدير دار الحديث الحسنية الدكتور أحمد الخمليشي طلبة دار الحديث الحسنية خاصة والحضور عامة إلى اقتفاء آثار هذا العالم الكبير ـ د.كمال الودغيري ـ وتمثل الطريق التي سلكها، مؤكدا أن ذلك لا يمكنه أن يكون إلا عن طريق البدل والعطاء والكد والجد والاجتهاد وتحقيق المزيد من النجاحات.

إعداد: ذ.محمد لحمادي

مركز الدراسات القرآنية

                                                                                                   (بتصرف)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق