مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةشذور

مُرْشِدَةُ الصِّبْيان وَمُبَصِّرَةٌ ِلمنْ أَرادَها مِنَ الإِخْوان

ضمن سلسلة لطائف التراث، صدر عن مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط، كتاب فريد بعنوان: “مُرْشِدَةُ الصِّبْيان وَمُبَصِّرَةٌ ِلمنْ أَرادَها مِنَ الإِخْوان” للإمام العلامة أبي سرحان مسعود بن محمد جمُّوع السجلماسي الفاسي المتوفى سنة: (1119هـ) بفاس، أحد مشاهير علماء جامع القرويين. ومن تحقيق: الباحث بالمركز طارق طاطمي.
ويأتي هذا الكتاب ضمن التآليف التي تروم إرشاد الصبيان وتوجيههم إلى ضروريات الدين مما لا يسع المسلم جهله من مسائل التوحيد والعبادة والسلوك، كما هو واضح من عنوانه، ألفه صاحبه على غرار كتاب المرشد المعين على الضروري من علوم الدين للإمام عبد الواحد بن عاشر المتوفى سنة: (1040هـ).
 وقد تضمن هذا المؤلف مقدمة عقدية جاءت بشكل سهل وميسر، تروم تبسيط العقيدة الإسلامية مع المحافظة على خصوصيات العقيدة الأشعرية. ولأهميتها وسهولة ويسر نظمها نورد نصها كالآتي:
«بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، يقول عبيد الله تعالى مسعود بن محمد جموع ـ كان الله له ولجميع المسلمين آمين ـ:
الحمد لله الذي نور قلوب عباده لتوحيده، ووفقهم بهدايته لإرشاد عبيده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير خلقه، وعلى آله وصحبه تعظيما لحقه. وبعد، فهذه: مُرْشِدَةُ الصِّبْيان وَمُبَصِّرَةٌ ِلمنْ أَرادَها مِنَ الإِخْوان:
اعلم وفقني الله وإياك، أن أول واجب على المكلف، معرفة وجود خالقه، وقدم مالكه، وأبدية صانعه، وثبوت وحدانيته، وانفراد صمدانيته، واستبداده بإيجاد خلقه، المعرف لهم بقدرته على حكم إرادته، بما ثبت في سابق علمه، وأن بالنظر في هذه المخلوقات، وما اشتملت عليه من عجائب الصفات، يعلم بذلك ما يجب لخالقها وما يستحيل وما يجوز.
فالواجب له كل كمال من صفات العظمة والجلال، فهو المعبود بالحق، المنفرد بالخلق، وبالغنى المطلق، الواحد في ملكه، المنفرد بتدبيره، ليس له شبيه ولا نظير، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)[الشورى/9]، وكل ما يخطر بالبال، أو يرتسم في الخيال من التكيفات والأمثال، يتنزه عنه الكبير المتعال، لا يختص بمكان، ولا يتقيد بزمان، ولا معه ثان في ألوهيته، خلق العالم بأسره، فلا يقع في ملكه إلا ما قدره وخصصه بإرادته، فهو واجب الوجود والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس، له القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام، والمعنوية واضحة من هذه، وأضدادها مستحيلة، والجائز في حقه تعالى فعل كل ممكن أو تركه من خلق المخلوقات وإعدامها وهداية من شاء وخذلان من شاء، أسعد من شاء لا بوسيلة تقدمت، وأبعد من شاء لا لجريمة تقدمت.
متفضل ببعث الرسل من عباده، وأوحى إليهم بشريعته وأحكامه، وأمرهم بتبليغ ذلك إلى خلقه، فيجب الإيمان بهم، وبسائر الكتب المنزلة، من غير حصر على الأصح.
وأن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأفضل الخلق أجمعين، ومرسل إلى كافة الخلق، كما عليه أهل الحق، ويجب له ولسائر الرسل الصدق والأمانة والتبليغ، ويستحيل ضدها، والجائز في حقهم عليهم الصلاة والسلام ما هو من الأعراض البشرية التي لا توجب نقصا؛ كالمرض والنوم والأكل والنكاح، وما تلبسوا به من الأمور المباحة ليسوا فيها كغيرهم، إذ هي قربة في حقهم».
ثم انتقل المؤلف –رحمه الله- إلى باب العبادات، فخصص فصلا للطهارة، وآخر للصلاة، ثم ذكر قواعد الإسلام والإيمان والإحسان، ثم أتبع ذلك بفصل في مبادئ التصوف جاء فيه:
«اعلم أن أول المقامات: التوبة؛ وهي الندم على المعصية، من أجل أنها مبعدة عن رضوان الله، وهي واجبة شرعا على الفور في كل وقت امتثالا لأمر الله، وهي بمثابة الأرض للبناء، فمن لا أرض له لا بناء له، ومن لا توبة له لا حال له ولا مقام، ولا يحل له أن يؤخرها، فإن أخرها عصى.
ولا يقول: (حتى يهديني الله)، فإنه من علامة الشقاء والخذلان وطمس البصيرة، ومنهم من يقول: (رحمة الله واسعة)، وهو سبحانه لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية.
وأُفٍّ لعبد يعلم إحسان سيده فيجترئ على عصيانه، ولو علم أنه يراه ما سارع لما نهاه، وكفى بالمرء جهلا أن يعامله سيده بالوفاء وهو يعامله بالجفاء، فمن تاب ظفر ومن لم يتب خسر، ولا دخل عليه ما ارتكبه إلا بتركه متابعة السنة، فإن اتباعها عصمة، كما حققه الأئمة.
وشروط التوبة ثلاثة:
الإقلاع عن المعصية في الحال، إن كان متلبسا بها.
والنية ألا يعود إلى ذنب فيما بقي من عمره.
ومبادرة ما ضيعه من حقوق الله وحقوق العباد».
وقد فصل المؤلف القول في هذا الفصل في ذكر بعض مبادئ التصوف التي تربي الفرد المسلم من مثل الدعوة إلى الاشتغال بالعبادة ومجانبة خلاط السوء، وتعظيم الفقهاء والتحلي بالتواضع..
ثم ختم المؤلف –رحمه الله- كتابه بالدعاء قائلا: «سلك الله بنا وبكم مسالك أوليائه، وأهلَّنا وإياكم من مناهل أصفيائه بمنه وكرمه، وصلى الله على مولانا محمد خير أنبيائه، وعلى آله وصحبه خيرة أحبائه وأصدقائه، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم لقائه».

[مُرْشِدَةُ الصِّبْيان وَمُبَصِّرَةٌ ِلمنْ أَرادَها مِنَ الإِخْوان- للإمام العلامة أبي سرحان مسعود بن محمد جمُّوع السجلماسي الفاسي المتوفى سنة: (1119هـ) بفاس – تحقيق: الباحث بالمركز طارق طاطمي – مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط]

 

                                             إعداد الباحث: منتصر الخطيب
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق