وحدة الإحياءشذور

مَعَ الشَّاعِرِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الطَّبَّالْ مِنْ خِلاَلِ دِيوَانِهِ “كِتَاب الْعِنَايَةِ”

إن قراءة “كِتَاب الْعِنَايَةِ[1]” للشاعر عبد الكريم الطبال الذي يعد واحدا من الشعراء المغاربة المتميزين، جعلتني أصرّح غير متزيد أنه ينحت من صخر في القديم كما يغرف من بحر في الجديد.

أما عن القديم فأخص بالذكر البدايات كمثل “الطَّرِيق إِلَى الْإِنْسَان[2]” و”الْأَشْيَاء الْمُنْكَسِرَة[3]“.

وأما عن الجديد فأذكر “آخِر الْمَسَاءِ[4]” و”شَجَر الْبَيَاضِ[5]” والْقَبْض عَلَى الْمَاءِ”[6]“.

وقد جاء بُعيد “كِتَاب الْعِنَايَةِ” الذي بين أيدينا، ديوان “بَعْدَ الْجَلَبَةِ[7]” و”سِيرَة الصِّبَا[8]” وهو لون جميل من السيرة الشعرية إذا شئنا، وكذا “عَلَى عَتَبَةِ الْبَحْرِ[9]” وهي مجموعات جميلات لكنهما لم تبلغ عندي مبلغ “العناية”.

ولشاعرنا دواوين أخرى تدفعنا لنعلن أنه مكثر ومُجيد في ذات الآن، وهي: “الْبُسْتَانُ[10]” و”عَابِرُ سَبِيلٍ[11]” و”لَوْحَاتٌ مَائِيَّةٌ[12]” وهو الأمر الذي يستأهل في الحقيقة وقفات مسهبة، لما تنطوي عليه هذه الأشعار من كنوز قد لا يضع الجمهور يده عليها، وما ذلك في نظري إلا بسبب ابتعاد النقد عن إسلاس الفهم للقراءة بحجة أن الشعر لا يفسر ولا يشرح، مما يعتبر كافيا في ابتعاد الكثير من الناس عن الشعر خاصة الغامض منه.

الشَّاعِرُ بَيْنَ الْإِكْثَارِ والتَّجْوِيدِ

ومهما يكن، فإن من بين أسئلة النقد ذات الأهمية: كيف جمع الشاعر بين الإكثار والإجادة؟! وبعبارة أخرى: ما السبب في تميز تجربة الشاعر رغم إكثاره؟

والجواب في نظري باختصار هو الصدق الفني؛ وبإسهاب هو ما تفصح عنه هذه الدراسة المتواضعة التي تمزج بين المعنى الحقيقي، وبعض التأويل الذي تحتمله اللغة العربية، خاصة حين يتعلق الأمر بكتاب الله، عز وجل، وبصفة أخص بالقَصص القرآني الذي تميز الشاعر عبد الكريم الطبال في النهل منه شكلا ومضمونا، في لغة جديدة شفافة، ودِلالة تحسن الاستفادة من خبر الأنبياء والمرسلين، عليهم السلام، في طَلِبَةِ الاقتداء التي إن أحسنَّاها، كان لنا ما أكرمهم الله تعالى به من نجاة   وشفاء وطهر (…) وإن لم تحقق هذه الورقات إلا هذا الغرض، فكفى به غرضا مطلوبا.

لقد نبه القدماء إلى أن من شروط الفحولة في الشعر الجودة والكثرة فربما كان الشاعر مجيدا ويؤخره عن طبقة المتقدمين قلة شعره.

ويُظن أن الكثرة ربما كانت مظنة الزلل، ولذلك حَرَصَ بعض الشعراء على ألا يتركوا بين أيدي الناس إلا ما اطمأنت إليه نفوسهم من أنه زبدة شعرهم، بعد ما عالجوه بالتنخيل والتشذيب والتثقيف؛ ولا شك أن الشعراء المكثرين المجيدين قلة قليلة.

إنها القاعدة التي يؤكدها الاستثناء المتمثل في بعض الشعراء الذين لم تمنعهم كثرة ما كتبوا من الحرص على التجويد والتألق والتميز.

فهذا الشاعر الفرنسي فكتور هيغو الذي تمكن من أن يترك خلفه كل هذا الشعر الغزير الجيد، مضافا إلى ما خلف وراءه في مجال الرواية والمسرح والفلسفة، وهو الذي كان منشغلا بالسياسة وأحداثها اليومية.

الشيء نفسه بالنسبة إلى الشاعر الجرماني “غوته” الذي كان شاعرا ومسرحيا وروائيا وفيلسوفا.

يشار إلى هذين الشاعرين دون سواهما؛ لأن كل واحد منهما كان معجبا بالشرق وحضارته، وأفرد له ديوانا خاصا:

فقد ترك الأول ديوان “الشَّرْقِيات”، وترك الثاني “الدِّيوَان الشَّرْقِيّ الْغَرْبِيّ[13].”

ولا ريب أن الشاعر عبد الكريم الطبال واحد من الشعراء المجيدين المكثرين في الشعر العربي المعاصر، كما أن شعره يتأبى على التحقيب والتجييل، بل يقوم دليلا على خطإ منهاج التحقيب والتجييل.

إنه دون شك أحد مؤسسي القصيدة المغربية الحديثة، قدم إليها بعد ما رسخت قدمه في أرض الشعر العمودي، تمييزا له عن الشعر التفعيلي.

وشاعرنا يكتب اليوم بحيوية الشباب وحكمة الشيوخ، وهو الشاعر المتبتل المنقطع في صومعة الشعر الروحي، الجامع بين جلال التفكير، وجمال التعبير، وإن شئت قلت بين التذاذ المتن وقوة الجوهر.

ومما يميزه أنك حين تقرأ شعره، تجده قد وضع على قصائده ميسمه الخاص الذي لا يكاد يشاركه فيه أحد.

فهو الشاعر الممتد بجذوره العميقة إلى تراثه العربي الإسلامي، وبفروعه إلى الثقافة الإنسانية. ولعل قارئ شعره لا يخطئ فيه عبق الشعر الأندلسي القديم والحديث خاصة.

ولديوان “كِتَاب الْعِنَايِةِ” أن يشهد أنه ما زال يجمع في جوار متميز بين أشكال الكتابة الشعرية وإيقاعاتها[14].

الصِّدْقُ الْفَنِّيُّ والْمَوْضُوعِيُّ

لا شك أن الصدق الفني والموضوعي شرط أساس في الإبداع، وهو الأمر الذي يؤكد عليه الشاعر بقوله:

إِذَا جَاءَكَ الْحَرْفُ يَوْماً

فَسَلِّمْ عَلَيْهِ

سَلاَمَ الْغَرِيبِ.

  (وَصِيَّةٌ)[15]

كأنك تنكره، أما إذا أصر هذا الحرف، فما عليك إلا أن تمتحنه ثانية، وذلك بإغراقه في سيل من الأسئلة الملحة:

وَسَلْهُ

عَنِ الاِسْمِ

مِنْ أَيْنَ جَاءَ

وَسَلْهُ

عَنِ الْجِهَةِ الْمُقْبِلَةْ

وَسَلْهُ

عَنِ الْجَمْرِ

فِي شَفَتَيْهِ.

(وَصِيَّةٌ)[16]

ما أصل الاسم؟ لأن الذي لا يعرف أصله لا يعرف شيئا ذا بال، وصدق الله العظيم: ﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ الاَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بَأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (البقرة: 30-31).

والجهة المقبلة؟! من يستطيع أن يستشف ببصيرته أسرار كنوزها؟ ﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾ (هود: 118) وفتح عليهم كما قال عز وجل: ﴿إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾ (الاَنفال: 29) تفرقون به بين الحق والباطل، وبين الخطأ والصواب، وبين التأويل المنضبط، والتأويل الذي لا يستقيم.

نعم قد يُرى الجمر في شفتيِّ الحرف، وهل للحرف شفتان؟

هذه هي لغة الشعر الجميلة التي تمتاح من البلاغة الشيء الكثير. ولكن السؤال: هل هي فعلا قبسات وجذوات حقيقية، يعول عليها في البصر والإبصار؟

إن أعيننا قد تخدعنا مرات، والأساس أن نتأكد كي لا نَظلم أو نُظلم:

فَإِنَّ الَّذِي لاَ يَجِيءُ

مِنَ الْيَاسَمِينِ

خَيَالٌ لِنَارٍ

وَلَيْسَ بِنَارٍ

شَبِيهٌ بِنَايٍ

وَلَيْسَ بِنَايٍ.

 (وَصِيَّةٌ)[17]

ومن ثم فقد لا يعمّر هذا الحرف طويلا؛ لأنه ليس على الحقيقة مقتبسا من (النار المباركة)/ ﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ ومَنْ حَوْلَهَا﴾ (النمل: 8). وليس مجللا بالحزن والشجن الذي يرمز إليه الناي الحزين، والربابة المرصودة كما سيأتي، والتوقد والاحتراق والاشتعال كيما يصل إلى القلوب، ذلك بأن الحرارة تنقصه، وقد قال القدماء: “مَا خَرَجَ مِنَ الْقَلْبِ نَفِذَ إِلَى الْقُلُوبِ، ومَا خَرَجَ مِنَ اللِّسَانِ لَمْ يَتَجَاوَزِ الْآذَانَ، وَلَيْسَتِ النَّائِحَةُ كَالثَّكْلَى”.

فماذا يوصينا الشاعر في هذا الشأن؟!

أن نوصد الباب دون هذا الحرف، ليتلقفه الموت بردا، وذلك لمسألة بسيطة، وهي أنه لن ينتج قصيدة صادقة، نظرا لأنها قد تموت قبل قائلها؛ عُلم ذلك من التجربة:

فَلاَ تَفْتَحِ الْبَابَ يَا صَاحِبِي

وَدَعْهُ يَمُتْ

فِي صَقِيعِ الْمَسَاءْ.

  (وَصِيَّةٌ)[18]

والمساء هنا ينبئ عن الشيخوخة والضعف وانقضاء الصباح والفجر والشباب، عكس ما نفهمه في قصائد أخرى حيث يتحمل قوة وظلالا نعرض لها، إن شاء الله تعالى، في غير هذا الموطن.

فلا نجاة من الوفاة هاته إلا في الاعتصام بحبل الله المتين الذي يبارك ويزكي:

أَنْتَ يَا هَذَا

لَكَ الْكَلِمَاتُ فِي شَفَتَيْكَ

جُنْدٌ لاَ يُرَى

فَابْدَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ

فِي فَلاَةِ الْمَوْجِ

فِي ظُلْمَةِ الْأَعْمَاقِ

تَنْبَلِجُ الطَّرِيقُ

إِلَى الضِّفَافْ.

 (نَجَاةٌ)[19]

هكذا أمر الله تبارك وتعالى أول ما أمر به سيدنا محمدا، صلى الله عليه وسلم، بقوله على لسان جبريل، عليه السلام، في الغار: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِي خَلَقَ. خَلَقَ الاِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ ورَبُّكَ الاَكْرَمُ. الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الاِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (الغلق: 1-5).

ولم يكن عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا ذلك اللسان الجندي؛ إذ يقول للكبراء والملأ: “خَلُّوا بَيْنِي وبَيْنَ النَّاسِ[20]” يدعوهم إلى هذا الدين بلا إكراه، ومن كان متسلحا بقيمة البدء فلا يخاف غرقا ولا هضما:

لَكَ يَا غَرِيقٌ

مَا تَشَاءُ

مِنَ الضِّفَافِ

فَعَارِكِ الْحِيتَانَ

وَالْأَشْبَاحَ

لاَ تَخْشَ الْمَسَاءْ

 (نَجَاةٌ)[21]

 ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ونَجِّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ، وكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُومِنِينَ﴾ (الاَنبياء: 87). وأسطّر بلون مغاير على كلمة ﴿وكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُومِنِينَ﴾، أما المشيئة فقد أكد عليها الشاعر في كل قصيدة تقريبا ليبين لنا كيف أنه بمكنة الواحد منا أن يختار لنفسه الطريق المنجية، صراط العزيز الحميد سبحانه.

ويقول الشاعر:

اِرْحَلْ لِلْبَعِيدِ

إِلَى الْعَمِيقِ

إِلَى مَقَامٍ لاَ يُسَمَّى

كَيْ تَكُونَ كَمَا تَشَاءْ.

 (غُرْبَةٌ)[22]

فعلا لأنه بمقدورك أن تشاء كما وصف حسان بن ثابت، رضي الله عنه، رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لِخُلُقه العظيم وخِلْقته الحسنى فقال:

وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي    وأَفْضَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَـيْبٍ   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ

وفي هذا المقام قال ربنا، عز وجل، للأنبياء والمرسلين، عليهم السلام، عن مصطفاه    ومجتباه سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإذَ اَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيئِينَ لَمَا ءَاتَيْنَاكُم مِّن كِتَابٍ وحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُومِنُنَّ بِهِ ولَتَنْصُرُنَّهُ، قَالَ ءَآقْرَرْتُمْ وأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمُ إِصْرِي، قَالُوا أَقْرَرْنَا، قَالَ فَاشْهَدُوا وأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ (ءال عمران: 80). مع العلم أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتمهم.

هكذا نجد الشاعر يرسم بريشته قصائد عميقة تخبر عن سعة الاطلاع، وحسن التوظيف لتراث الأمة المجيد، ناهيك محاولة التجديد في الإيقاع الداخلي والخارجي للقصيدة المسكون بها.

الْإِيقَاعُ فِي كِتَابِ الْعِنَايَةِ

للشاعر سبعة عشر قصيدة عزفها على نظام التفعيلة الحرة، ولج بابها باقتدار حيث جاء إليها من مملكة القصيدة ذات نظام الشطرين يثبت ذلك ما جاء من قصائد في دواوينه الأولى.

هذه القصائد التي بين أيدينا مقامات أيّ مقامات يفصح عنها هذا الجدول:

وصية

المتقارب

بصيرة

الكامل

معرفة

الكامل

ظهور

الكامل

منة

الكامل

قدرة

الكامل

نجاة

الكامل

حيرة

المتدارك

توسل

الكامل

موسيقى

الكامل

ملك

الكامل

مدد

الكامل

قال الراوي

الرمل

خارج السرب

المتدارك

وصال

الرجز

غربة

الكامل

حرف الألف

الخبب

والملحوظ أيضا في مقام الإيقاع هيمنة تفعيلة الكامل في صيغته المدورة، فهي توهم بتداخل البحور أحيانا بمعدل 11/17.

الشيء نفسه فيما يخص قصيدة “حيرة” التي جاءت على منوال  المتدارك مدورة كذلك إلى الحد الذي قد يشتبه فيه الأمر بامتزاجها بالمتقارب، وهما في أصلهما طبعا من دائرة المؤتلف، ولكن الشاعر بخبرته وتجربته يعطيها إيقاعا منسجما مع الفحوى بما يبصمه ببصماته المتميزة.

لم يفد من البحور الأخرى إلا ما كان من الخبب بقصيدة واحدة، والرجز إذا ميزنا بينهما بقصيدة واحدة أيضا، كما هو الشأن بالنسبة للرمل.

أين المنسرح والمجتث والطويل وما تبقى؟!

ولعل الشاعر أراد أن يكتب قصيدة واحدة ذات إيقاع موحد، ولكنَّ غِنَى الموضوعات واختلافها، لربما حتم عليه من حيث يشعر أو يشعر، أن تهجم عليه الإيقاعات الأخرى التي التبست بقصائدها فكستها جمالا.

تبقى غالبية الكامل دالة على وشك اكتمال القصائد من الناحية المضمونية لولا مقام الساعة الواحدة، وانبناء بعضها من حركتين فأكثر كما سنبينه؛ وإلا فقد أنهى الشاعر مهمته وبلغ طموحه، ولا حاجة للبحث عن القصيدة المرتجاة ساعتئذ، وهو الأمر الذي ليس بمقدور شاعر مجدد أن يدعيه.

أحيانا يعطي الشاعر للاسم الهمز، وهو أمر غير مستحسن لولا ضرورة استقامة الميزان، وهو الأمر الذي تكرر كلما ذكرت لفظة “الاسم”؛ ذلك بأنها من الأسماء التسعة التي لا تتحمل الهمز.

ولو إمكان صدور أخطاء مطبعية لقلنا بأن الوزن ينكسر أحيانا، خذ على سبيل المثال قول الشاعر:

فَجَاهِدْ أَنْ

تَمَسَّ أَرِيجَهَا

أَوْ تَسْتَنْشِقَ هَفِيفَهَا.

(بَصِيرَةٌ)[23]

ولكنه عاد وقال في الأعمال الكاملة:

فَجَاهِدْ أَنْ

تَمَسَّ أَرِيجَهَا

أَوْ تَسْتَشِفَّ هَفِيفَهَا[24]

مَقَامُ الْمَشِيئَةِ

من بين الموضوعات ذات الأهمية في الديوان مقام المشيئة حيث يقول الشاعر:

لَكَ يَا حَكِيمُ

مَا تَشَاءُ

مِنَ الرَّقَائِقِ.

 (مَعْرِفَةٌ)[25]

لَكِ يَا مَرَايَا

مَا تَشَاءُ

مِنَ الْحَقَائِقِ.

 (ظُهُورٌ)[26]

كما قال الشاعر أبو الطيب المتنبي:

لَكِ يَا مَنَازِلُ فِي الْقُلُوبِ مَنَازِلُ      أَقْفَرْتِ أَنْتِ وكُنَّ مِنْكِ أَوَاهِلُ

يقول الشاعر عبد الكريم الطبال:

لَكَ يَا سَمَنْدَلُ

مَا تَشَاءُ

مِنَ الْمَجَرَّاتِ الْبِعَادِ.

 (قُدْرَةٌ)[27]

لَكَ يَا غَرِيقُ

مَا تَشَاءُ

مِنَ الضِّفَافِ.

 (نَجَاةٌ)[28]

فَإِنْ شِئْتُ

أَنْ أَصْعَدَ الْعِلِّيِّينَ

إِلَيْهِ

أَتِيهْ

وَإِنْ شِئْتُ

أَنْ أَطْوِيَ الْأَرَضِينَ

إِلَيْهِ

أَهِيمْ.

 (حَيْرَةٌ)[29]

لَكَ يَا خَلِيفَةُ

مَا تَشَاءُ

مِنَ التُّرَابِ.

 (تَوَسُّلٌ)[30]

فَيَا ذَا الْجَلاَلِ

إِذَا شِئْتَ

مَا كَانَ لِي أَنْ أُقِيمَ

هُنَا.

 (خَارِجَ السِّرْبِ)[31]

وتتميز قصيدة (غربة) بالمشيئة الربانية حيث يقتحم بها من يتخذها حصنا وحرزا كل الآفاق؛ ولا مستحيل لمن شاء أن يستقيم:

لَكَ يَا شَرِيدٌ

فِي الْمَمَالِكِ

رَايَةٌ

إِنْ شِئْتَ

كُنْتَ لَهَا الْمُرَفْرِفَ.

 (مُلْكٌ)[32]

هكذا عن طريق القلب البلاغي الجميل، ذلك بأن المعروف أن الراية هي التي ترفرف، في حين يمنح الشاعر الصورة جدة وشفافية، ليُصار إلى الرفرفة من لَدُنْهُ حين يصل إلى مملكة الكلام الأسنى، فيحصل على قلب الطائر:

يَا شَرِيدٌ

اِفْتَحِ الْأَدْغَالَ

وَالْأَبْوَابَ

وَالسُّدُفَ الْكَثِيفَةَ

وَالشَّفِيفَةَ.

 (مُلْكٌ)[33]

هنالك حيث تحلو الإشارة إلى الاستمداد وقوته: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾ (المائدة: 25). شريطة حسن الاستعداد المستمد من قصة سيدنا موسى، عليه السلام، مع فرعون وملإه:

لاَ تَهُنْ

فِي بَابِ عَرْشٍ

أَوْ أَمِيرٍ

تِلْكَ فِي يُمْنَاكَ

حِرْزُ الْعَارِفِينَ

الْفَاتِحِينْ.

 (مُلْكٌ)[34]

ـ ﴿وَلاَ تَهِنُوا ولاَ تَحْزَنُوا وأَنتُمُ الاَعْلَونَ إِن كُنتُم مُّومِنِينَ﴾ (ءال عمران: 139).

ـ ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى. قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤاْ عَلَيْهَا وأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ولِيَ فِيهَا مَئارِبُ أُخْرَى﴾ (طه: 16-17).

وكان ممكنا أن يجيب سيدنا موسى، عليه السلام، باختصار: هي عصاي والله تعالى أعلم بفوائدها وخصائصها، إلا أن مقام الأنس بالذات العلية لم يترك موسى عليه السلام، فكان منه أن شرح فوائد العصا المعروفة؛ لأنه لا يستطيع على فراق ربه، جل جلاله، صبرا. وقد قال الحسن بذات الصدد: “رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى فَقَدِ اسْتَلَذَّ الْخِطَابَ فَأطَالَ الْجَوَابَ”؛ وهو من المؤانسة.

وفي المقابل نرى قسيما لهذا النص، نصا له من عنوانه نصيب، يعطي نفس الموضوعة، لكن في قالب من الروعة، وذلك هو ماء الشعر، ورونقه وجوهره:

لاَ تَسِرْ فِي طَرِيقٍ

يَمُرُّ بِهِ

اِبْنُ آوَى وأَصْحَابُهُ

وَأَمِيرٌ وأَشْيَاعُهُ

اَلسُّلاَلَةُ وَاحِدَةٌ

كُلُّهُمْ يُفْطِرُونَ دَماً

قَبْلَ أَنْ يَفْتَحُوا النَّافِذَةْ.

 (غَزَالٌ)[35]

هذا النص مستل بعنوان “أَقْبَاسٌ بَعِيدَةٌ[36]” تتألف من اثِنْتَيْ عشْرة مقطوعة، لا أجانب الإنصاف إن عددتها ديوانا كاملا، والعبرة بما قل ودل:

لَكَ يَا فَقِيرٌ

فِي الْقِفَارِ

إِذَا تَشَاءُ

رَبَابَةٌ مَرْصُودَةٌ

فِي نَخْلَةٍ

نَبَوِيَّةٍ

تُوتِي الثِّمَارَ

لِمَنْ يَمُرُّ

كَأَنَّهُ بَرْقٌ

وَتُوتِي مَنْ يَحُطُّ الرَّحْلَ

كُلَّ لُبَابِهَا

أَوْ كَنْزَهَا السِّحْرِيَّ

فَيَا خَلِيَّ الْبَالِ

اُمْكُثْ فِي الْمَقَامِ

فَقْدْ تَخُصُّكَ بِالرَّبَابَةِ

وَهيَ أَغْلَى عِنْدَهَا

مِنْ كُلِّ تِيجَانِ الْمُلُوكْ

 (مُوسِيقَى)[37]

لله ما أجمل هذه القصيدة‍‍! فقد اشتملت على عدة كنوز، فهذا ابن الفارض يقول في قصيدته “كَمْ مِنْ لَيْلَةٍ” وهي من الكامل:

لَحَانِي عَذُولِي لَيْسَ يَعْرِفُ مَا الْهَوَى    وَأَيْنَ الشَّجِيُّ الْمُسْتَهَامُ مِنَ الْخَلِي[38]

 ذلك بأن للفقير‍‍‍‍‍ إلى رحمة الله تعالى ومحبته، ربابة ترمز لإحدى المؤنثات التي ليست بالضرورة بنت التراب، قد تكون الحقيقة وقد تكون القصيدة وقد تكون غير ذلك، المهم أن أصلها من النخلة التي قال عنها ربنا سبحانه وتعالى مخاطبا السيدة مريم الصديقة عليها السلام: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَّاقَطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً﴾ (مريم: 24). ﴿تُوتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (اِبراهيم: 27). وهذا الأمر في المتناول دائما وأبدا، إذا ما صح العزم والنية لمن يشاء، فيكدح ويكابد ويجاهد حتى يتذوق حلاوة الإيمان/الكنز السحري الحلال، من بركة الحرف، ليتحول الأمر من حال يأتي أحيانا إلى مقام مستقر، وهي نعمة “لَوْ عَلِمَتْهَا الْمُلُوكُ لَجَالَدَتْنَا عَلَيْهَا بِالسُّيُوفِ”.

ويُعلم أن النخلة سيدة الشجر، ومن الكرم بمكان حتى إذا رميناها بالحجر، رمتنا بالثمر، بل بالرُّطب، وقد بلغ كرمها مبلغا إلى الحد الذي تعطي فيه بسخاء من يمر بسرعة البرق، وتلحظ (الـ) المعرفة والاستغراق والشمول، أما من يحط رحله، فلا شك أنها تزيده عطاء فوق عطاء، يمتاز باللب والجوهر؛ أما صاحب المقام الذي يستمع وينصت إلى وصية الشاعر، فقد تخصه بالربابة يصدح كيف يشاء، وما أدراك ما الربابة؟‍!

وهذه قصيدة أخرى تصب في ذات البحر من الناحية الأسلوبية حيث يقول الشاعر من ديوانه “لَوْحَاتٌ مَائِيَّةٌ”:

فَمَنْ مَرَّ

تَحْتَ سَحَابَتِهِ

مَسَّهُ الشِّعْرُ

أَوْ سَقَطَتْ فِي يَدَيْهِ

يَدٌ.

 (بَابُ الْعَيْنِ)[39]

وأخيرا وليس آخرا:

لَكِ يَا هُيُولَى

مَا تَشَاءُ

مِنَ الصَّحَائِفِ

فَاسْتَقِمْ

فِي وَرْدَةٍ.

 (مَدَدٌ)[40]

والهيولى المادة الأولى أو نور الشمس وكلاهما فيه قيمة البدء ونفاسة الجوهر:

ـ ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ومَن تَابَ مَعَكَ﴾ (هود: 112).

ولنتأمل المعية من خلال الصحبة المباشرة، أو من خَلَلِ الأخوّة المشار إليها في حديث نبوي شريف.

وتمتزج المشيئة بالاستقامة في كتاب الله تعالى: ﴿لِمَن شَاءَ مِنكُمُ أَن  يَّسْتَقِيمَ. ومَا تَشَاءَونَ إِلاَّ أَن يَّشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (التكوير: 29).

وتنزه الله سبحانه وتعالى عن أن يرضى لعباده الكفر، بدليل الفطرة الأصلية والنشأة الأولى في عالم الذَّر، زيادة على تمكين الإنسان من الاختيار الحر، المشفوع بتحمل الأمانة والاستخلاف تكليفا لا تسخيرا، حتى إذا شاء أن يستقيم، استقام في غير قهر، وإذا كانت الأخرى فهو حر كذلك، شريطة تحمل المسؤولية، ذلك بأنه يستطيع فعل هاته أو تلك: ﴿وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ، وإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ  لَكُمْ﴾ (الزمر: 8).

إنها نعمة الإسلام من قبل أن نسأله سبحانه وتعالى، ولقد أحسن من قال: للإيمان دليل، والكفر لا دليل عليه، مع إضافة تكاثف البراهين الساطعة من كتاب العناية الربانية، حيث يريد الله تبارك وتعالى أن يتعبّدنا طوعا لا كرها: ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ اَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ (الشعراء: 4).

نَحْوَ فَتْحِ الْكِتَابَيْنِ 

والمقصود بالكتابين المرادِ فتحُهما كتاب الله المقروء، وكتابه المنظور، ناهيك عن كتابي الجمال والجلال.

ومع هذا وذاك، فإن الله تبارك وتعالى لعنايته بخلقه، أرسل الرسل عليهم السلام، ومن هنا، مرة أخرى، تأتي فَرادة الاختيار في “كِتَاب الْعِنَايَةِ”: فالكتاب كتابان: واحد مقروء وثان مشهود، وبينهما تناسب وانسجام؛ لأن المنزل هو الخالق، أي أن منزل القرآن هو خالق الأكوان والإنسان والحيوان والعوالم كلها، والعناية بجمالها وجلالها تسكن منها القلب.

أما القرآن ذلك الكتاب المقروء، فقد احتضن الجمال والجلال بكل مواصفاته، ودل عليه في الكون والإنسان والحياة والأحياء:

ـ ﴿اِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والاَرْضِ واخْتِلاَفِ اليْلِ والنَّهَارِ ءلاَيَاتٍ لِّأُولِي الاَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وقُعُوداً وعَلَى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والاَرْضِ، رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ، فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (ءال عمران: 190-191).

ـ ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والاَرْضِ واخْتِلاَفِ الَيْلِ والنَّهَارِ والْفُلْكِ التِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ ومَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وبَثَّ فِيهِمَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ والسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والاَرْضِ ءلاَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 163).

ـ ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ (الملك: 5).

ـ ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الاِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (التين: 4).

ـ ﴿وَالْخَيْلَ والْبِغَالَ والْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وزِينَةً، ويَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 8).

ـ ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ (النحل: 6).

ـ ﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ويَنْعِهِ﴾ (الاَنعام: 100).

وفي الحقيقة فإن هذا الموضوع محبب للنفس السوية، فهو من ثم محتاج إلى بحث موضوعي يأخذ بتلابيب وحداته بعضها وبعض، في وحدة ذات جمال وبهجة، إلى آخر ما هنالك من لطائف وفرائد تبين عن القوة والحسن واللطف في شعر الشاعر، وامتياحه من القرآن الكريم بامتياز في إشارات معمقة:

وَمَا كَانَ لِي أَنْ أَشَاءَ

سِوَى أَنْ أَكُونَ

صَدىً لِلْجَلِيلْ

وَشَذىً لِلْجَمِيلْ

فَإِنْ شِئْتُ

أَنْ أَصْعَدَ الْعِلِّيِّينَ

إِلَيْهِ

أَتِيهْ

وَإِنْ شِئْتُ

أَنْ أَطْوِيَ الْأَرَضِينَ

إِلَيْهِ

أَهِيمْ.

 (حَيْرَةٌ)[41]

فانظر إلى تقابل الجمال والجلال، وهو صميم العناية، لنستحضر كذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ كِتَابَ الاَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ (المطففين: 18).

فَكَيْفَ إذاً

سَأُسَافِرُ

مِنْهُ إِلَيْهْ؟!

 (حَيْرَةٌ)[42].

إن الحل الوحيد في صرف “الحيرة” يكمن في الفرار إلى الله سبحانه وتعالى عن طريق كتابيه؛ لأنه لا منجى ولا ملجأ منه إلا إليه: ﴿فَفِرُّوا إِلى اللَّهِ﴾ (الذاريات: 50).

وما أصدق لهجة هذا الدعاء النبوي الكريم: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ[43].”

فسبحان من له الثناء والمجد، وهو الكفيل أن يمدنا بعونه وسنده، وقد أتاحت لنا أسماؤه العليا، وصفاته السامية، أن نلوذ ونحتمي بصفات الجمال من صفات الجلال، أو نقدر لصفات الجلال قدرها تناسبا مع قوله تعالى:

ـ ﴿وَلِلَّهِ الاَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ (الاَعراف: 180).

ـ ﴿قُلُ ادْعُوا اللَّهَ أَوُ ادْعُوا الرَّحْمَنَ، أَيّاً مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الاَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ (الاِسراء: 109).

لَكَ مَا تَشَاءُ

مِنَ الصَّحَائِفِ فَاسْتَقِمْ

يَهْمِي عَلَيْكَ الْحَرْفُ

مِنْ لَوْحٍ خَفِيٍّ

ثُمَّ تَنْبَثِقُ الْأَصَابِعُ

فِيكَ

ثُمَّ تَخُطَّ اِسْمَكَ

صَافِيَا

فِي الْمَاءِ.

 (مَدَدٌ)[44]

هذه المعاني من قصيدة “مدد” فمن ذا يستطيع أن يمدك بهذا الصفاء وهذه الحياة؟!

إنه الله، تبارك وتعالى، صاحب العناية الربانية، ذو الجلال والإكرام، صاحب صفات الجمال والجلال، جل جلاله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ ويُحِبُّ الْجَمَالَ[45].”

وفي هذا المقام نجد من صفات الجمال؛ الرأفة والرحمة، واللطف والحلم، والود والحنان، والمن والإنجاء، كما نجد في صفات الجلال؛ القدرة والظهور والملك يجمعها “كِتَابُ الْعِنَايَةِ” هذا في أحسن صورة، ليجتمع الرَّغَب والرَّهَب في قلب المؤمن والمؤمنة، وذلك هو سبيل الفوز الذي يجمع بين رؤية الله تبارك يوم القيامة في جمال بديع: ﴿وُجُوهٌ يَّوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. اِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (القيامة: 21-22). ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ (المطففين: 24). والصرف عن الحجب: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ (المطففين: 15)، هنا عليك بمفهوم المخالفة وفي الإنجاء من النار كذلك: ﴿ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ﴾ (المطففين: 16). والتنعم بالجنة التي يقول عنها ربنا عز وجل، فيما يروي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَعْدَدْتُ فِيهَا لِعِبَادِي مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، ولاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ[46]“، فلا تسل عن الجمال والجلال الصنوين اللذين لا يفترقان: ﴿فَمْن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ (ءال عمران: 185).

ولذي الجلال يبتهل الشاعر:

فَيَا ذَا الْجَلاَلِ

إِذَا شِئْتَ

مَا كَانَ لِي أَنْ أُقِيمَ

هُنَا فِي الْعَرَاءِ

وَلاَ أَنْ أُقِيمَ

هُنَا

فِي الْعِمَارِ

 (خَارِجَ السِّرْبِ)[47]

ولقد حقق هذا المقطع الانسجام كله مع النص، وعنوانه حيث لا وسط بين عمارة الأرض وصخبها وغرورها، وبين النبذ بالعراء والذم، إلا في الفردوس الأعلى، وهو وسط الجنة كما قال النبي، عليه الصلاة والسلام، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالمكابدة والجلاد والسباق والكدح.

لابد من اقتراف هذه المقامات، واجتياز هذه الأودية لاقتحام المدينة الموسومة بـ”مَدِينَة الْوَرْدِ”.

ولنستمع إلى وصايا الشاعر، وإن لم يسم قصيدته بالوصايا، إلا ما كان من الأولى، لكنها جاءت كلها كذلك، حيث إن عنوان المدينة على وصيدها:

لَكَ يَا ضَرِيرٌ

فِي الْمَنَافِي

وَرْدَةٌ بِيَدَيْنِ

مِنْ ضَوْءٍ

فَجَاهِدْ

أَنْ تَمَسَّ أَرِيجَهَا

أَوْ تَسْتَشِفَّ هَفِيفَهَا

هِيَ قُرْبَ كَفِّكَ

فِي سِيَاجِ الْقَلْبِ

لاَ تَذْوِي

إِذَا جَاءَ الْخَرِيفُ

تَمُوجُ مِثْلَ السَّلْسَبِيلِ

كَأَنَّهَا فِي النَّهْرِ

كَابِدْ

وَلاَ تَيْأَسْ

لَعَلَّكَ فِي سَدِيمٍ قَادِمٍ

تَعْرُوكَ نَشْوَةُ

مَنْ يَشَمُّ

وَمَنْ يَهِيمُ

وَمَنْ يُشَاهِدْ.

 (بَصِيرَةٌ)[48]

إن المؤمن ليرى بنور الله حقا وصدقا، ويعلم الله كم سررت بإهداء الشاعر الكريم لأخيه سعيد بعض كتبه، فضلا عن فرحي العارم بالذوبان معها وفيها، فإن كلمة الإهداء نزلت على قلبي بردا وسلاما، وهو الأمر الذي له العلاقة الحميمة بما نحن بصدده:

“الأخ الأستاذ الشاعر، نستظل تحت شجرة الشعر التي لا تذبل أبدا، ولك يا سعيد كل التقدير من عبد الكريم الطبال[49].”

“إلى الصديق الشاعر سعيد ساجد الكرواني، هذا الورق من ذلك الشجر الذي نفيء إلى ظلاله في ظهيرة الحياة[50].”

وغيرها كثير في الدواوين الأخرى، وإن كان لي من تعليق أسطره بماء التبر الأحمر: تلك براهين على أن الشعر يسكن تفاصيل حياة عبد الكريم الشاعر الذي يقطن مدينة شفشاون الشاعرة.

ثم إن أقصى ما يطلبه الضرير، وحق له، هو البصر، ولكن شاعرنا الخبير بكتاب العناية يعلم أن مساحة الرحمة والفضل لا تحد أبدا، وقد يفتح الله تبارك وتعالى على من يشاء بما يشاء، لذا فهو يوصي بأن يهفو القلب إلى وردة من نوع خاص؛ لأنه مصنوعة من ضوء البصيرة، ومن خصائصها أنها لا تذوي أبدا، وتصمد في وجه الخريف، لكن كما أسلفنا لا بد لها من المجاهدة والمكابدة وعدم اليأس والقنوط من رحمة الله ورَوْحه جل جلاله: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، وإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69).

لَعَلَّكَ

فِي سَدِيمٍ قَادِمٍ

تَعْرُوكَ نَشْوَةُ

مَنْ يَشَمُّ

وَمَنْ يَهِيمُ

وَمَنْ يُشَاهِدْ.

 (بَصِيرَةٌ)[51].

وله نص مغاير في الأعمال الكاملة[52] أيضا هو:

رُبَّمَا فِي لَيْلَةٍ مَحْجُوبَةٍ

تَعْرُوكَ نَشْوَةُ

مَنْ يَشُمُّ

وَمَنْ يَهِيمُ

وَمَنْ يُشَاهِدْ.

ولعل هذه تفيد التحقيق لا الترجي، ذلك بأنها تستمد سلسبيلها من نهر القرآن الكريم. وكل ما جاء بعدُ في الحقيقة مقامات ذات بال:

لَنَا عُصِرَتْ مِنْ كَرْمِ نُورِ جَمَالِ مَنْ     سَـقَانَا وقَدْ غِـبْنَا وحِرْنَا فَمَا نَدْرِي

   سَـكِرْنَا بِهَا مِنْ شَمِّهَا قَبْلَ شُرْبِهَـا     نَشَاوَى بِـرَيَّاهَـا إِلَى آخِرِ الـدَّهْـرِ[53]

ولنتصور من يشم رائحة العطر من أي نوع كيف يكون؟! إنها نفحات ولا شك؛ أما إذا كان العرف أو كان النشر أو كان الورد الإذخِر والمسك الإذفَر فلا أزيد؛ وأما من يهيم فذلك، لعمري، في درجة من السمو لا يعرفها إلا من كابدها رغم أنف العذال؛ وأما من يشاهد فإنه مقام المقامات.

ونحن لا نملك إلا أن نلتمس أعذارا للقوم، ونتأول هذا المقام لنسمه بالإحسان الذي صدَّق فيه جبريل، عليه السلام، المصطفى العدنان، صلى الله عليه وسلم، بضمن ما صدّقه فيه: “أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ[54].”

إن علامة استجابة الدعاء، يقول الإمام الشوكاني، رحمه الله، الخشية والبكاء والقشعريرة، وربما تحصل الرعدة والغشي والغيبة، ويكون عقيبه سكون القلب، وبرد الجأش، وظهور النشاط باطنا، والخفة ظاهرا، حتى يظن الداعي أنه كان على كتفيه حملة ثقيلة فوضعها عنه، وحينئذ لا يغفل عن التوجه والإقبال والصدقة والأفضال والحمد والابتهال، وأن يقول: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وذلك طبقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إِذَا عَرَفَ الْإِجَابَةَ مِنْ نَفْسِهِ، فَشُفِيَ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِعِزَّتِهِ وجَلاَلِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ”[55].”

ويقول الشاعر حكمت صالح بذات الصلة:

فَاذْكُرِ اللَّهَ بِصَمْتٍ

فَإِذَا اجْتَاحَتْكَ رَجْفَةْ

فَهْيَ إِيذَانُ وِصَالٍ

فَابْتَدِرْ ذَاكَ بِخِفَّةْ[56]

وهكذا ينبغي أن يكون الأمر: عدم الغفلة، ناهيك عن التوجه بالحمد والابتهال لذي العزة والجلال والإكرام:

لَكَ يَا خَلِيفَةٌ

مَا تَشَاءُ

مِنَ التُّرَابِ

فَعَفِّرِ الْجَبَهَاتِ

بَلِّلِ الْأَحْجَارَ

وَجِّهْ كُلَّ وَجْهِكَ

لِلَّذِي خَلَقَ الْجِهَاتِ

سَبِّحْهُ مِثْلَ الرَّعْدِ

مِثْلَ النُّورِ

مِثْلَ الْعُشْبِ

مِثْلَ الْفَاخِتَاتِ

فَأَنْتَ مُنْذُ الْآنَ

قَبْلَ الْآنَ

قَطْرٌ فِي بِحَارِ اللَّهِ

تَسْبَحُ مَا تَشَاءْ.

 (تَوَسُّلٌ)[57]

إن السؤال الاستنكاري حقيقة هو: ألا يجدر بمن استخلفه الله تبارك وتعالى أن يراعي شروط هذا الاستخلاف؟!

﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 29). ذلك بما يلزمه من تحقيق مراد الله معز وجل لأجل أن يقترب منه يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة، ولحظة بعد لحظة لقوله عز من قائل: ﴿وَاسْجُدْ واقْتَرِبْ﴾ (العلق: 20). وقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وهُوَ سَاجِدٌ[58]“، فلما ذا لا يعفّر جبهته بالتراب تواضعا لله تبارك وتعالى الذي جعل الأرض مسجدا وطهورا، رحمة بأمة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، ثم لما ذا لا يبكي حتى يبتل الحجر فيشهد له بين يدي مولاه عز وجل؟!

يحسن بنا أن نوجه الوجه كله لخالق الوجوه والجهات، بل لنا أن نوجه كل الذرات لخالق كل الكائنات: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ[59].”

وتوجيه الوجه كله ينبغي أن يعني صرف العبادة كلها لله وحده، فلا يشغلك شاغل عن السير إلى الله عز وجل، فلتتخلص من السِّوى والأغيار، إذا ما تمثلنا المصطلحات المتداولة عند أهل الذكر، حاول مثل الطير والرعد والعشب:

ـ ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا في الاَرْضِ﴾ (الحمعة: 1/التغابن: 1).

ـ ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ (البقرة: 114).

من هناك يصح التحاور مع بيت ابن الفارض الذي يقول:

جَمَالُكُمْ نَصْـبُ عَـيْنِـي     إِلَـيْـهِ وَجَّـهْـتُ كُلّـِي[60]

ورغم أن هذه التأويلات والتضمينات قد ترى بعيدة بعض الشيء، ولكن للذي لا يتدبر ولا يستبصر، وإلا فهو التوافق والانسجام في استدعاء الشاعر بباصرته وبصيرته النافذة آية وحديثا من الشساعة والاتساع فيما وهب الله سبحانه وتعالى من عطاء غير مجذوذ:

ـ ﴿قُلِ اِنَّ صَلاَتِي ونُسُكِي ومَحْيَايْ ومَمَاتِيَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ، وبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وأَنَا أّوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الاَنعام: 164-165).

ـ “وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِداً وطَهُوراً[61].”

ولا شك أن الصلاة تحتوي بين ظلالها اللغوية الدعاء الموفي على إحسان الصلة بالله، عز وجل، ذلك بما ينطوي عليه من الابتهال والتحميد والتوسل عن طريق القرب بالسجود والتسبيح.

الهوامش


[1]. عبد الكريم الطبال، الأعمال الكاملة الدواوين الشعرية، منشورات وزارة الشؤون الثقافية مطبعة دار المناهل 2000.

[2]. منشورات أصدقاء المعتمد 1971.

[3]. نفس المعطيات السابقة 1974.

[4]. الأعمال الكاملة، م، س.

[5]. المرجع نفسه، وانظر كذلك أمزيل نكوس شفشاون 1995.

[6]. الأعمال الكامل م، س.

[7]. إبداعات سلسلة شراع طنجة دار النشر المغربية اديما والأعمال الكاملة، م، س.

[8]. منشورات جمعية ريف الأندلس، رسوم محمد حقون، ط1 مطبعة الخليج العربي تطوان 2000.

[9]. البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع القنيطرة ط1 (2000). والأعمال الكاملة، م، س.

[10]. المرجع نفسه.

[11]. المرجع نفسه.

[12]. مطبعة أمزيل نكوس شفشاون1997 مصحوب برسوم محمد الخزوم. والأعمال الكاملة، م، س.

[13]. نقله د. عبد الرحمن بدوي إلى العربية بعنوان: “الدِّيوَانُ الشَّرْقِيُّ لِلْمُؤَلِّفِ الْغَرْبِيِّ”.

[14]. المشكاة ع26، (1418ﻫ/1997م)، ص96-97 بتصرف كثير.

[15]. الأعمال الكاملة، م، س، ج2 ص147.

[16]. الأعمال الكاملة، م، س.

[17]. الأعمال الكاملة، م، س، ص147-148.

[18]. الأعمال الكاملة، م، س، ص148.

[19]. المشكاة، م، س، حيث نشر كتاب العناية بأكمله، وهذه القصيدة بالذات لم تبق كما هي في المجموعة الكاملة للشاعر، سنتحدث عن الفروق في مكانها.

[20]. انظر كتب السير.

[21]. الأعمال الكاملة، م، س، ص156.

[22]. الأعمال الكاملة، م، س، ص175.

[23]. المشكاة، م، س، ص104.

[24]. الأعمال الكاملة، م، س، ص149.

[25]. المرجع نفسه، ص151.

[26]. المرجع نفسه، ص153.

[27]. المرجع نفسه، ص155.

[28]. المرجع نفسه، ص156.

[29]. المرجع نفسه، ص158-159.

[30]. المرجع نفسه، ص160.

[31]. المرجع نفسه، ص172.

[32]. المرجع نفسه، ص163.

[33]. المرجع نفسه، ص163-164.

[34]. المرجع نفسه، ص 164.

[35]. ديوان بَعْدَ الْجَلَبَة،ِ ص77.

[36]. نفس المعطيات السابقة.

[37]. الأعمال الكاملة، م، س، ص161-162.

[38]. ديوان ابن الفارض البيت 6 ص128.

[39]. ديوان لوحات مائية، ص7.

[40]. الأعمال الكاملة، م، س، ص165.

[41]. الأعمال الكاملة، م، س، ص158- 159.

[42]. الأعمال الكاملة، م، س، ص159.

[43]. رواه مسلم والنَّسائي وأبو داود وابن ماجة.

[44]. الأعمال الكاملة، م، س، ص165.

[45]. رواه مسلم.

[46]. متفق عليه.

[47]. الأعمال الكاملة، م، س، ص172.

[48]. المرجع نفسه، ص149-150.

[49]. جاء هذا في الصفحة الأولى من “لوحات مائية”.

[50]. جاء ذلك في الصفحة الأولى من “شجر البياض”.

[51] المشكاة، م، س، ص104.

[52]. الأعمال، م، س، ص150.

[53]. أحلى 20 قصيدة حب في الحب الإلهي فاروق شوشة دار ابن زيدون للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، سلمى لعفيف الدين عبد الله اليافعي، ص116-117.

[54]. رواه البخاري ومسلم.

[55]. رواه ابن ماجة وابن السني والسيوطي والحاكم.

[56]. ديوان أغاريد المسلم الصغير.

[57]. الأعمال، م، س، ص160.

[58]. رواه مسلم.

[59]. رواه الشيخان.

[60]. ديوان ابن الفارض، م، س، ص175.

[61]. رواه الشيخان وأحمد والنسائي والدارِمي.

د. سعيد ساجد الكرواني

شاعر وناقد مغربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق