مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

من طبائع أهل الأندلس

نقل الـمَقَّري الحفيد (ت1041هـ) في كتابه »نفح الطيب« كلاما اختصره عن أبي سعيد الأندلسي(ت658هـ) في كتابه »الـمُغرب في حلى أهل المغرب« تحدث فيه عن تدبير أهل الأندلس وبعض عاداتهم وهذا نص الكلام المختصر: وأهل الأندلس أشدُّ خلق الله اعتناء بنظافة ما يلبسون وما يفرشون، وغير ذلك ممايتعلّق بهم، وفيهم مَنْ لا يكون عنده إلا ما يقوته يومَهُ، فيطويه صائما ويبتاع صابوناَ يغسل به ثيابه، ولا يظهر فيها ساعةً على حالة تنبو العين عنها.

وهم أهل احتياط وتدبير في المعاش، وحفظ لما في أيديهم خوف ذلِّ السؤال، فلذلك قد يُنسبون للبخل، ولهم مروءات على عادة بلادهم، لو فطن لها حاتم لفضل دقائقها على عظائمه، ولقد اجتزت مع والدي على قرية من قراها، وقد نال منا البرد والمطر أشدَّ النَّيل، فأوينا إليها، وكنّا على حال ترقُّب من السلطان وخلوّ من الرفاهية، فنزلنا في بيت شيخ من أهلها، من غير معرفة متقدمة، فقال لنا: إن كان عندكم ما أشتري لكم فحماً تسخنون به فإنّي أمضي في حوائجكم، وأجعل عيالي يقومون بشأنكم، فأعطيناه ما اشترى به فحماً، فأضرم ناراً، فجاء ابنٌ له صغير ليصطلي، فضربه، فقال له والدي: لِـمَ ضربته؟ فقال: يتعلم استغنام مال الناس والضَّجَرَ للبرد من الصغر، ثم لما جاء النوم قال لابنه: أعطِ هذا الشاب كساءك الغليظة يزيدها على ثيابه، فدفع كساءه إليّ، ولما قمنا عند الصباح وجدتُ الصبي منتبهاً ويدُه في الكساء، فقلت ذلك لوالدي، فقال: هذه مروءات أهل الأندلس، وهذا احتياطهم، أعطاك الكساء وفضّلك على نفسه، ثمَّ أَفكرَ في أنك غريب لا يعرف هل أنت ثقة أو لصّ، فلم يطب له منام حتى يأخذ كساءه خوفاً من انفصالك بها وهو نائم، وعلى هذا الشيء الحقير فقس الشيء الجليل.

مصدر النص: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب لأحمد بن المقري (1/223 -224)، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، طبعة سنة (2004م) .

انتقاء: د. مصطفى عكلي.

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق