مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

معارضة خبر الآحاد لعمل أهل المدينة وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء 8

الدكتور عبد الحق يدير

أستاذ التعليم العالي كلية الآداب و العلوم الانسانية فاس سايس

 

ب- ابن حزم الظاهري وعمل أهل المدينة: يعتبر ابن حزم من أشد المعارضين للمالكية في قولهم بعمل أهل المدينة وتقديمه على خبر الآحاد، وفي قولهم - بزعمه -  لا يجوز العمل بالخبر حتى يصحبه عمل أهل المدينة.

يقول في مناظرته لهم: أللعمل أول أم لا أول له ؟ فإن قال: لا أول له جاهر بالكذب ، ولحق بالدهرية. وإن قال: له أول، قيل له : يجب على قولك أن ذلك العمل الأول باطل ، لا يجوز اتباعه، لأنه ابتدئ فيه بعمل بخبر لم يعمل به قبل ذلك، والخبر في زعمكم- لا يجوز اتباعه حتى يعمل به، فهذا العمل قد وقع قبل أن يعمل بالخبر فهو باطل على حكمكم الفاسد .

ويقال لهم أيضا: أرأيتم الخبر المسند الصحيح قبل أن يعمل به أحق هو أم باطل؟

فإن قالوا: حق فسواء عمل به أم لم يعمل به، لا يزيد الحق درجة في أنه حق أن يعمل به، ولا يبطله أن يترك العمل به، ولو أن أهل الأرض كلهم أطبقوا على معصية محمد صلى الله عليه وسلم ما كان ذلك مسقطا لوجوب طاعته وما كان ذلك مبطلا لصحة قوله.

وإن قالوا: الخبر باطل قبل العمل به، فالباطل لا يحققه العمل به، ولا يزيد الله العمل بالباطل إلا ضلالا وخزيا، فثبت بالبرهان الضروري أن لا معنى للعمل، ولا ينبغي أن يلتفت إليه، ولا يعبأ به... ثم نقول لهم: متى أثبت الله العمل بالخبر الصحيح، أقبل أن يعمل به أو بعد أن يعمل به؟  فإن قالوا: قبل أن يعمل به فهو قولنا ، وإن قالوا بعد أن يعمل به لزمهم أن العاملين شرعوا تلك الشريعة وهذا كفر من قائله، ولم يبق لهم إلا أن يقولوا : لما ترك العمل  بالخبر علمنا أنه منسوخ وهذا هو باب الإلهام الذي ادعته الروافض لأنفسها لأنه قول بلا برهان"[1].

    3- الإمام السرخسي وعمل أهل المدينة: انتقد الإمام السرخسي عمل أهل المدينة ولم يقبل اعتباره أصلا يرجع إليه في استنباط الأحكام الشرعية بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصرحا بأن هذا العمل إن كان (مراد القائل أهلها الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا ينازع فيه أحد، وإن كان المراد أهلها في كل عصر فهو قول باطل، لأنه ليس في بقعة من البقاع اليوم في دار الإسلام قوم هم أقل علما، وأظهر جهلا، وأبعد عن أسباب الخير من الذين هم بالمدينة، فكيف يستجاز القول بأنه لا إجماع في أحكام الدين إلا إجماعهم. والمراد بالآثار حال المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت الهجرة فريضة، وكان المسلمون يجتمعون فيها، وأهل الخبث والردة لا يقرون فيها"[2].

 

أثر رواية الحديث في اختلاف الفقهاء، للدكتور عبد الحق يدير، سلسلة أطروحات وأعمال رقم 17، طبعة 2011م، المملكة المغربية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس-فاس. ص333 وما يليها.

 


[1] - انظر الإحكام: 1/2/97-99.

[2] - أنظر أصول السرخسي 1/314.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق