مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

مصطلح الزهد

الزهد في اللغة:

الزهد والزهادة في الدنيا ولا يقال الزهد إلا في الدين خاصة، والزهد ضد الرغبة والحرص على الدنيا، والزهادة في الأشياء كلها ضد الرغبة .

والتزهيد في الشيء وعن الشيء: خلاف الترغيب فيه. وزهده في الأمر: رغبه عنه. يقال زهد في الشيء وعن الشيء. وفلان يتزهد أي يتعبد، وقوله عز وجل: ﴿  وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾[1]، قال ثعلب: اشتروه على زهد  فيه. والزهيد: الحقير. وعطاء زهيد: قليل. وازدهد العطاء: استقله. ابن السكيت: يقولون فلان يزدهد عطاء من أعطاه أي يعده زهيدا قليلا.[2]

الزهد في القرآن الكريم: 

ورد مفهوم الزهد في القرآن الكريم من خلال الترغيب في الآخرة والتزهيد في الدنيا، فهي دار الفناء وما عند الله خير وأبقى، ومن هذه الآيات:

قوله تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾[3].

وقوله عز من قائل: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ ﴾[4].

 وفي قوله سبحانه: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾[5].

وقوله تعالى: ﴿  قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾[6].

وقوله عز وجل: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾[7].

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾[8].

فهذه الآيات الكريمة تؤكد على أن متاع الدنيا من الأموال والبنين وغيره متاع زائل، وأن ما عند الله عز وجل هو الأبقى، فما رزقنا الله سبحانه وتعالى من النعم، يجب أن نجعله مطية لامتثال الأمر الإلهي بالخلافة في الأرض، وتحقيق العبادة.

الزهد في الحديث النبوي الشريف:

عن أبي خلاد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إذا رأيتم الرجل قد أعطي زهدا في الدنيا، وقلة منطق، فاقتربوا منه، فإنه يلقي الحكمة.”[9]

فمن علامات الحكمة أن يكون العبد زاهدا في الدنيا راغبا عنها بما في ذلك كثرة الكلام، وفي  الحديث أيضا الحث على الاقتراب من هؤلاء ومصاحبتهم لنيل الفائدة من حكمهم، فهم أناس عرفوا بأن الزهد في الدنيا موجب لمحبة الله عز وجل، فقد جاء عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال : “أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس”.[10]

ومن الأحاديث التي توحي بمعنى الزهد من خلال استصغار الدنيا واحتقارها، وإجلال الآخرة وتعظيمها ما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال : ” كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل”[11].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر”[12].

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى جعل الدنيا كلها قليلا، وما بقي منها إلا القليل، ومثل ما بقي منها كالثغب يعني الغدير، شرب صفوه، وبقي كدره”[13]. فعلى الفرد المؤمن أن لا يستبدل ما أعده الله له في الآخرة من الخلود في النعم بمتاع الدنيا الزائف الزائل، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بشر أمتي بالسناء والرفعة والتمكين في البلاد، ما لم يطلبوا الدنيا بعمل الآخرة، فمن طلب الدنيا بعمل الآخرة لم يكن له في الآخرة نصيب.”[14]

 وقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم مفهوم الزهد، إذ ليس من الضروري العزوف عن الدنيا وعدم السعي والتماس الفقر، وإنما الفقر افتقار لله عز وجل والغنى غنى به سبحانه، فعن أبي ذر الغفاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا في إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق منك بما في يدي الله، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها، لو أنه أبقيت لك “[15].

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وكذلك سار الصحابة رضي الله عنهم على هديه، فكانت سمتهم التي لا تفارقهم، إذ بالإضافة إلى كثرة الصيام والصلاة والعكوف على أركان الدين، لابد للقلب أن يكون متعلقا بالله عز وجل في السكون والحركة، ومن كان كذلك لم تكن الدنيا همه وإنما همه كيف المثول بين يدي الله عز وجل، فعن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: أنتم أكثر صلاة وأكثر صياما من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وهم كانوا خيرا منكم قالوا: و بم ؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا و أرغب منكم في الآخرة .”[16]

فالزهد لا يعني بحال من الأحوال العزوف عن ما متعنا الله به سبحانه من النعم، إذ العمل والكسب الحلال والسعي وراء العيش الكريم عبادة على أن يوافقه التوكل على الله والرضى بقسمته وقضاءه، كما لا يجب أن يكون للعبد تعلق بالدنيا، وإنما التوحيد يقتضي في الأصل ألا تشرك شيئا من الهوى أو حب الدنيا في محبة الله عز وجل، فإذا ولج حب الدنيا والتعلق بها قلب العبد كان سببا لبعده عن محبة الله عز وجل، فإذا كانت الدنيا في يد العبد وسخرها للتقرب إلى الله بشتى العبادات، كانت له مطية لنيل الحظوة والمكانة الخاصة عند رب العزة.

أقوال الصوفية في الزهد:

لقد حدد الصوفية رضوان الله عليهم للزهد موجبات حتى يصبح مقاما يبلغه العبد، بحيث يبدأ بالعزوف عن الدنيا ـ وهي وسيلة وليست غاية في حد ذاتها ـ حتى يستوي لديه إقبالها أو إدبارها. وخاتمته الاستيحاش من الخلق والاستئناس بالخالق الذي بيده مفاتيح السموات والأرض، وفي هذا المعنى تندرج تعريفات الصوفية للزهد، إذ يقول القاشاني: “وصورته في البدايات : ترك الشواغل وقطع العلاقات، ورفع العوائق

وأصله في الأبواب : إسقاط الرغبة بالشيء بالكلية .

ودرجته في المعاملات: الزهد في الفضول، والاختصار على الحقوق ليتفرغ إلى عمارة الوقت بالحضور وقطع الاضطراب في التوجه.

وفي الأخلاق: التجرد عن الميل إلى الفاني ليتعود بالإيثار ويتحرز عن وصمة الشح ورق الكون، ليكون من الأحرار.

وفي الأصول: تنحية ما دون الحق عن طريق القصد، ولزوم الفقر لغنى القلب بالحق (…)

وفي الولايات: الاستيحاش عما يطلق عليه اسم الغير، والاسترواح إلى من يرى منه كل خير.”[17]

 ويعرفه سيدي ابن عجيبة بقوله: الزهد: خلو القلب من التعلق بغير الرب. أو برودة الدنيا من القلب، وعزوف النفس عنها . فزهد العامة ترك ما فضل عن الحاجة في كل شيء. وزهد الخاصة ترك ما يشغل عن التقرب إلى الله في كل حال. وزهد خاصة الخاصة ترك النظر إلى ما سوى الله في جميع الأوقات. وحاصل الجميع برودة القلب عن السوى، وعن الرغبة في غير الحبيب وهو سبب المحبة كما قال عليه السلام: ” ازهد في الدنيا يحبك الله “…وهو سبب السير والوصول إذ لا سير للقلب إذا تعلق بشيء سوى المحبوب.”[18]

وقال الجنيد: ” الزهد خلو القلب عما خلت منه اليد “[19]

وقال عبد الله بن المبارك: الزهد هو الثقة بالله تعالى مع حب الفقر”[20]

وقال بشر الحافي: “الزهد ملك لا يسكن إلا في قلب مخلى”[21].

وقال أحمد بن حنبل : ” الزهد على ثلاثة أوجه :

ترك الحرام : وهو زهد العوام .

والثاني:  ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص

والثالث: ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى وهو زهد العارفين”.[22]

وقال الفضيل بن عياض: “جعل الله الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت، وجعل مفتاحه الزهد “[23].

ويقول صاحب اللمع: “والزهد مقام شريف، وهو أساس الأحوال الرضية والمراتب السنية، وهو أول قدم القاصدين على الله عز وجل، والمنقطعين إلى الله، والراضين عن الله، والمتوكلين على الله تعالى، فمن لم يحكم أساسه في الزهد لم يصح له شيء مما بعده، لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، والزهد في الدنيا رأس كل خير وطاعة”.[24]

الهوامش:


[1]  ـ سورة يوسف، الآية 20

[2]  ـ لسان العرب، مادة زهد

[3]  ـ سورة الحديد، الآية 20

[4]  ـ سورة آل عمران، الآية 14

[5]  ـ سورة الشورى، الآية 20

[6] ـ  سورة النساء، الآية 77

[7]  ـ سورة  الأعلى، الآية 16ـ 17

[8] ـ سورة القصص، الآية 77.

[9]  ـ سنن ابن ماجة، كتاب الزهد، باب الزهد في الدنيا، رقم 4101.

[10]  ـ سنن ابن ماجة، كتاب الزهد، باب الزهد في الدنيا، رقم 4102

[11]  ـ صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “كن في الدنيا كأنك غريب”، رقم 6416.

[12]  ـ  صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق،  رقم 2956.

[13]  ـ المستدرك على الصحيحين، كتاب الرقاق، رقم 7904.

[14]  ـ المستدرك على الصحيحين ، كتاب الرقاق ، رقم 7895.

[15]  ـ سنن ابن ماجة، كتاب الزهد، باب الزهد في الدنيا، رقم 4100

[16] ـ المستدرك على الصحيحين،كتاب الرقاق، رقم : 7880.

[17]  ـ معجم اصطلاحات الصوفية، ص.104

[18]  ـ معراج التشوف إلى حقائق التصوف، ص.30

[19]  ـ نفسه، ص. 401

[20]  ـ نفسه، ص . 402

[21] ـ نفسه، ص.403

[22]  ـالرسالة القشيرية، ج1، ص404

[23]  ـ نفسه، ص404

[24]  ـ اللمع، ص. 73

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق