الرابطة المحمدية للعلماء

مراكز البحوث في المغرب: الأهمية والدور..

د.مالكي: البحث العلمي لم يتطور ويستقم إلا حين تحول إلى عمل جماعي متكامل ومندمج

استضاف موقع الرابطة المحمدية للعلماء في حواره الحي (يوم 16 أبريل 2009) الدكتور امحمد مالكي، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق جامعة القاضي عياض، ورئيس مركز الدراسات السياسية والدستورية، ليجيب على مختلف أسئلة زوار الموقع فيما يتصل بموضوع “مراكز البحوث في المغرب: الأهمية والدور“..

وقد انصبت الأسئلة بوجه خاص على واقع مراكز البحوث والدراسات في المغرب، وعن أهم أدوارها ووظائفها، ومدى فاعليتها وتفاعلها مع الطلبة الباحثين، وكذا مسألة التمويل، إلى جانب التساؤل عن أسباب غياب روح الفريق وما يقتضيه البحث العلمي من عمل جماعي وبناء مؤسسي، فضلا عن الاستفسار عن أهم آليات تطوير وتفعيل عمل هذه المراكز.

فبالنسبة لواقع مراكز البحوث في المغرب أوضح الأستاذ مالكي أنه خلال فترة الاستعمار”لم تكن هناك مراكز بحثية وطنية مستقلة لأن واقع الاحتلال لم يكن يسمح بذلك، غير أن الاستعمار أنشأ بعض المراكز لتطوير أبحاثه ومعارفه في بعض القضايا التي كانت تندرج ضمن إستراتيجيته الاستعمارية، (على غرار) مركز الأبحاث الخاص بالدراسات البربرية(الأمازيغية) في الرباط”.غير أن بعد الاستقلال وفي سياق إعادة بناء الدولة الوطنية شرعت الدولة في إحداث مراكز للبحوث..
ويلاحظ الضيف أن وثيرة تأسيس وإحداث مراكز البحوث سواء التابعة للدولة أو المستقلة قد تنامت وتزايدت خلال الربع الأخير من القرن الماضي والسنوات الأولى من هذه الألفية..

وللتدليل على ذلك، يستحضر القانون الجديد المنظم للجامعات رقم 00.01 الذي جعل من ضمن أولوياته إعادة هيكلة البحث العلمي بالتحفيز على إحداث فرق البحث ومجموعات البحث ومختبرات البحث ومراكز البحوث، وأيضا سعيه إلى تخصيص اعتمادات مالية سنوية.

غير أن الأستاذ امحمد مالكي يسجل الخصاص البين لهذه المراكز فيما يتصل بقطاع الترجمة على ما يكتسيه من أهمية قصوى، وفي هذا السياق يقول: ” المتابع للشأن المغربي سيلاحظ دون شك أن هناك ثغرة كبيرة في هذا المجال. ففي حدود معرفتي إذا استثنينا “جمعية المترجمين الفوريين المغاربة” لا توجد مراكز خاصة بالترجمة، ولا منظمات خاصة بهذا الأمر. وحتى في الجامعات الاهتمام بالترجمة كعلم وكحقل معرفي ضعيف، مع الإشارة إلى وجود مؤسسة عليا للترجمة بمدينة طنجة تؤهل المترجمين وتكونهم للولوج إلى هذا المجال العلمي والمعرفي الكبير”.

وبخصوص التفاعل بين طلبة العلم وهذه المراكز أبرز الضيف الكريم كيف أن القانون الجديد المنظم للجامعات شدد على هذه المسألة وذلك “بربط التسجيل في الدكتوراه وإنجازها بالانخراط في مختبرات البحث ومراكز البحوث، مما يعني أن الطالب المعد للدكتوراه عليه،وفقا لإحدى مقتضيات هذا القانون، أن يقضي من جهة قرابة 250 ساعة في إحدى مراكز البحوث، وأن ينجز بحثه مع مؤطر منتسب لإحدى هذه المراكز، وأن يشارك فيما بعد في عضوية مناقشة أطروحته أساتذة ينتسبون لإحدى مراكز البحث”.

أما عن دور هذه المراكز فقد أكد الضيف أنها “تلعب من الناحية المبدئية أدوارا أساسية في نشر الوعي، وتنمية المعارف، وإذكاء جذوة العقل.” مضيفا أن أهم الوظائف المطلوبة منها تتمثل في “صياغة ثقافة الناس ووعيهم في الاتجاه الإيجابي لما يخدم مصالحهم.” مشددا في الوقت نفسه على أن “المعرفة وفق هذا التحديد تستلزم من ضمن ما تستلزمه أن تكون مستقلة بذاتها؛ بمعنى أن يكون المنتجون للمعرفة قادرين على الاستقلال بتفكيرهم وبنشاطهم المعرفي عن أية جهة من جهات الضغط.” مؤكدا “أن البلاد التي ازدهرت فيها المعرفة والعلم والاجتهاد هي تلك التي استطاع علماؤها، منتجوا معارفها، المحافظة على استقلاليتهم.” لأن” الاستقلالية تمنح المشتغلين في هذه المراكز القدرة على الاجتهاد وعلى التطوير، وعلى التراكم.”

غير انه شدد على أهمية أن تكون لدى منتجي المعارف في كنف هذه المراكز “استراتيجية واضحة الأهداف والمقاصد، وأن يمتلكوا آليات عقلانية للتدرج في إنجاز هذه الاستراتيجية، وأن يمتلكوا في الوقت ذاته حس العمل الجماعي المبني على الحوار وعلى الاجتهاد وعلى التقييم والتقويم..”

وهو الحس الذي لم يتردد الأستاذ مالكي في التنبيه إلى ضعفه بل وغيابه؛ “فروح الفريق، يقول، محدودة جدا، ومنعدمة أحيانا. والحال أن البحث العلمي منذ عقود من الزمن لم يتطور ويستقم إلا حين تحول من مجهودات فردية إلى عمل جماعي متكامل ومندمج.”

وهو ما يفسره “بعوامل تاريخية وثقافية وذهنية؛ فتاريخيا ظلت المجهودات الفردية هي الغالبة في تاريخنا المعرفي والثقافي، ولم نراكم ممارسة العمل المعرفي الجماعي.” في حين أن “البحث العلمي لا يتطور إلا في إطار المؤسسات. وهذا ما نلاحظه في مجمل الدول التي تتصدر اليوم سلم المعرفة في العالم”.
ومن أهم الآليات التي يؤكد الأستاذ مالكي على نجاعتها في تطوير مراكز البحوث في العالم العربي والإسلامي، آليتين اثنتين: “تتعلق الأولى بالمواءمة بين أولويات مؤسسات العمل العربي والإسلامي المشترك كالمنظمة للتربية والثقافة والعلوم(الإيسيسكو)، والمنظمة العربية للثقافة والعلوم(الإليسكو)، لأن هذه المواءمة إن تحققت، ستسمح..بتطوير رؤية ونظرة هاتين المؤسستين لأولوياتها.
أما الآلية الثانية، فتخص التنسيق بين مراكز البحوث بين هاذين الفضاءين..”

 خاصة أنه “أصبح من الممكن جدا، مع الثورة الرقمية، توفير هذه الآلية عبر “التشبيك”؛ أي الدخول في شبكة من العلاقات البحثية بين هذه المراكز، لتجنب تكرار المجهودات، وتحقيق تكامل أفضل بينها.”
أما بخصوص التمويل فمع وعي الضيف أنه يشكل “مفتاح البحث، وبدونه يتعذر على جمهور الباحثين من مختلف مواقعهم إنجاز المطلوب منهم”. إلا أنه يميز بين ضربين من التمويل؛ تمويل مغرض ومشروط ، وتمويل غير مشروط ولا يتعارض مع الأولويات والاختيارات والمصالح الوطنية..بحيث إذا كان التمويل “مندرجا ضمن شراكات علمية متوافق حولها، تأخذ بعين الاعتبار أولويات الأطراف الموقعة عليها” فإن الأستاذ مالكي لا يرى فيه أي ضرر. لكن “إذا كان التمويل مندرجا ضمن أولويات الطرف المانح (وأحيانا أولويات إيديولوجية وسياسية)”  فإنه لا يتردد في الاعتراض على هذا النوع من التمويل لأسباب موضوعية، “من أهمها أنه يؤثر ويضر بالاستقلالية العلمية المطلوبة، ويمس بالانتماء الوطني”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق