محور الرباط – دكار… إرادة مشتركة لانبعاث نمط نموذجي للتعاون جنوب-جنوب
مما لا شك فيه أن الزيارة الملكية التي قام بها جلالة الملك محمد السادس في مارس الماضي لدكار، والزيارة التي استهلها الرئيس السنغالي ماكي سال، أمس الخميس للرباط، ستبثان دينامية جديدة في العلاقات المغربية السنغالية الممتازة وستعطيان المزيد من الدفع لهذه الإرادة المشتركة لانبعاث نمط نموذجي للتعاون جنوب-جنوب.
ويعد محور الرباط - دكار، الذي أضحى من الآن فصاعدا نموذجا رائدا للتعاون جنوب-جنوب، بالمزيد من الإشعاع والمبادرات الفعلية والمتعددة الأشكال لإعطاء نموذج إفريقيا جديدة تتطلع لتأليف جهودها من أجل التنمية والاندماج.
وتماشيا مع الإرادة المشتركة للمضي قدما في هذه العلاقات العريقة والمميزة التي تجمع قائدي البلدين منذ فجر الاستقلال، قام جلالة الملك محمد السادس سنة 2001 بزيارة أولى للسنغال.
وخولت هذه الزيارة حينها إعطاء دفعة قوية ومضمون حقيقي لعلاقات التعاون في المجالات التنموية ذات الأولوية بين البلدين كالفلاحة والصيد البحري والتعليم والتكوين والصحة وتدبير المياه والري والاتصالات والتهيئة الحضرية والنقل الجوي والبنيات التحتية الأساسية.
وتوالت منذ ذلك الحين زيارات جلالة الملك للسنغال كدلائل إضافية على الرغبة الأكيدة في إعطاء دينامية متجددة لهذه العلاقات الأخوية التي ما فتئ جلالته يوليها للنهوض بعلاقات المغرب مع هذا البلد.
ففي 14 نونبر 2006، قام جلالة الملك بزيارة عمل للسنغال هي الرابعة في غضون خمس سنوات وتميزت بالتوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات الاستثمار والمساعدة التقنية في قطاعات تقنين وتنظيم قطاع البناء والأشغال العمومية والوقاية المدنية والنقل الجوي.
ومنذ تولي الرئيس السنغالي الجديد ماكي سال السلطة سنة 2012، عاد تعزيز العلاقات بين المغرب والسنغال إلى الواجهة.
وكان جلالة الملك قد أكد في برقية بعث بها للرئيس سال في 26 مارس 2012 لدى انتخابه رئيسا للسنغال "ارتياحه لعلاقات الأخوة الإفريقية الممتازة? والتعاون المثمر الذي يربط البلدين"? مؤكدا عزم جلالته على العمل? "من أجل تعزيز هذه العلاقات وتنويعها بشكل أفضل في إطار شراكة استراتيجية سياسية واقتصادية قوية ومتجددة? وتعاون جنوب-جنوب نشيط ومتضامن لما فيه خير الشعبين الشقيقين وصالح تنمية القارة الإفريقية".
ومن جهة أخرى، شكل الدعم السنغالي لقضية الوحدة الترابية للمملكة على الدوام قناعة راسخة لدى الدبلوماسية السنغالية. وقد جدد الريس الجديد للدبلوماسية السنغالية أليون بادارا سيسي التأكيد على هذا الموقف خلال زيارته الرسمية الأولى للمغرب مؤخرا? قائلا "إن السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية لا يمكن الجدال فيها. إنه موقف محسوم فيه بشكل دائم".
وقد أعرب المغرب والسنغال عن إصرارهما على العمل على تنويع علاقات التعاون الثنائي وتوسيعه وذلك بمناسبة انعقاد الدورة ال 14 للجنة المختلطة المغربية السنغالية للتعاون المنعقد مؤخرا في دكار.
وفي هذا السياق، دعا البلدان إلى تعزيز وتقوية العلاقات الثنائية بهدف الاستجابة للطموحات المشتركة وتوفير شروط إقامة نموذج للشراكة بين البلدان الإفريقية من خلال العمل على تطوير آليات هذه العلاقات وتجديد المقاربات وتنويع المتدخلين.
وعلى الصعيد الاقتصادي والتجاري شهدت علاقات البلدين في ظرف وجيز قفزة نوعية إذ ارتفعت وتيرة المبادلات والاستثمارات منذ سنة 2000، حيث انتقلت المبادلات التجارية من 6 ملايين دولار سنة 1999 إلى 52 مليون دولار سنة 2005.
يذكر أنه سنة 1964 تم التوقيع على اتفاقية يتم بموجبها معاملة المؤسسات المغربية والسنغالية في كلا البلدين بالمثل? ومنذ ذلك التاريخ وقع البلدان 60 اتفاقا ومعاهدة تجارية? من أجل تسهيل التدفقات التجارية والاقتصادية والاستثمارات بين البلدين. وإضافة لهذه الاتفاقيات، هناك أيضا آلية مجلس الأعمال المغربي السنغالي الذي يضم رجال الأعمال من كلا البلدين.
وتعد قطاعات الفلاحة والسياحة والبناء والأشغال العمومية والهندسة المدنية والتكنولوجيات الجديدة قطاعات واعدة في التعاون والاستثمارات بين البلدين. وانعكست متانة العلاقات السياسية إيجابا على قطاع الاستثمارات والتي بدأها القطاع العام المغربي في السنغال ويواصلها حاليا القطاع الخاص.
وبالفعل، تحضر الخبرة المغربية في عدد من القطاعات الاقتصادية السنغالية كالبناء والأشغال العمومية والصناعة الصيدلية والكهرباء. ومنذ سنة 2005، انضاف القطاع البنكي المغربي بقوة إلى هذه الدينامية الاستثمارية في السنغال.
وفي هذا السياق، يبرز الوسام الذي حصل عليه مؤخرا الرئيس المدير العام لمجموعة التجاري وفابنك محمد الكتاني من لدن الرئيس ماكي سال دليلا على نجاح هذه المجموعة في السوق السنغالي? والتي أنشأت في العام 2008 فرعا محليا تابعا لها بعد اندماج بين البنك السنغالي (المجموعة البنكية لإفريقيا الغربية) والفرع المغربي (التجاري وفابنك السنغال)? لتصبح أول مجموعة بنكية في السنغال ونموذجا ناجحا في منطقة غرب إفريقيا.