مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويأعلام

محمد بن عمرو اللمطي الأسريري

 من أهل القرن (6هـ/12م)

 
 هو العالم الجليل، والولي الصالح محمد بن عمرو اللمطي الأسريري(1)، المكنى بأبي عبد الله، والملقب بـ «بدر الدين»(2).وفي خلال جزولة: «محمد بن عمر الأسريري شريف من أولاد محمد بن عبد الله الثائر على أبي جعفر المنصور، ويلقب عندهم بالنفس الزكية»(3).

وأسرة آل عمرو هذه بكرية عند بعض النسابين، وعلوية عند آخرين، وفي ذلك يقول المختار السوسي: «رأيت مشجر أنساب الأسرة فوجدته مبتورا فمما استفدته منه أن محمد بن عمرو هو محمد بن عمرو بن عثمان بن سعيد بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد ثم ذكر أن النسب مرفوع إلى أبي بكر الصديق»(4).

وقال أيضا: «ثم إنه يجب أن يتنبه إلى أن هناك نسبا آخر لسيدي محمد بن عمرو يوجد عند أهل «تاغلولو» يرفع إلى علي بن أبي طالب وهكذا يساق في مشجرهم: محمد بن عمرو بن زيد بن الحسن بن علي بن محمد بن أبي القاسم بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب»(5).

وبعد ذكره لهذين النسبين رجح النسب الأول بقوله: « والغالب ـ والله أعلم ـ أن محمد بن عمرو عند هؤلاء ليس هو الأسريري، وإنما وقع الاسم على الاسم كما يقع الحافر على الحافر لأن ما عند الأسرة الأسريرية ـ وهو ما تقدم ـ هو الراجح لأن كل قوم أدرى بنسبهم»(6).

وأسرة آل عمرو لها صلة بأسرة إعزى ويهدى البكرية الصديقية، وبهذا الصدد يقول المختار السوسي: «كما توجد ظهائر سعدية وأخرى علوية متعددة تتبع كل الملوك العلويينفي احترام هذه الأسرة الشريفة التي تمت بصلة إلى أسرة أخرى موفرة في سوس هي أسرة إعزَّى ويهدى البكرية الصديقية»(7).

والنسبة إلى لَمْطَة وهي «نول لمطة» من بلاد السوس الأقصى بالمغرب، بينها وبين وادي السوس الأقصى ثلاث مراحل، ومنها إلى البحر ثلاثة أيام، وبينها وبين سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة وفيها جزولة ولمطة. ومدينة نول إحدى مدن الإسلام، وهي مدينة كبيرة في أول الصحراء على نهر كبير يصب في البحر المحيط، وعليه قبائل لمطة ولمتونة، ومن مدينة نول إلى وادي درعة نحو ثلاث مراحل، وإنما سميت نول لمطة لأن قبيل لمطة يسكنونها، وماؤها جار، وهي آخر بلاد السوس، وببلادهم  يكون اللمط الذي تعمل من جلوده الدرق فلا شيء أبدع منها ولا أصلب ظهراً، وبها يقاتل أهل المغرب لحصانتها وخفة محملها، وتصنع بهذه المدينة السروج وأقتاب الإبل، وتباع بها الأكسية السفسارية والبرانس التي يباع الواحد منها بخمسين ديناراً، والبقر والغنم عندهم كثيرة، والألبان والسمن، وإليها يلجأ أهل تلك الجهات في مهم حوائجهم. وهذا الحيوان  المسمى باللمط دابة دون البقر لها قرون رقاق حادة تكون لذكرانها وإناثها، وكلما كبر هذا الحيوان طال قرنه حتى يكون أزيد من أربعة أشبار، وأجود الدرق وأغلاها ثمناً ما عمل من جلود الإناث المسنات التي قد طالت قرونها لكبر سنها حتى منعت الفحل أن يعلوها(8).

تؤكد التحريات الميدانية التي قام بها العسكريون الفرنسيون خلال النصف الأول من هذا القرن على أن مآثر نول لمطة (مدينة لمطاطة) يرقد جزء منها تحت أنقاض أسرير و«تيشيشت» بتغمرت المجاورة.

‏وبالرغم من أننا نجهل تاريخ بناء مدينة نول المنصوص عليها في مدونات الجغرافيين العرب، إلا أنها تبدو مرتبطة ‏بأهمية نظام السقي، إذ إن أسلوب التحكم في المياه عبر الخطارات يربط زراعة هذه المناطق الشبه الصحرارية ‏باستيطان الفينيقيين. هذا الاحتمال يقتضي الحديث عن أساليب التحكم الفينيقية واستعراض العناصر المكونة بين «تغمرت» و«أسرير» و«وعرون» و«تكاوصت» و«تسكنان» لشبكة تقليدية من حجم كبير جدا. وما من شك في أنه باستطاعة البحث الميداني والتنقيب أن يجيب على هذه الاحتمالات.

لقد تجلت مدينة نول لمطة خلال العصر الوسيط من بين أهم مدن ضفة الصحراء الشمالية، وقد بلغت ازدهارا كبيرا مع وصول المرابطين إليها. هذا ما يؤكده تأسيس معمل سك الدينار المرابطي الذي جعل من نول ثالثة مدينة بعد سجلماسة وفاس من حيث عدد الدنانير الموجودة حاليا بمتاحف باريس ولندن والجزائر والرباط.

والنسبة إلى أسرير وهي مدشر على بعد حوالي عشرة كلمترات من مدينة كلميم جنوب الأطلس الصغير، وعاصمة المداشر الأثرية القديمة. وتفيد الكلمة السهل الذي ‏يتوسط مجموعة هضاب أو الملازم لواد كبير الحجم. إلا أن اسم الموقع هذا يخالف هيئة المدشر الممتد على أسفل الهضاب الوازية لواركَ النون أحد أكبر روافد وادي نون. إذا كان أسرير غير محاط بسور فذلك يجسد مجموعة قصبات صغيرة تتميز كل واحدة بحجم سورها وباستقلالية مسجدها. ولعل أقدم هذه القصبات بالترتيب قصبة أمازيغ وقصبة أيت بلقاسم ثم قصبتا أيت مسعود(9).

لقد أغفلت مصادر ترجمته ذكر مولده ونشأته، وبداية تعليمه وعلى يد من كان ذلك، مع ما وصف به من جلالة قدر، إلا أن بعضها أشار إلى أنه عاش في القرن السادس الهجري(10).

كما صمتت مصادر ترجمته عن ذكر أحواله العائلية (زواجه، وأولاده، …)، باستثناء إشارات توحي بأنه أنجب أسرة علمية لا يزال بعض أفرادها(11)، وإلى أن أبناءه فرعين: أحدهما في أسرير، وفرع في كلميم(12) دون ذكر لأسمائهم. إلى جانب هذين الفرعين ذكر المختار السوسي في كتابه «إيليغ قديما وحديثا» إلى وجود أحفاده بمناطق أخرى بقوله: «وكأحفاد سيدي محمد بن عمرو الأسريري المنبثين في تاغلولو بمجاط، وفي أغبالو بماسة، وفي ادا وتنان، واوكدمت في جبل درن»(13).

إلى جانب هذا ذكر المختار السوسي مجموعة علماء أسرة آل عمرو بقوله: «وأما علماء الأسرة فلم أستطع أن أتوصل إلا إلى قليلين منهم في الأجيال القريبة»(14).

وبالنسبة لمشيخته ـ رحمه الله ـ فقد أخذ العلم عن عدد من شيوخ بلده، حيث أجيز من أشياخه بإجازات(15).فمن شيوخه عثمان بن سعيد المذكور في سلسلة النسب حيث وصفه المترجم بأنه الشيخ المجاهد(16).

وأثنى عليه العلماء ثناء عَطِراً، دالاًّ على مبلغ علمه وتمكنه فيه، جعل ذلك الزيات يصفه بقوله: «كان من أهل الفضل والدين، وكان إذا دخل شهر رمضان سد عليه بابه، وختم القرآن العظيم كل ليلة فيأتيه أهل الجهة فيصلون بصلاته»(17).

كما وصفه الحضيكي بقوله: «الإمام القدوة المتبرك به حياً وميتاً. كان ـ رضي الله عنه ـ من أولياء الله المشهورين، وعباده المتقين، يزوره الناس ويقصدونه من كل جهة وأماكن بعيدة، ويجدون لزيارته بركة عظيمة وقضاء الحوائج وإجابة الدعاء عنده. وقد زرناه ثم قصدناه لصرف شدة، وإطفاء نار فتنة، فصرفها الله تعالى بمنه وكرمه وفضله في الحين»(18).

ثم يقول: «كان ـ رضي الله عنه ـ إماماً وقدوةً عابداً ناسكاً، من أكابر الأولياء والعباد، وأفراد الأفراد، شهير الكرامة والبركة، يقصد من بعيد البلاد للتبرك به حياً وميتاً. زرناه وشاهدنا له كرامة عظيمة، وذلك أن قبائل تلك الناحية اجتمعوا عنده وقتئذ، فثارت الفتنة بينهم وحرش بعضهم وتحاقدوا، وتهيأوا للقتال، فقصدناه في الحين أن يصرف الله الفتنة ويطفئ نارها، فانطفأت في الحين، ورجعت كل قبيلة لبلدها بعدما أشرفوا على إشعال الحرب، ولو اشتعلت لأكلت من الناس ما لا يحصى عددا ومن الأموال كذلك»(19).

وقال عنه البعقيلي في مناقبه: «جاورت بالمدينة المذكورة نحو أربع سنين … وكنت أختلف إلى ضريح هذا الولي الصالح، فرأيت له بركة شاملة، وقد رأيت له الأنوار اللامعة، ولكن لا يعرف الرجال إلا الرجال، نفعنا الله ببركته»(20).

وتظهر مكانة الرجل أيضا في تحلية المختار السوسي له بقوله: «محمد بن عمرو اللمطي الأسريري الشهير من رجال التشوف، عالم كبير، ومن القراء المشهورين، ومن أعظم الصوفية، أنجب أسرة علمية لا يزال بعض أفرادها»(21).

ومن آثار الشيخ التي بقيت خالدة زاويته المسماة «زاوية أسرير» التي بناها بقرية بأسرير بنول لمطة على بعد حوالي عشرة ‏كيلومترات من مدينة كلميم جنوب الأطلس الصغير، التي تعتبر من أقدم المساجد ببلاد لمطة(22)، حيث لعبت دورا أساسيا في تفسير القرآن وتعليم أصول الدين(23). كما درس بها فقهاء من أسرة آل عمرو وغيرهم(24). وعرفت الزاوية نشاطا كبيرا خلال القرنين 9ـ10هـ/15ـ16م(25)، جراء توافد قبائل الصحراء؛ كل قبائل اتحادية تكنة، وخاصة اللف الشرقي أيت بلة، وسوس على الزاوية، ما جعلهم يقيمون عليها موسم تجاري سنوي(26).

وكانت قبائل منطقة واد نون والصحراء تقوم بتمويل هاته الزاوية بالمنتوجات الفلاحية بعد جمع المحاصيل إضافة إلى الهدايا من الماشية والصوف … لمساعدة الطلبة على حفظ القران وتحصيل العلوم الشرعية، إضافة إلى هبات ملكية كنوبة ماء اكلدان بساقية أسرير التي تعود إلى السلطان عبد الله ابن المولى إسماعيل كما هو مسجل في بعض الظهائر. إلا أنه في السنوات الأخيرة لوحظ تراجع هاته المدرسة وتراجع إشعاعها؛  نظرا لوفاة علمائها الأوائل، وهجرة أغلب أبنائها وتعاطي بعضهم للتجارة، والقضاء وغيرها من الوظائف، وهو ما خلف فراغا كبيرا وإهمالا حتى في بنياتها التحتية التي تآكلت.

لم تذكر مصادر ترجمته سنة وفاته إلى أنه ذكر أنه عاش في القرن السادس الهجري(27). ودفن داخل مقبرة أسرير بوادي نون، وبقيت زاويته بعد وفاته هناك، واتخِذ على قبره مشهد يزار ويقام عليه موسم سنوي كبير(28). رحمه الله رحمة واسعة.

 

 

إعداد: حسناء بوتوادي

 



 

 (1)انظر ترجمته في التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي (ص344)، ومناقب البعقيلي (ص32)، ووفيات الرسموكي (ص49)، وطبقات الحضيكي (1/318ـ319)، (2/79)، والمعسول (15/273ـ274)، وخلال جزولة (2/14)، ورجالات العلم العربي في سوس (ص4)، وإيليغ قديما وحديثا (ص37)،ومحمد البايك، (مادة أسرير)، معلمة المغرب (2/411ـ412)، والأولياء بمجال قبيلة أزوافيط (ص38ـ39).

 (2)المعسول (15/274).

 (3)خلال جزولة (2/14).

 (4)المعسول (15/274).

 (5)المرجع السابق (15/274).

(6) المرجع السابق (15/273ـ274).

 (7)المعسول (12/189).

 (8)الاستبصار في عجائب الأمصار، كاتب مراكشي، دار الشؤون الثقافية، بغداد، طبعة 1986م، (ص213ـ214)، والروض المعطار في خبر الأقطار، الحميري، تحقيق إحسان عباس، مؤسسة ناصر للثقافة، مطابع دار السراج، بيروت، الطبعة الثانية 1980م، (ص584).

 (9)محمد البايك، (مادة أسرير)، معلمة المغرب (2/409).

 (10)المعسول (15/274)، والأولياء بمجال قبيلة أزوافيط (ص38)، ومحمد البايك، (مادة أسرير)، معلمة المغرب (2/411).

 (11)رجالات العلم العربي في سوس (ص4).

 (12)المعسول (15/274)، ومحمد البايك، (مادة أسرير)، معلمة المغرب (2/411).

(13) (ص36ـ37).

 (14)انظر أسماءهم في المعسول (15/274ـ277).

 (15)المرجع السابق (15/274).

 (16)المرجع السابق (15/274).

 (17)التشوف (ص344).

 (18)طبقات الحضيكي (1/318ـ319).

 (19)طبقات الحضيكي (2/79).

 (20)كتاب مناقب البعقيلي (ص32).

 (21)رجالات العلم العربي في سوس (ص4).

 (22)محمد البايك، (مادة أسرير)، معلمة المغرب (2/411).

 (23)الأولياء بمجال قبيلة أزوافيط (ص39).

 (24)محمد البايك، (مادة أسرير)، معلمة المغرب (2/411).

 (25)المرجع السابق (2/411).

 (26)الأولياء بمجال قبيلة أزوافيط (ص39).

 (27)المعسول (15/274)، الأولياء بمجال قبيلة أزوافيط (ص38).

 (28)المعسول (15/274)، الأولياء بمجال قبيلة أزوافيط (ص38)، وهامش علامة نجمة في التشوف (ص344).

 
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق