مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

محمد بن الفاطمي بن الحاج السلمي تـ1413هـ

  هو المؤرخ الأديب الفقيه أبو عبد الله محمد بن الفاطمي السُّلَمي المِرْدَاسي الفاسي الشهير بابن الحاج، من بيت عريق في العلم والمعرفة، أصله من الأندلس وهاجر بعض أسلافه إلى فاس، وقد أنجب هذا البيت عددا كبيرا من الحفاظ المحدثين والفقهاء البارزين والأدباء المرموقين والمؤرخين المتميزين.

  ولد المترجم بمدينة فاس سنة(1343هـ)، ونشأ مترددا بين كتاتيبها وزواياها حتى حفظ القرآن وتعلم مبادئ العربية وجملة من العلوم، كما درس في مدرسة العدوة العربية الحرة، والتي خضعت لعدة تغييرات في مناهجها، حيث أُدرجت بها اللغة الفرنسية، ومن شيوخه بها: الفقيه الفاضل محمد بن عبد السلام اللجائي(ت1380هـ)، والفقيه الخير محمد بن إدريس بوغالب الجوطي(ت1369هـ)، والفقيه إدريس بن محمد البوزيدي الزرهوني(ت1348هـ)، وغيرهم.

  وبعد تخرجه من المدرسة الابتدائية يمَّم كلية القرويين، فانخرط في سلك نظامها سنة(1359هـ)، فدرس على علمائها المشهورين أمثال: الفقيه العلامة المشارك أبي الشتاء الصنهاجي(ت1365هـ)، الذي درس عليه بعض المختصر الخليلي بشرح الدردير، والتحفة بشرح التاودي بن سودة، والحاج العميد الأديب أحمد ابن شقرون(ت1421هـ)، درس عليه مقامات الحريري وديوان الحماسة، والفقيه الأصولي الحبيب بن أحمد المهاجي(ت1384هـ) درس عليه بعضا من تفسير البيضاوي، والشمائل المحمدية بشرح البيجوري، والقوانين الفقهية لابن جزي، والعلامة المشارك عبد العزيز بن العلامة المرحوم أحمد بن الخياط الزُّكاري(ت1394هـ) درس عليه الجوهر المكنون للأخضـري، وجزءا من الشرح المختصر على تلخيص المفتاح لسعد الدين التفتازاني، وغير هؤلاء من الأعلام.

  وهكذا تدرج المترجم في نظام الدراسة القروية إلى أن تخرّج منها عام(1368هـ)، عالما محصلا ذا ثقافة علمية واسعة، وذلك ما أهله لأن يلج سلك التدريس، فاشتغل معلما بالمدرسة الحسنية الابتدائية الحرة بسيدي سليمان، وانتقل منها إلى فاس، فدرّس بمدرسة النهضة الابتدائية الحرة بحي المخفية، كما مارس الإمامة بمسجد أبي مدين بحي الرميلة، وكرسي الوعظ بجامع الرصيف سنة(1369هـ)، وهي السنة التي عُيّن فيها أستاذا بجامع القرويين بالسلك الابتدائي، ثم رُقِّي فيما بعد إلى السلك الثانوي.

  وعندما أُحيل على التقاعد شغل نفسه بالتوثيق، ولما تم إحياء الكراسي العلمية بجامع القرويين أُسند إليه تدريس مادتي الفقه والنحو.

  هذا وكان للمترجم إسهام كبير في الحركة الوطنية المقاوِمة للاستعمار الفرنسي حيث كان ضمن الموقعين على عارضة المطالبة برجوع محمد الخامس رحمه الله، كل ذلك جعله يتبوأ مكانة رفيعة حظي بواسطتها بالاحترام والتَّجلة من قبل علماء عصره ومن بعدهم، كما تدل عليه عباراتهم في الثناء عليه، من ذلك قول الشيخ الحسن بن عمر الـمَزُّور(ت1376هـ) في إجازته المترجمَ:«الفقيه النبيه النزيه»، وقول الفقيه محمد بن العربي العلوي(ت1384هـ) في إجازة أخرى:«الأديب النجيب اللَّوذَعي الأريب الفقيه البحاثة والمدرس النَّفَّاعة»، ووصفه العلامة عبد الله كنون في تقديمه لكتاب «إسعاف الإخوان الراغبين» بالفقيه العالم المطلع البحاثة المتمكن النحرير الذي يفاخر بجدوده وموجوده.

  اهتم العلامة محمد بن الفاطمي بالأدب والتاريخ رغم مشاركته في غيرهما، وخلف فيهما إنتاجا علميا غزيرا، فمن مؤلفاته:«إتحاف ذوي العلم والرسوخ بتراجم من أخذت عنه من الشيوخ»، عبارة عن فهرس جامع لشيوخه، و«إسعاف الإخوان الراغبين بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين»، و«التحفة المسكية الغالية في رحلتي الأولى إلى البقاع الحجازية»، «واللآليء الغالية البهية في الأمثال العامية المغربية»، وغير ذلك من المؤلفات والمذكرات.

  وبعد حياة مليئة بالعطاء توفي يوم الأربعاء 8 شوال عام(1413هـ)، بمدينة الرباط إثر مرض ألم به، ونقل إلى فاس فدفن بها في اليوم الموالي رحمه الله رحمة واسعة.

  مصادر الترجمة: إتحاف ذوي العلم والرسوخ بتراجم من أخذت عنه من الشيوخ(ص216)، ومعلمة المغرب(10/3249).

إنجاز: د. جمال القديم

Science

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رحم الله العالم الفذ النحرير واسكنه فسيح الجنان ذلك هو مال هؤلاء العلماء الفحول يتركون اثارا يحمدوا عليها وهذه الاثار هي مصنفاتهم القيمة والنفيسة وفاس مهد العلم والعلماء النجباء

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق