مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

محمد بن التهامي الوزاني(ت1311هـ)

العالم الناسك، الفقيه الحجة العابد، العلامة المشارك، الفاسي دارا ومنشأ وقرارا، أصله من وزان، ولد حوالي سنة(1250هـ)، بمدينة فاس، وكانت وقتئذ تعج بالعلماء فأخذ عن نخبة من شيوخ القرويين، من جملتهم: أبو عبد الله محمد بن المدني كنون(ت1302هـ)، وأبو العباس أحمد بن أحمد بناني المدعو«كَلّا»(ت1306)، والعلامة محمد بن عبد الواحد ابن سودة المري(ت1299هـ)، والعلامة الحاج محمد الأكحل المقري المدعو الزمخشري(ت1285هـ)،وغيرهم من أشياخ فاس، وانتقل إلى الرباط فأخذ بها عن العلامة العربي ابن السائح الرباطي(ت1309هـ).

ولما تمكن من ناصية العلوم عقليها ونقليها، وغاص في مكنوناتها تصدى للتدريس، وبرز على الخصوص في علوم النحو والبيان والفقه والقراءات، يقررها أتم تقرير، ويحررها أحسن تحرير، حافظ للشواهد جمَّاع للنوادر، مطلع ماهر، يعقد في اليوم الواحد ثلاثة مجالس أو أكثر، مع ما أوتي من سهولة تعبير قل نظيرها، فلا يقوم الطالب من درسه إلا محصلا قواعد الفنون بشواهدها، وكان يأتي في مجالسه بحكايات يتسلى بها المحزون، وتذهب بالسآمة، وتصقل الأنظار، في غير إخلال بالمروءة ومكارم الأخلاق، والأدب، وعرف المترجم كذلك بكثرة تنسكه ومواظبته على الذكر والتلاوة والقيام، مع العفة والانقباض عن الدنيا وزهرتها، حيث ظل يسكن بيتا بالكراء؛ حتى خرج منها فقيرا مع تجمل ظاهره، وإظهار النعمة عليه، هذه الصفات جعلت الطلبة يحبونه ويقبلون على دروسه ويزاحمون على مجالسه ما لا يزاحمون على مجالس غيره، ونفع الله به وتخرّج على يديه جمٌّ غفيرٌ من الطلبة؛ انتشروا في مختلف الأصقاع المغربية وامتلأت بهم الكراسي والمنابر، أشهرهم: زين العابدين بناني الرباطي(ت1310هـ)، وأبو بكر بن محمد التطواني السلوي(1337هـ)، وأحمد ابن الفقيه الجريري البرهوني السلوي(ت1353هـ)، ومحمد بن العياشي سكيرج(ت1385هـ)، ومحمد بن عبد المجيد أقصبي(ت1364هـ)، والقاضي مولاي أحمد بن محمد العلوي الإسماعيلي(ت1369هـ)، والوزير محمد بن الحسن الحجوي(ت1376هـ)، وغيرهم.

وإلى جانب التدريس والمواظبة على نشر العلم، شغل العلامة الوزاني مجموعة من المناصب؛ فكان من أعضاء مجلس قراءة الحديث الشريف مع السلطان الحسن الأول، وتقلد خطة القضاء بثغر الصويرة فحسنت فيه سيرته، وصفت سريرته، ثم لم يلبث أن استُعفي فأُعفي فرجع لفاس طاهرا وللعلم ناشرا، وكان من أهل الشورى في الأحكام فلم تحفظ له في ذلك فلتة؛ بل الذكر الجميل والفخر الجزيل، هذا ما شهد له به علماء عصره فهذا تلميذه النجيب العلامة محمد بن الحسن الحجوي يقول في حقه في الفكر السامي:«صدر الصدور الجلة، وعلم أعلام الملّة، ركن العلم المحجوج، وبرهانه غير المحجوج، الفارس المجلي في كل ميدان، والمشار إليه بكل بنان…، ثم شارك في بقية العلوم الإسلامية نقلية وعقلية»، وقال عبد السلام ابن سودة في إتحاف المطالع:«كان علامة مشاركا مفتيا كثير التدريس والإفادة محققا فصيحا دينا خيرا يستغرق النهار كله في التدريس لا يمل منه».

ولكثرة اشتغاله بالتدريس، لم يكن له كبير اعتناء بالتأليف، ومع ذلك ترك مؤلفات لا تخلو من فائدة، منها المطبوع على الحجر وهي:«تتمة مختصر خليل»، و«تقييد في ثبوت إيمان المقلد»، و«رسالة النصر لكراهة القبض»، و«وتقييد في الفعل المعتل»، والمخطوط منها مثل:«رجز في الإعراب التقديري»، وبعض الفتاوى والتقاييد في المذهب المالكي.

بعد هذه الحياة الحافلة بالعطاء أسلم العلامة محمد بن التهامي الوزاني الروح إلى بارئها من ضعف أصابه من كثرة الاجتهاد، وذلك في ليلة 12 شعبان من سنة(1311هـ) وعمره 60 سنة، وصُلّي عليه ظهر ذلك اليوم، وحضر جنازته من الخلائق ما لا يُحصى، وبكى الناس عند فقده، حتى كسر العامة نعشه، ودفن بروضة العراقيين بالقباب خارج باب الفتوح، ورثاه تلاميذه ومحبوه بقصائد عديدة أنشد بعضها عند قبره رحمه الله رحمة واسعة.

———————————
مصادر الترجمة: سلوة الأنفاس للكتاني(3/47)، الفكر السامي للحجوي(2/635)، والإعلام للمراكشي(7/91)، وإتحاف المطالع لابن سودة(1/321)، الأعلام للزركلي(6/65)، ومعلمة المغرب(22/7590).

الدكتور جمال القديم

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء،

ومساعد رئيس مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بملحقة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق