مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

محمد العابد الفاسي: تـ1395هـ/1975م

هو العالم العامل والفقيه العابد والباحث النبيه، أبو عبد الله محمد العابد بن عبد الله الفاسي الفهري، من سلالة العلامة أبي السعود عبد القادر الفاسي، وجَدِّه أبي المحاسن يوسف الفاسي، دفينَيْ فاس الشهيرين، يرجع أصلهم إلى عائلة بني الجد الأندلسية، وأولهم هجرة إلى المغرب أبو زيد عبد الرحمن بن أبي بكر سنة 885هـ.

ولد يوم السبت 21 شعبان سنة 1320هـ/1902م، وتربى في حَجر والده العالم أبي محمد عبد الله الفاسي (ت1348هـ/1930م)، وعلى يديه نشأ وترعرع وأخذ مبادئ العلوم، فحفظ القرآن على النمط المعروف، ثم سَمَتْ هِمَّتُهُ إلى مواصلة التحصيل العلمي فحضر حلقات التدريس بجامعة القرويين وأخذ عن حفاظ الوقت كالشيخ أحمد بن محمد الخياط الزُّكَاري(ت1343هـ)، وأحمد بن المامون البُلْغِيثِي(ت1348هـ)، وعبد الله بن إدريس الفْضِيلي(ت1363هـ)، والحافظ أبي شعيب الدكالي(ت1399هـ)، وغيرهم من أعلام العصر، وحصل على إجازات بما أخذه عنهم، كما أجازه آخرون إجازة عامة كالعلامة محمد بن جعفر الكتاني لما قدم فاس سنة 1345هـ/1926م.

وفي سنة 1351هـ/1932م توجه العابد الفاسي إلى المشرق لأداء فريضة الحج، ولم تكن هذه الرحلة لتمر دون زيارة الحواضر العلمية ولقاء مشايخها؛ فدخل دمشق وبيروت والقاهرة، وحضر حلقات الدروس العلمية، وحصل على إجازات عامة، وأجازه كذلك بعض الأشياخ من طرابلس الغرب والعراق لقيهم بالحرمين الشريفين، وقد سطّر ذلك في الرحلة الحجازية، التي وصف فيها ما عاينه وشاهده.

وأثناء رجوعه إلى المغرب عرَّج على باريس حيث كانت له اتصلات مع بعض رواد الحركة الطلابية، التي شكَّلت النواة الأولى للحركة الوطنية فساهم في إرساء دعامها إلى جانب ابن عمه المرحوم علال الفاسي(ت1394هـ).

شغل المترجم عدة مناصب بدأها كاتبا بمحكمة أحواز فاس عام1351هـ/1932م، ثم اشتغل بالتعليم الحر ما بين 1355 -1361هـ /1936م -1942م، ثم تولى نظارة أوقاف زاوية الشيخ عبد القادر الفاسي، وفي سنة 1362هـ/1943م عينته وزارة الأوقاف مع رفيقه في البحث المؤرخ عبد السلام بن سودة باحثا ومنقبا في الكتب المتلاشية بخزانة القرويين، ثم نائبا لقيم الخزانة عام 1371هـ/1951م، ثم محافظا لها عام 1376هـ/1956م، كما عُيِّن أستاذا للتعليم العالي بكلية الآداب بفاس عام 1382هـ/1962م، فدرس مواد التشريع الإسلامي، وفقه اللغة، والبلاغة، والعروض، وكذلك تولى التدريس بكلية الشريعة بفاس من 1963م إلى 1973م، فدرّس الفكر الإسلامي، والنظم الإسلامية، والدين والمذاهب، والحديث، وعلم الاجتماع.

ودرّس بدار الحديث الحسنية بالرباط من 1965م إلى 1973م طبقات رواة الحديث، ومناهج إسناده، وتراجم أئمته، إلى غير ذلك من المناصب التي شغلها.
ونظرا لما يتحلى به المترجم من سعة اطلاع، إلى ما جُبِلَ عليه من كريم الصفات؛ اتسعت دائرة علاقاته مع أهل عصره، جسدتها تلك الرسائل المتبادلة بينه وبينهم، يُثْنُون عليه فيها، ويُحَلُّونَه بأحسن الأوصاف؛ من ذلك رسالة العلامة محمد المختار السوسي يقول فيها:«الأخ العلامة الكبير سيدي العابد الفاسي»، ومن هذا الثناء أيضا قول صديقه المؤرخ عبد السلام بن سودة: «العالم المطلع البحاثة النقاد».

وُلِعَ المترجم بالتأليف منذ سن مبكرة، فألف تآليف كثيرة نشر بعضها، وأغلبها ما زال مخطوطا، فمن كتبه المنشورة «روضة الأمنية والأماني في مطلوبية القيام عند ذكر ولادة المصطفى للتعظيم والتهاني»، و«الخزانة العلمية بالمغرب» ألّفه بمناسبة عيد جامعة القرويين سنة 1380هـ/1960م.

ومن آثاره المخطوطة «تاريخ آل الفاسي»، في عدة مجلدات، و كتاب «ذكرى الوزير أبي محمد عبد الله الفاسي» عرّف فيه بوالده وذكر الحوادث التي كانت في زمنه مما يفيد المؤرخ كثيرا، وله كذلك تأليف رَدَّ فيه على الشيخ محمد عبد الحي الكتاني في رسالته «التنويه والإشادة بمقام رواية ابن سعادة» الذي جعله مقدمة لنسخة من صحيح البخاري برواية ابن سعادة، و«الرحلة الحجازية»، ويبقى الفهرس الوصفي لمخطوطات خزانة القرويين أعظم تآليف العلامة العابد الفاسي، وأغزرها فائدة، وقد نُشِرَ بعد وفاته في أربعة أجزاء، هذا بالإضافة إلى عدة مقالات وأبحاث نشرت في مختلف المجلات المغربية والمشرقية.

وبعد حياة حافلة بالعطاء العلمي توفي رحمه الله يوم يوم الجمعة 2 ذي الحجة عام 1395هـ/ 5دجنبر 1975م بالدار البيضاء، ونقل إلى فاس في نفس اليوم، ودُفِنَ بضريح جده أبي المحاسن يوسف الفاسي رحمهم الله جميعا.

المصادر: الترجمة التي عملها ابنه محمد الفاسي الفهري في مقدمة فهرس مخطوطات خزانة القرويين (1/5) فما بعدها، التأليف ونهضته بالمغرب في القرن العشرين (2/425)، إتحاف المطالع (2/627)، سل النصال (ص220)، معلمة المغرب (19/6401).

إنجاز: ذ.جمال القديم.

Science

الدكتور جمال القديم

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء،

ومساعد رئيس مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بملحقة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق