مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةقراءة في كتاب

“لُباب المحصَّل في أصول الدين” لابن خلدون ت.808هــ

التعريف بالمؤلف:

هو عبد الرحمان بن محمد بن خلدون، ولد في تونس سنة 732هـ وفيها نشأ وتلقى العلوم والمعارف عن شيوخ كبار ذكرهم في كتابه “التعريف”[1]، وأخذ الأصلين والمنطق وسائر العلوم الحِكمية والتعليمية عن شيخه الآبلي(757هـ)[2] الذي شهد له بالتبريز في ذلك كله، وقرأ ابن خلدون كتبا مشهورة حفظ الكثير منها، فكان عالما اجتماعيا كبيرا، ومؤرخا وفيلسوفا ومربيا، وكان لآرائه ونظرياته في مختلف جوانب المعرفة الدور الكبير في وضع أسس كثير من العلوم الحديثة.

توفي ابن خلدون في مصر سنة 808هـ ودفن في مقابر الصوفية بالقاهرة[3].

من مؤلفاته: 

العبر وديوان المبتدأ والخبر، المعروف بتاريخ ابن خلدون. 

شرح قصيدة ابن عبدون الإشبيلي.

التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا.

طبيعة العمران.

شفاء السائل لتهذيب المسائل.

لباب المحصل في أصول الدين.

موضوع الكتاب ومحتواه:

وهو اختصار وتهذيب لكتاب “محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والمتكلمين” لابن الخطيب فخر الدين الرازي(ت606هـ)[4]، وكان دافِع ابن خلدون لاختصار هذا الكتاب هو ما وجد فيه من إسهاب وإطناب بعدما قرأه على شيخه الآبلي، فرأى أن يحذف من ألفاظه ما يستغنى عنه، ويترك منها ما لابد منه، ويضيف كل جواب إلى سؤاله، وقد زاد فيه ما تحصلت فائدته من كلام نصير الدين الطوسي، وقليلا من بنيات أفكاره، وعبر عن الأول ب”ولقائل أن يقول” وعن الثاني ب”لنا”، وسار في الكتاب على منهج ابن الخطيب، ورتبه على ترتيبه، قال ابن خلدون:”…فجاء بحمد الله رائق اللفظ والمعنى، مشيد القواعد والمبنى…”[5] 

انتهى ابن خلدون من اختصاره  سنة  752هـ [6]، ولم يكن قد بلغ بعد العشرين من عمره،  فهو على ذلك من أوائل مؤلفاته.

قال السلطان عبد الله زيدان عن  الكتاب: “…واختصاره هذا لابأس به…”[7]

ولما تقدم لا يمكن بأي حال اعتبار هذا الكتاب تعبيرا عن رأ ي ابن خلدون العقدي، أو مرجعا يستند إليه لاستنباط أو تقرير آرائه العقدية.

وجاء الكتاب مشتملا على أربعة أركان:

الركن الأول في المقدمات وهي ثلاث: الأولى في البديهيات وسماها الرازي في “المحصل” بالعلوم الأولية[8]، وفيها القول في التصورات والتصديقات، والرد على منكري البديهيات والثانية في النظر، وفيها الكلام في مسائل ترتبط بتعريف النظر وأحكامه ، والثالثة في الدليل وأقسامه.

الركن الثاني في المعلومات ويشتمل على عرض لمسائل الوجود والموجودات: الواجب لذاته والممكن لذاته، والجوهر والعرض، والقديم والحادث. 

ثم أورد خاتمة لهذا الركن وفيها نظران: الأول في الوحدة والكثرة، والثاني في العلة والمعلول.

الركن الثالث في الإلهيات وفيه أقسام: 

الأول في الذات: وفيه عرض لأنواع الاستدلال على وجود الذات، وينتهي رأي  الرازي إلى القول بأن المؤثر في كل الأحوال وفي النهاية هو الله وهو الواحد في ذاته، والعالم كله من آثاره، وأنه واجب الوجود على رأي الفلاسفة وخلافا لرأي الملاحدة.  

الثاني في الصفات: وقد أورد ابن خلدون ملخصا شاملا لأقوال المعتزلة والفلاسفة في صفات الله والردود عليها، وإن ثبتت هذه الصفات لله تعالى فمع وجود الفارق، وينتهي الرازي في مناقشته إلى أن صفاته تعالى هي عين ذاته، والله تعالى ليس بمتحيز في مكان خلافا لرأي المجسمة والمشبهة، ولا يتحد الله بشيء خلافا لما يراه بعض الصوفية، وهو ليس في جهة ولا يتصف بحادث كما تقول الكرامية، ويستحيل عليه اللذة والألم خلافا لرأي الفلاسفة في اللذة العقلية، ولا يتصف بلون ولا طعم، وهو تعالى قادر، فعال لما يريد خلافا لرأي اتباع الأفلاطونية المحدثة من أصحاب نظرية الفيض، وهو تعالى حي مريد سميع بصير متكلم اتفاقا.

والثالث في الأفعال: وفيه رد على المعتزلة في خلق أفعال العباد، والقول بالتولد، والقول بالحسن والقبح الذاتيين، والقول  بنسبة اللطف والعوض والصلاح والأصلح إلى الله.

الرابع في الأسماء: وبهذا الفصل ينتهي ركن الإلهيات، ويقرر من خلاله أن أسماء الله إنما تشير أو تدل في الحقيقة على الماهية الإلهية في تمامها أو في وجودها الأساسي.

الركن الرابع في السمعيات وفيه أقسام: الأول في النبوات، والثاني في المعاد، والثالث في الأسماء والأحكام، والرابع في الإمامة.

طبعات الكتاب:

طبع الكتاب بتحقيق الأب أوغسطينو لوسيانو روبيو، بمعهد مولاي الحسن بتطوان  سنة 1952.

وللكتاب طبعة ثانية بتحقيق وتقديم رفيق العجم، بدار المشرق ببيروت سنة 1995.

والطبعة الثالثة  لدار المعرفة الجامعية- الإسكندرية سنة 1996م بتحقيق وتعليق عباس محمد حسن سليمان، والمراجعة مع مقدمة نقدية بين علم الكلام الخلدوني و لباب المحصل لمحمد علي أبو ريان، و تصدير فتحي محمد أبو عيانة. 

 

                                               إعداد الباحثة: إكرام بولعيش

 

الهوامش:

[1] “التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا” لابن خلدون، تحقيق ابن تاوت الطنجي، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 2004م، ص: 36.

[2] هو محمد بن إبراهيم الآبلي، عالم المعقول والمنقول، تلقى على ابن البناء بمراكش التعاليم -المنطق والرياضيات- والحكمة. انظر ” التعريف” ص: 40، “نفح الطيب” لأبي العباس المقري، 5/244، وسلوة الانفاس 3/344، رقم 1322.

[3] انظر ترجمته في: “التعريف” لابن خلدون، “نيل الابتهاج” ص:17، و”دائرة المعارف الإسلامية” 1/152، و”نفح الطيب” للمقري 4/414، و”الأعلام” للزركلي 3/330،  و”معجم المؤلفين” لرضا كحالة 2/119،  و”شذرات الذهب” لابن عماد الحنبلي 7/76-77. 

[4] هو محمَّد بن عُمَر بن الحسن بن الحسين التَّيميّ البَكريّ، الإمام فخر الدين الرازي، ابن خطيب الري إمام المتكلمين -كذا وصفه السبكي- توفي سنة 606هـ، أنظر ترجمته في:«طبقات الشافعية» للسبكي، 8/81-96.رقم 1089.

 [5] “لباب المحصل” لابن خلدون، تحقيق عباس محمد حسن سليمان، دار المعرفة الجامعية- الإسكندرية، طبعة 1996م، ص: 61.

[6] “لباب المحصل” ص:48.

[7] من تعليق السلطان عبد الله زيدان الخاص بابن خلدون وقد جاء في الصفحة الأخيرة من مخطوطة الكتاب التي كانت في ملكه. انظر “لباب المحصل” ص:54.

[8] انظر “محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين” للرازي، الطبعة الأولى بمصر، ص:2.

التعريف بالمؤلف:
هو عبد الرحمان بن محمد بن خلدون، ولد في تونس سنة 732هـ وفيها نشأ وتلقى العلوم والمعارف عن شيوخ كبار ذكرهم في كتابه “التعريف”[1]، وأخذ الأصلين والمنطق وسائر العلوم الحِكمية والتعليمية عن شيخه الآبلي(757هـ)[2] الذي شهد له بالتبريز في ذلك كله، وقرأ ابن خلدون كتبا مشهورة حفظ الكثير منها، فكان عالما اجتماعيا كبيرا، ومؤرخا وفيلسوفا ومربيا، وكان لآرائه ونظرياته في مختلف جوانب المعرفة الدور الكبير في وضع أسس كثير من العلوم الحديثة.
توفي ابن خلدون في مصر سنة 808هـ ودفن في مقابر الصوفية بالقاهرة[3].
من مؤلفاته: 
العبر وديوان المبتدأ والخبر، المعروف بتاريخ ابن خلدون. 
شرح قصيدة ابن عبدون الإشبيلي.
التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا.
طبيعة العمران.
شفاء السائل لتهذيب المسائل.
لباب المحصل في أصول الدين.
موضوع الكتاب ومحتواه:
وهو اختصار وتهذيب لكتاب “محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والمتكلمين” لابن الخطيب فخر الدين الرازي(ت606هـ)[4]، وكان دافِع ابن خلدون لاختصار هذا الكتاب هو ما وجد فيه من إسهاب وإطناب بعدما قرأه على شيخه الآبلي، فرأى أن يحذف من ألفاظه ما يستغنى عنه، ويترك منها ما لابد منه، ويضيف كل جواب إلى سؤاله، وقد زاد فيه ما تحصلت فائدته من كلام نصير الدين الطوسي، وقليلا من بنيات أفكاره، وعبر عن الأول ب”ولقائل أن يقول” وعن الثاني ب”لنا”، وسار في الكتاب على منهج ابن الخطيب، ورتبه على ترتيبه، قال ابن خلدون:”…فجاء بحمد الله رائق اللفظ والمعنى، مشيد القواعد والمبنى…”[5] 
انتهى ابن خلدون من اختصاره  سنة  752هـ [6]، ولم يكن قد بلغ بعد العشرين من عمره،  فهو على ذلك من أوائل مؤلفاته.
قال السلطان عبد الله زيدان عن  الكتاب: “…واختصاره هذا لابأس به…”[7]
ولما تقدم لا يمكن بأي حال اعتبار هذا الكتاب تعبيرا عن رأ ي ابن خلدون العقدي، أو مرجعا يستند إليه لاستنباط أو تقرير آرائه العقدية.
وجاء الكتاب مشتملا على أربعة أركان:
الركن الأول في المقدمات وهي ثلاث: الأولى في البديهيات وسماها الرازي في “المحصل” بالعلوم الأولية[8]، وفيها القول في التصورات والتصديقات، والرد على منكري البديهيات والثانية في النظر، وفيها الكلام في مسائل ترتبط بتعريف النظر وأحكامه ، والثالثة في الدليل وأقسامه.
الركن الثاني في المعلومات ويشتمل على عرض لمسائل الوجود والموجودات: الواجب لذاته والممكن لذاته، والجوهر والعرض، والقديم والحادث. 
ثم أورد خاتمة لهذا الركن وفيها نظران: الأول في الوحدة والكثرة، والثاني في العلة والمعلول.
الركن الثالث في الإلهيات وفيه أقسام: 
الأول في الذات: وفيه عرض لأنواع الاستدلال على وجود الذات، وينتهي رأي  الرازي إلى القول بأن المؤثر في كل الأحوال وفي النهاية هو الله وهو الواحد في ذاته، والعالم كله من آثاره، وأنه واجب الوجود على رأي الفلاسفة وخلافا لرأي الملاحدة.  
الثاني في الصفات: وقد أورد ابن خلدون ملخصا شاملا لأقوال المعتزلة والفلاسفة في صفات الله والردود عليها، وإن ثبتت هذه الصفات لله تعالى فمع وجود الفارق، وينتهي الرازي في مناقشته إلى أن صفاته تعالى هي عين ذاته، والله تعالى ليس بمتحيز في مكان خلافا لرأي المجسمة والمشبهة، ولا يتحد الله بشيء خلافا لما يراه بعض الصوفية، وهو ليس في جهة ولا يتصف بحادث كما تقول الكرامية، ويستحيل عليه اللذة والألم خلافا لرأي الفلاسفة في اللذة العقلية، ولا يتصف بلون ولا طعم، وهو تعالى قادر، فعال لما يريد خلافا لرأي اتباع الأفلاطونية المحدثة من أصحاب نظرية الفيض، وهو تعالى حي مريد سميع بصير متكلم اتفاقا.
والثالث في الأفعال: وفيه رد على المعتزلة في خلق أفعال العباد، والقول بالتولد، والقول بالحسن والقبح الذاتيين، والقول  بنسبة اللطف والعوض والصلاح والأصلح إلى الله.
الرابع في الأسماء: وبهذا الفصل ينتهي ركن الإلهيات، ويقرر من خلاله أن أسماء الله إنما تشير أو تدل في الحقيقة على الماهية الإلهية في تمامها أو في وجودها الأساسي.
الركن الرابع في السمعيات وفيه أقسام: الأول في النبوات، والثاني في المعاد، والثالث في الأسماء والأحكام، والرابع في الإمامة.
طبعات الكتاب:
طبع الكتاب بتحقيق الأب أوغسطينو لوسيانو روبيو، بمعهد مولاي الحسن بتطوان  سنة 1952.
وللكتاب طبعة ثانية بتحقيق وتقديم رفيق العجم، بدار المشرق ببيروت سنة 1995.
والطبعة الثالثة  لدار المعرفة الجامعية- الإسكندرية سنة 1996م بتحقيق وتعليق عباس محمد حسن سليمان، والمراجعة مع مقدمة نقدية بين علم الكلام الخلدوني و لباب المحصل لمحمد علي أبو ريان، و تصدير فتحي محمد أبو عيانة. 
إعداد الباحثة: إكرام بولعيش
الهوامش
[1] “التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا” لابن خلدون، تحقيق ابن تاوت الطنجي، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 2004م، ص: 36.
[2] هو محمد بن إبراهيم الآبلي، عالم المعقول والمنقول، تلقى على ابن البناء بمراكش التعاليم -المنطق والرياضيات- والحكمة. انظر ” التعريف” ص: 40، “نفح الطيب” لأبي العباس المقري، 5/244، وسلوة الانفاس 3/344، رقم 1322.
[3] انظر ترجمته في: “التعريف” لابن خلدون، “نيل الابتهاج” ص:17، و”دائرة المعارف الإسلامية” 1/152، و”نفح الطيب” للمقري 4/414، و”الأعلام” للزركلي 3/330،  و”معجم المؤلفين” لرضا كحالة 2/119،  و”شذرات الذهب” لابن عماد الحنبلي 7/76-77. 
[4] هو محمَّد بن عُمَر بن الحسن بن الحسين التَّيميّ البَكريّ، الإمام فخر الدين الرازي، ابن خطيب الري إمام المتكلمين -كذا وصفه السبكي- توفي سنة 606هـ، أنظر ترجمته في:«طبقات الشافعية» للسبكي، 8/81-96.رقم 1089.
[5] “لباب المحصل” لابن خلدون، تحقيق عباس محمد حسن سليمان، دار المعرفة الجامعية- الإسكندرية، طبعة 1996م، ص: 61.
[6] “لباب المحصل” ص:48.
[7] من تعليق السلطان عبد الله زيدان الخاص بابن خلدون وقد جاء في الصفحة الأخيرة من مخطوطة الكتاب التي كانت في ملكه. انظر “لباب المحصل” ص:54.
[8] انظر “محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين” للرازي، الطبعة الأولى بمصر، ص:2

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق