الرابطة المحمدية للعلماء

كيف قرأوا الألواح وكتبوا التاريخ.. ؟

محمد الأسعد ينشر سلسلة من الدراسات عن الاستشراق في علم الآثار

صدر عن دار مسعى للنشر والتوزيع في الكويت، وبالاشتراك مع الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت، كتاب “مستشرقون في علم الآثار: كيف قرأوا الألواح وكتبوا التاريخ ” للكاتب والشاعر الفلسطيني محمد الأسعد، يضم سلسلة من الدراسات موضوعها ما اصطلح على تسميته “الاستشراق في علم الآثار”، يبين فيها الطبيعة الإستشراقية في علم آثار الوطن العربي، ويبحث في النص مراجعات بعض علماء الآثار لما أعتبر ذات يوم “وقائع” تاريخية فإذا بها مجرد تخيلات مصدرها المخيلة الخصبة والأفكار المسبقة.

يقول الأسعد في جزء من مقدمته:  “إن النص، والنص التوراتي تحديدا، لعب الدور الأكبر في إنتاج ماضي الشرق، وشرقنا العربي بخاصة، فوضع تاريخه ولغاته وفنونه وآثاره المادية في سياقات غريبة لا تنتمي إليه بقدر ما تنتمي إلى صورة متخيلة مستمدة من المرويات التوراتية، حتى وإن كان هذا الماضي أوسع زمانا ومكانا من تلك اللحظة العابرة في تاريخه، تلك التي يفترض أنها مرحلة توراتية. أعطت هذه الخصوصية علم الآثار في شرقنا العربي طابعا مغلقا وثابتا، فهو فرع آخر غير علم الآثار، إنه علم خاص يدعى علم الآثار التوراتي، لا تلمسه أي مكتشفات من أي نوع كان، ولا تغير ثوابته أي خبرات جديدة مكتسبة، ولا تطورات حديثة في مجال علم الآثار.

في أساس هذا “العلم” يكمن عنصران؛ عنصر ما يسمونه “الرؤيا”، وعنصر ما يسمونه “الإحساس” بالهدف. والرؤيا بالطبع هي الرؤيا اللاهوتية، أي رؤية جوهر أصلي في تاريخ هذه الأرض لا يتغير، كان يوما وظل على مر العصور والأحقاب، تمثله مآثر شعب التوراة لغة وتاريخا ومملكة وفنونا.. إلخ. وينظر إلى حضارات المنطقة القديمة على أنها مجرد مشتقات ثانوية من هذه المآثر.

أما الهدف، فهو استعادة هذا الجوهر المطمور في تلال المنطقة العربية، وفلسطين خصوصا، وإعادته إلى الحياة. ومن هنا فوظيفة علم آثار من هذا النوع، ليس التنقيب عن الآثار القديمة والتعرف على هويتها، فهذه الهوية معروفة سلفا في النص التوراتي، بل لرفعها كمستندات تخلق رابطة بين ذلك الجوهر الثابت وبين الكيان الاستعماري الذي أنشأه الغرب على أرض فلسطين وكونه من يهود جلبهم من مختلف الهويات القومية تحت زعم أنهم ورثة ما يسميها في أدبياته “أرض التوراة”، أي الجوهر الثابت على مر العصور.

وبلغ هذا الهوس النصي حدا مرضيا دفع ببعض علماء الآثار إلى جعل موضوع تقصيهم وتنقيباتهم المكان الممتد من الهند إلى إسبانيا ومن جنوب روسيا إلى جنوبي الجزيرة العربية، والزمن الممتد منذ عشرة آلاف عام قبل الميلاد أو أبعد من ذلك بكثير. وأطلقوا على هذا المكان الخيالي وهذا الزمان الغارق في القدم اسم أرض وزمان التوراة. وهو ما عنى بالضرورة محو أمكنة وأزمنة وتواريخ شعوب هذه المنطقة من العالم.

في هذه النظرة اللاهوتية إلى التاريخ على أنه جوهر ثابت لا يتغير، تمت صياغة الماضي مرة واحدة وإلى الأبد. فهو “رؤيا” لا تقبل التفسير أو التغيير حتى مع تراكم الخبرة البشرية ونشوء علوم جديدة قد تغير من رؤيتنا للتاريخ وأحداثه، بل وحتى لو كشفت معطيات علم الآثار عن أدلة جديدة تناقض النص التوراتي. وهنا يتجلى عمل هذا النوع من الاستشراق أكثر مما يتجلى في أي مجال آخر؛ تتركز وظيفة المستشرق في تأكيد “الرؤيا” و”الإحساس” بالهدف، سواء اتخذ سمة عالم اللاهوت أو المؤرخ أو الألسني أو عالم الآثار.

البعد الثاني من أبعاد هذا النوع من الاستشراق، أو ما بعد الاستشراق كما أطلق عليه كاتب أميركي معاصر، هو البعد الاستعماري. وتمثل هذا البعد في الدور الذي لعبته البعثات الأثرية الغربية التي تدفقت على الأرض الفلسطينية في أعقاب الاحتلال العسكري البريطاني لفلسطين في العام 1917 من كل حدب وصوب، أميركية وبريطانية وفرنسية وألمانية.

وضمت المدرسة الأميركية للدراسات الشرقية وحدها ثماني جماعات لاهوتية بارزة، مابين بروتستانتية ويهودية وكاثوليكية، وفي هذه المدرسة التي نشأت في القدس منذ العام 1900 كونت مجموعة من رجال اللاهوت على رأسهم وليم ف. البرايت ونلسون جليك جمعية أطلقوا عليها تسمية “عالم الآثار التوراتي”، وأطلقوا على نشاطهم في فلسطين تسمية “علم الآثار التوراتي”.

وتركز اهتمام هذه البعثات الأثرية على ما يسمونها الخلفية التاريخية للتوراة. وألهبت تقارير هذه البعثات الصحفية عن الآثار الفلسطينية التي كانت تقدم في إطار توراتي دائما وتحت مسميات غير واقعية تختلق روابط بين المدن والقرى الفلسطينية وبين أسماء وأحداث وشخصيات توراتية، مخيلة الجمهور الغربي، وصورة إقامة كيان استعماري يهودي كانت تجري على قدم وساق في ظل احتلال بريطاني يسلب أراضي الفلسطينيين ويدمر نسيجهم الاجتماعي اقتصاديا وسياسيا وتعليميا، على أنها تجسيد للرؤيا التوراتية والوعد الإلهي”.

 

(عن ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق