وحدة المملكة المغربية علم وعمرانقراءة في كتاب

كتاب للدكتور جمال بامي حول حالة مقابر المسلمين بالمغرب ومقترحات عملية من أجل إصلاحها



كتاب للدكتور جمال بامي  حول حالة مقابر المسلمين بالمغرب ومقترحات عملية من أجل إصلاحها من إصدار المجلس الوطني لحقوق الإنسان

 

تكتسي المقابر أهمية إنسانية وحضارية كبرى، باعتبارها مجالات ينبغي أن تتبوأ مكانة مركزية تحترم كرامة الإنسان الذي انتقل إلى رحمة الله وأيضا الإنسان الحي الذي تعتبر المقابر جزءا لا يتجزأ من المشهد العام الذي ينتظم اجتماعه البشري…

ولا يعقل بأي حال من الأحوال اعتبار المقابر مجالا “ميتا” لمجرد أنه يأوي “الموتى”، بل جزءا “حيا” من المشهد العام داخل البوادي والمدن، بما يمكن أن نطلق عليه اسم “المقابر المَشَاهد”cimetières paysage ، وهو مفهوم يدخل في إطار تدبير المقابر ضمن إستراتيجية محكمة ومتكاملة لإعداد التراب وتأثيث المجال..

ما هي حالة المقابر في مغرب اليوم؟ وما هي نظرة الإنسان المغربي للمقابر، وكيف يتعامل معها؟؛ وما هي الحالة “المشهدية” التي ينبغي أن تكتسيها المقابر بالمغرب؟ وما السبيل إلى جعل المقابر بالمغرب “فضاء” جماليا يحترم الأموات والأحياء؟؛ وكيف تصبح المقابر بالمغرب مندمجة – وفق رؤية نسقية – في المشهد الحضري أو القروي العام؟ وهل هناك تفاوت في التعامل مع المقابر بين المدينة والبادية بالمغرب؟ هذه أسئلة إشكالية تقتضي الإجابة عنها، وبالتالي اقتراح الحلول الناجعة من أجل تجاوز الحالة الراهنة، عملا نسقيا ومركبا من أجل فهم عميق لحالة المقابر بالمغرب، أي استيعاب المشكل من أجل تجاوزه.

ويسود اليوم في المغرب اعتقاد عام – تسنده المشاهدة والمعاينة – أن المقابر في بلادنا تعاني إهمالا كبيرا على جميع المستويات، حيث أضحت مرتعا للمتسكعين والمتسولين ومجالا لرمي القمامة ونمو الأعشاب العشوائية، مما يشوش بحق على مقاصد المقابر المتمثلة في الترحم على الموتى في جو مفعم بالخشوع والصفاء الروحي، وكمجال للتأمل والاستلهام يرتاده المبدعون وهواة الخلوات التأملية… ولا شك أن الحالة المزرية للمقابر في بلادنا لا تسمح لها بأداء أدوارها الوظيفية…

 

هذا ما تمت مقاربته من خلال عمل ميداني شمل عدة مقابر عبر العديد من المدن، تحت إشراف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتوج بإصدار كتاب جديد للدكتور جمال بامي عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تحت عنوان: “حالة مقابر المسلمين بالمغرب.. مقترحات عملية من أجل إصلاحها”. (الرباط، ط 1، 2012 طبع a croisée des chemins )

إن دراسة عميقة للمقابر بالمغرب تفرض اليوم نفسها بإلحاح، لأن اقتراح مقترحات عملية من أجل الإنقاذ وإعادة الاعتبار تقتضي عملا وصفيا وتحليليا مبنيا على معطيات ميدانية ومقاربة سوسيو- أنثربولوجية تسعى إلى فهم علاقة الإنسان المغربي اليوم بالمقابر وكيفية تعامله معها، وكذلك كيفية تعامل أصحاب القرار مع تدبير هذه “المنشآت العمرانية” التي هي جزء لا يتجزأ من المجال العام ويفترض أن تشكل جزءا من التدبير اليومي للقطاع الترابي

تفرع الكتاب على الأبواب التالية: مدخل نظري حول علم المقبريات وأبعاده العملية بالمغرب؛ الوضع الاعتبار للمقابر في المرجعية الإسلامية؛ ثم الوضع الاعتباري للمقابر من المنظور الحقوقي والقانوني.

من فصول الدراسة، نقرأ على الخصوص: معطيات الدراسة الميدانية، نتائجها، قبل اشتغال المؤلف على نموذج لمقابر الجنوب المغرب (مقبرتي العيون وفم أزكيد بطاطا)، ثم توقف عند المقابر ذات القيمة الإيكولوجية.

نقرأ فصلا أيضا عن تدهور حالة المقابر، وفصلا آخر يتضمن مقترحات عملية من أجل حماية مقابر المسلمين وصيانتها، ودراسة أخرى عن مقبرة نموذجية (مقبرة الغفران بالدار البيضاء)، وأخيرا، توقف الكاتب عند بعض آليات المواجهة الرسمية وغير الرسمية من أجل صيانة المقابر وحمايتها. 

من ميزة الكتاب الذي طبع في نسخة أنيقة، كون تضمن ملحقا يتضمن لائحة من الصور لأهم المقابر في المغرب.

وغني عن التذكير، أن دراسة الدكتور جمال بامي هذه، تكتسي بعدا نظريا من خلال إبراز الأنساق الاجتماعية والثقافية التي تؤطر المجالات القبورية في مختلف جهات المملكة، كما أنها تشكل المعلومات المكثفة المتحصلة من الدراسة الميدانية ذات فائدة، بالنسبة للمشتغلين بعلم الاجتماع و كذلك بالنسبة لدوائر القرار السياسي والجمعيات المدنية… ويتحلى البعد التطبيقي لدراسة جمال بامي في المقترحات العملية التي نحسبُ أنها تساهم في إعداد مشاريع من أجل إعادة تدبير المقابر في مختلف المناطق المغربية .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق