مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

كتاب التبصرة لأبي الحسن اللخمي تـ478هـ

اعتنى طلبة الفقه بالمغرب والأندلس بكتاب المدونة، واهتموا بدراسته وحفظه، وكثرت مؤلفاتهم عليه وتنوعت بين شرح واختصار وتعليق، ومن أحسن ما ألف في التعليق على مدونة الإمام مالك كتاب التبصـرة للإمام الفقيه الحافظ أبي الحسن علي بن محمد اللخمي (ت478هـ)، وأهمية هذا الكتاب تتمثل في كونه يختزل علم أحد كبار رجالات المذهب، واعتباره كذلك من الموسوعات الفقهية الكبرى المعتمدة في الفقه المالكي بالغرب الإسلامي.

وتتجلى قيمة هذه الموسوعة الفقهية أيضاً من خلال اعتمادها في الفقه والفتوى من لدن علماء المالكية، نظرا لتنوع وكثرة المادة العلمية التي يضمها، فقد احتوى جل الأبواب والكتب الفقهية المعروفة؛ بداية بكتاب الطهارة وانتهاء بكتاب الديات.

كما راعى المؤلف في تحرير مسائل الكتاب منهجاً يتسم بالدقة والترتيب، والتوسع في نقل الآراء، والدقة في التوثيق بذكر المصادر ونسبة الأقوال لأصحابها، واعتماده على الموازنة والترجيح بين الآراء، فكثيراً ما يرجح الآراء التي يختارها وربما خالف المذهب في هذه الاختيارات والترجيحات في أحيان كثيرة، كما أن من دقة منهجه عدم اقتصاره على جمع أقوال أتباع المدرسة المالكية، بل يورد في بعض المواضع أقوالاً عن أتباع المدارس الفقهية الأخرى كالشافعية والحنفية وغيرها وذكر أوجه الخلاف بين أصحاب هذه المدارس في المسألة الواحدة، كما أن اللخمي يهتم بسرد الأدلة سردا، ويتتبعها تتبعا دالا على حظ وافر من العلم، وهو متوسع في الأدلة قرآنا كانت أو سنة، ناسجا كل ذلك بأسلوب سهل سلس ماتع، مع بسط العبارة وتسهيلها.

 والمطالع للكتاب يجد أن المؤلف اعتمد فيه على أمهات كتب المذهب، ويبدو ذلك من خلال تصريحه بأسماء بعض هذه المصادر التي اعتمدها، منها : الموطأ لإمام المذهب مالك بن أنس (ت179هـ)، والمدونة لسحنون (ت240هـ)، والواضحة لعبد الملك بن حبيب (ت238)، والعتبية لمحمد العتبي القرطبي (ت254هـ)، والنوادر والزيادات لابن أبي زيد (ت386هـ)، والتلقين للقاضي عبد الوهاب البغدادي (ت422هـ)، وغيرها من كتب المذهب المعتمدة.

وحظيت تبصرة اللخمي باهتمام الفقهاء عموماً والمغاربة منهم بصفة خاصة، ومن تجلِّيات هذا الاهتمام حرص ثلة من العلماء على النقل عنه واعتماده في تآليفهم، فلا يكاد يخلو كتاب من كتب المالكية الذين جاءوا بعد اللخمي من نقل كلامه واختياراته الفقهية، فهي من أهم ما يُرجَع إليه في تحرير رواية المتقدمين، وتقريب أحكامها ، فمن الناقلين عنه: ابن رشد (ت520هـ) في البيان والتحصيل، والقرافي (ت684هـ) في الذخيرة، والشيخ خليل  (ت774هـ) في مختصره، وبن الفتوح التلمساني(ت818هـ) في مختصـره، والوَنْشَريسي (914هـ) في المعيار، وابن غازي المكناسي (ت919هـ) في شفاء الغليل، والحطاب الرُّعَيْني (ت954هـ) في مواهب الجليل،… وغيرهم.

ومن تجليات أهمية هذا الكتاب أيضاً اهتمام العلماء المالكية وعنايتهم به، فهذا أبو عبد الله بن شعيب (ت561هـ) الذي ذكر عنه صاحب عنوان الدراية أنه كان يحفظ كتاب التبصرة للخمي عن ظهر قلب، ومن الأعمال الأخرى نذكر: كتاب «تكملة الكتاب الجامع بين التبصرة والجامع لابن يونس والتعلقة للتونسي» لشمس الدين أبي الحسن علي الصنهاجي (ت618هـ)، و«الشافي في تحرير ما وقع من الخلاف بين التبصرة والكافي» لابن سلمون الغرناطي (ت741هـ).

إلاَّ أن طريقة اللخمي في اختياراته الفقهية كانت محلَّ انتقاد من طرف بعض المالكيين مثل المقري الكبير أبي عبد الله – رحمه الله – ومحل تأييد من البعض مثل الهلالي أبي العباس، ومن أشهر ما قيل في نقد كتاب التبصرة:

لقد هتكت قلبي سهام جفونها              كما مزق اللخمي مذهب مالك

واعتـمدوا تبصـرة اللخمي               ولـم تـكـن لعالـم أمـي

طبع الكتاب  بتحقيق الدكتور أحمد عبد الكريم نجيب، ونشـرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لدولة قطر، الطبعة الأولى:1432هـ/ 2011م.

إعداد: ذ.محمد فوزار.

تحميل الكتاب

Science

الدكتور محمد فوزار

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء الرباط

منسق مصلحة الطبع والنشر وتنظيم المعارض بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق