قيمة التسامح : المرجعية الإسلامية في مواجهة العنف المرتبط بالتطرف 2/4
2. الإرهاب والتطرف والعنف والتعصب سلوكيات خطرة:
درج العرف والتقليد على حصر السلوكيات الخطرة في التصرفات الفردية أو الجماعية التي ينتج عنها خطر أو ضرر يتصل بالجسد أو العقل فيحدث فيهما عللا أو إعاقات. وأشهر السلوكيات التي تندرج ضمن هذا التعريف الإدمان على المخدرات، والسلوكيات الجنسية الخارجة عما تواضع عليه الناس ثقافة وما شابه ذلك. لكن هذا التعريف يبقى ناقصا مما يضيع على الباحثين والمهتمين شرائح أخرى من المجتمع تتسم سلوكياتهم بالخطر لكنها، بحكم التصنيف السابق لا يهتم بها، ومن مثل هذه السلوكيات الخطرة:
- التطرف الفكري؛
- عدم تقدير الذات كما هو الأمر في العمليات الانتحارية؛
- إساءة استعمال مواقع التواصل الاجتماعي على النت مما يتسبب في إذاية الآخرين؛
- المنافسة المتوحشة المدمرة؛
- التمرد على ما هو أصيل باسم الحداثة؛
- نشر الإباحية وقتل الكرامة؛
- الإرهاب والعدوان.
وتنطلق الرابطة المحمدية للعلماء، في هذا التبني للمعنى الواسع للسلوك الخطر من المفهوم الإيجابي للصحة الذي تتبناه منظمة الصحة العالمية، وهو مفهوم يشدد على أن الصحة ليست مجرد انتفاء المرض وخلو الجسد من العلل؛ وإنما هي التوازنات الفعالة التي تجعل الإنسان متناسقا مع نفسه ومع من حوله، بما يحقق التكيف مع الذات والمجتمع بدءا بالأسرة فالمجتمع الأصغر فما يليه، وكذلك بما يضمن التوازن الإيجابي مع المجتمع الإنساني. وقد أضاف بعض المشتغلين بموضوع الصحة والسواء النفسي في العالم العربي بعدا آخر وهو التوازن مع الكون الأعظم.
وبناء عليه فإن السلوك الخطر يتحدد معناه الشامل حين مقابلته بالسلوك السوي الذي يحيل إلى القدرة على ممارسة الحياة العملية والنشاط اليومي بطرائق تحقق الفاعلية والاستقلال المناسب، وتتيح للفرد الحرية في التعرف دون تبعية عمياء مع تحقيق التكيف مع المجتمع استنادا إلى التوزع الاعتدالي المشار إليه سابقا. ويحدث ذلك كله ضمن توازن ذاتي للفرد تنتفي معه المعاناة (النفسية والاجتماعية والعقدية...) في صورها الحادة.
والسلوك الخطر سلوك سلبي غير بناء وهدام، ويعتبر مشكلة اجتماعية تهدد أمن الفرد والمجتمع لأنها من المشكلات التي تعوق التنمية. إن المنحرفين والجانحين وذوي السلوك المضاد للمجتمع يمثلون خطرا على حياة الآخرين، ويكونون عنصر قلق واضطراب، قد يعرضون فيه حياة الآخرين للخطر، فهم إما أن يسرقوهم أو يقتلوهم أو يعتدوا عليهم جنسيا.... وهم في نفس الوقت يمثلون خطرا على حياتهم أنفسهم لأنهم، نتيجة لانحرافهم، يقاومهم المجتمع مما يجعلهم عرضة لاضطرابات نفسية أقلها القلق ، وهم يمثلون مشكلة اجتماعية وتنموية واقتصادية خطيرة، فهم معاول هدم. ويبدو من المعاينات اليومية لسلوكيات الناس أن الأمراض الاجتماعية في تزايد يستوجب التدخل للوقاية والعلاج حتى نتجنب الخسارة البشرية الناتجة عنها.
من أهم السلوكيات الخطرة الأكثر انتشارا في مجتمعاتنا حسب ما تمت معاينته والتي لها ترابط بالجريمة الإرهابية ما يلي:
- السلوك السيكوباتي: وهو نموذج للشخصية المريضة اجتماعيا غير المتوافقة ثقافيا ومهنيا، والشخصية التهيجية التي تتصف بالانفجارات الانفعالية الشديدة، والشخصية القاصرة التي تتصف بالفشل وعدم القدرة على تحقيق مطالب الحياة اليومية وهذا النموذج يمكن استقطابه من طرف المنظمات الإرهابية.
- جناح الأحداث: ويتمثل في الكذب المرضي المزمن، والسرقة والهروب من المنزل والمدرسة والفشل الدراسي والتشرد والتسول والبطالة والعدوان والتمرد وعدم ضبط الانفعالات (حدة الطبع والتقلب). وهذا النموذج كسابقه يسهل استمالته لتوظيفه في ممارسة الإرهاب والجريمة المنظمة.
- السلوك المضاد للمجتمع (أو الخارج عن القانون): وتشمل أعراضه اضطراب السلوك الذي يكون تمرديا مخربا ضد مطالب المجتمع وضد السلطة الاجتماعية، وعدم الاستعداد للسلوك الملتزم بالمعايير والقيم الاجتماعية، وعدم الشعور بالإثم، ويعتبر هذا النموذج من أخطر النماذج في تبني وتفعيل السلوك الإجرامي ضد الأفراد والجماعات.
- الإجرام: ويشمل الأعمال غير القانونية الشائعة في عالم الإجرام مثل الغش والخداع والتزييف والتزوير والاتجار في السوق السوداء والاختلاس والرشوة وابتزاز الأموال والنشل والسرقة والجاسوسية والدجل والشعوذة والنصب والاحتيال والقتل والتخريب والشغب وإضرام النار... وتعتبر هذه المظاهر الإجرامية متلازمة (Syndrome) للسلوك الإرهابي.
- الإدمان: ويشمل إدمان التعاطي للكحول والعقاقير والمهلوسات والمخدرات القوية مثل الكوكايين ومشتقاته ...وتؤدي الاعتمادية على هذه المخدرات إلى وقوع المدمنين في شباك الإرهابيين ومن ثمة تسخيرهم لتنفيذ أفعالهم الإجرامية.
- الانحرافات الجنسية: وتشمل السعي للحصول على الإشباع الجنسي بطرق غير شرعية، وتجارة الجنس في أسواق البغاء والنوادي الليلية وسائر الأماكن التي تقدم الخدمات الجنسية في عالم الانحراف، والمغامرات الجنسية المتواصلة غير المسؤولة والاستهتار والاستسلام الجنسيين والجنسية المثلية (اللواط والسحاق)، وجماع الأطفال ولبس ملابس الجنس الآخر والتشبه بهم، والاستعراض الجنسي أو الاستعراء عن طريق إظهار أعضاء التناسل أمام أعضاء الجنس الآخر أو الأطفال وفي الأماكن العامة والاغتصاب وهتك العرض، وجماع المحارم... ورغم انحرافية هذه السلوكيات في حد ذاتها فإنها تعتبر دافعا للسلوك الإجرامي والإرهابي إذ عادة ما يهدَّد أصحاب هذه السلوكيات بأن يفضح أمرهم عن طريق التسجيل الصوتي والمرئي، وللتخلص من إفشاء أمرهم يستجيبون لتنفيذ مطالب الإرهابيين.
وهكذا يمكن اختزال تعريف السلوك الخطر،لدى الرابطة المحمدية للعلماء، في كل سلوك فردي أو جماعي تنتفي فيه الفاعلية والتوازن والتكيف مع الذات والمجتمع والثقافة السائدة المتوافق عليها...
يتبـــع