وحدة الإحياءقراءة في كتاب

قواعد لغة الحضارات للمؤرخ فرنان بروديل

صدرت عن المنظمة العربية للترجمة؛ الطبعة الأولى من كتاب: “قواعد لغة الحضارات“، للمؤرخ الفرنسي فرنان بروديل، ترجمة: الهادي التيمومي، مراجعة: فتحي ليسير، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، سنة 2009، وقد جاء هذه الكتاب في 640 صفحة من القطع الكبير.

قواعد لغة الحضارات للمؤرخ فرنان بروديل

يؤكد “فرنان بروديل” في مستهل كتابه أن الخصومة حول تدريس التاريخ تعد خصومة كامنة لا تنتظر إلا من يوقظها كاشفا أنها “خصومة قديمة، تظل راهنة على الدوام، ولا تترك أيًّا كان يركن إلى اللامبالاة، سواء أكان الجمهور الشغوف أكثر من أي وقت مضى بالتاريخ، أم رجال السياسة المرغمين على البقاء في حال ترصّد، أم الصحافيين، فضلاً عن أساتذة التاريخ. إنها خصومة قديمة لا تفيدنا بأي جديد، لكن عدد المهتمين بها ما انفكّ يتزايد، وتندرج كل المحاجات بسهولة في هذه الخصومة، وهي تعلن عن نفسها بدوّي المدافع كما هو شأن العساكر”.

يبرز الكاتب كيف أنّ التاريخ التقليدي الوفيّ للسرد والمشدود إليه، يثقل الذاكرة ولا يسعى إلى التخفيف عنها. وذلك بالإكثار من التواريخ وأسماء الأبطال ووقائع الشخصيّات الكبيرة وأفعالها، أمّا بالنسبة إلى البعض الآخر، فإن التاريخ “الجديد” الذي يريد أن يكون “علمياً” والذي يؤكد من بين الأشياء التي يؤكد عليها، على المدى الطويل ويهمل الحدث، قد يكون هذا التاريخ “الجديد” مسؤولا عن هذا الفشل التعليمي الذي لا يترد في اعتباره كارثة حقيقية أدّت على الأقل إلى النسيان غير المقبول للكرونولوجيا. وفي هذا السياق يتساءل بصيغة استنكارية: أليست هذه الخصومة بين القدامى والجدد وسيلة للتهرب من المسؤولية؟ ألا تخفي، في هذا الحوار الذي يهمّ البيداغوجيا وليس النظرية العلميّة، المشاكل و”عقد الذنب” عوض مواجهتها؟

ليؤكد: “لقد طالبت دوماً، بالنسبة إلى الأطفال، بسرد بسيط وصور ومسلسلات تلفزية وأفلام؛ أي إجمالاً، بتاريخ تقليدي “لكن مهذّب ومتكيّف مع وسائل الإعلام الأليفة لدى الأطفال. وأنا هنا أتحدث عن دراية، إذ كنت لحقبة طويلة مثل كل جامعيّي جيلي، أستاذاً في المعاهد الثانوية، وكنت أطالب دائما، علاوة على الأقسام النهائية أو أقسام المناظرات التي كانت تسند لي، بقسم من السنة السادسة؛ أي بأطفال بين عشر سنوات واثنتي عشرة سنة. إنه جمهور رائع، مشدود تلقائياً، تستطيع أن تعرض أمامه التاريخ كما لو كان لك مصباح سحري. والمشكلة الأساسية هي كيفية جعله يكتشف آفاق الزمن المعيش وحقيقته والاتجاهات والمعاني التي يتضمنها، والتعاقب الذي يترك عليه بصماته ويحقّبه ويمنحه وجهاً أول تمكن مقاربته”.

معتبراً أنّ التعرف التدريجي إلى الزمن يجعل من العسير السقوط في الخلط! وأن العرض السردي السهل لابد أن يفضي، من تلقاء نفسه، إلى مشاهد ومناظر ونظرة إجمالية! فيحدّد التلميذ مدناً مثل البندقية أو بوردو أو لندن… وعلاوة على تعلّم الزمن، لابد أيضا من تعلم اللغة؛ تعلم الاستعمال السريع والدقيق للكلمات والمجردات والملموسات… والمقولات المفاتيح؛ مجتمع، دولة، اقتصاد، حضارة… وكل هذا بكل بساطة ممكنة ولابد من التعرف إلى التواريخ الأساسية وتنزيل الشخصيات العظيمة أو الهامّة أو حتّى المنبوذة، في الزمن؛ أي تحديد أماكنها.

وبشحنة نقدية قوية يقول: “إن برامجنا غير المعقولة في فرنسا تسلّط عليهم في القسم الأول؛ العالم بين 1914 و1939 ثم في القسم النهائي؛ العالم منذ 1939، فهي تسلّط عليهم إذاً مرتين هذا العالم الواسع، عالم السياسة والحروب والمؤسسات والنزاعات؛ أي كتلة هائلة من التواريخ والأحداث. إنّي أتحدى أي مؤرخ حتى ولو كانت ذاكرته “ذاكرة حصان”، أن ينجح في اختبار عن هذه الكتلة من الوقائع الثانوية.

لقد كنت برمجت، مثلما اقترحت ذلك تماماً، مدخلاً للتاريخ الجديد في برنامج القسم النهائي فقط. التاريخ الجديد هو تداخل مقصود بين مختلف علوم الإنسان ودور هذه العلوم هو تحليل العالم الحالي وتفسيره وجعل ضبابيته تنقشع. ويبدو لي أنه من الضروري بالنسبة إلى الشبان الذين بلغوا الثامنة عشرة أن يكونوا ملّمين، على أعتاب الانخراط في مهنة مهما كانت بالمشاكل الحالية للاقتصاد والمجتمع والنزاعات الثقافية الكبرى في العالم وتعدّد الحضارات؛ أي أن يكونوا بلغة أبسط؛ قادرين على قراءة جريدة يومية إخبارية ذات شأن، ويفهم ما يقرأون”.

مضيفا: “لقد وقع مع الأسف للتاريخ المدرسي لأطفالنا ما وقع بالنسبة إلى الرياضيات أو النحو… فما الفائدة من التدريس بالاعتماد على الخيوط وأزرار التبان لتوضيح معنى مجموعة لأطفال في سن العاشرة، بينما النتيجة هي أنهم لن يتقنوا أبداً الحساب العادي، ولن تكون هناك إلاّ قلّة لها القدرة على متابعة الرياضيات العليا لاحقاً؟ قلبت الألسنية رأساً على عقب النحو كما تقلّب نواجذ الخنزير حقل البطاطس. لقد كسته بغلالةٍ من اللغة المتعالمة والمعقّدة والمبهمة، وغير الملائمة تماماً، وهذا هو الأدهى”. ليخلص إلى أنه “لم يسبق أن أهمل النحو ورسم الكلمات مثلما هو عليه الحال اليوم! لكن، لا الألسنية ولا الرياضيات العليا ولا التاريخ الطليعي هي المسؤولة عن هذه الانزلاقات، فهي تقوم بما ينبغي عليها القيام به من دون الالتفات إلى ما يجب أن يدرّس مما يجب ألاّ يدرس في هذه السنّ أو تلك”.

معتبراً أن “المسؤول هو على وجه التدقيق الطموح الثقافي للمبرمجين. إنّهم يريدون المضي إلى بعيد، وأنا ممتن لهذا الطموح الذي يحدوهم، لكن عليهم أن يكونوا متواضعين بالنسبة إلى الذين هم عهدتهم وذلك حتى عندما تعترضهم صعوبات عند الإنجاز”.

ووعيا من بروديل بالأهمية القصوى للتاريخ وتدريسه يستنتج “أن التاريخ يشكّل العنصر الذي من دونه لا يمكن لأي وعي وطني أن يتكوّن، والوعي الوطني هو العنصر الذي من دونه لا يمكن لأيّ ثقافة طريفة أو أي حضارة حقيقية أن تتشكّل”.

وقد جاءت محتويات الكتاب على الشكل التالي:

مقدمة: التاريخ والزمن الراهن.

أولا: قواعد لغة الحضارات.

الفصل الأول: تغيرات اللغة.

الفصل الثاني: الحضارة تعرف بالاستناد إلى مختلف علوم الإنسان.

الفصل الثالث: الحضارات هي استمراريات.

ثانيا: الحضارات غير الأوروبية.

الجزء الأول: الإسلام والعالم الإسلامي.

الفصل الأول: ما يعلّمنا التاريخ.

الفصل الثاني: ما تعلّمنا الجغرافيا.

الفصل الثالث: عظمة الإسلام وانكفاؤه (القرون: 8-18).

الفصل الرابع: الإسلام وانبعاثه الراهن.

الجزء الثاني: القارة السوداء.

الفصل الأول: الماضي.

الفصل الثاني: أفريقيا السوداء: اليوم وغداً.

الجزء الثالث: الشرق الأقصى.

الفصل الأول: مدخل إلى الشرق الأقصى.

الفصل الثاني: الصين الكلاسيكية.

الفصل الثالث: صين الأمس وصين اليوم.

الفصل الرابع: هند الأمس وهند اليوم.

الفصل الخامس: شرق أقصى بحري: الهند الصينية، أندونيسيا، الفليبين، كوريا، اليابان.

الفصل السادس: اليابان.

ثالثا: الحضارات الأوروبية.

الجزء الأول: أوروبا.

الفصل الأول: المجال والحريات.

الفصل الثاني: المسيحية والإنسانوية والفكر العلمي.

الفصل الثالث: تصنيع أوروبا.

الفصل الرابع: وحدات أوروبا.

الجزء الثاني: أمريكا.

الفصل الأول: العالم الجديد الآخر: أمريكا اللاتينية.

الفصل الثاني: أمريكا بامتياز: الولايات المتحدة.

الفصل الثالث: الظلال والمصاعب بين الأمس واليوم.

الفصل الرابع: عبر العالم الإنجليزي.

الجزء الثالث: أوروبا الأخرى.

الفصل الأول: من البدايات إلى ثورة تشرين الأول/أكتوبر 1917.

الفصل الثاني: الاتحاد السوفياتي من 1917 إلى أيمنا هذه.

ذ. خالد رابح

باحث مساعد بالوحدة البحثية للإحياء

المحرر التنفيذي والمشرف على التحيين التقني للموقع الإلكتروني للوحدة البحثية للإحياء-الرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق