مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةقراءة في كتاب

قراءة في كتاب مفردة نافع

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيــد: 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛

لما صدر كتاب “مفردة نافع” للإمام أبي عبد الله محمد بن شريح الإشبيلي ت‍476ه‍، عن مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة –مراكش-، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، بدراسة وتحقيق الباحثَيْن المقرئين المجودين: سمير بلعشية ومحمد نافع –بارك الله في علمهما وتقبل منهما-، اقترح خبير المركز ومستشاره أستاذنا الدكتور عباس أرحيلة –حفظه الله وبارك فيه-، أن تخصص لكل كتاب يصدر عن المركز جلسة احتفائية به، يعرض فيها الباحثون بالمركز تأملاتهم وملحوظاتهم، للكتاب وعليه، تعميما لفائدته، وتقويما لشاردته…. فكنت ممن بادر إلى ذلك، فأدليت بدلوي في الموضوع، وعرضت على الباحثين ما لاح لي بين مخطوطه والمطبوع، عسى الله أن يدخر لي خالصه إبان الرجوع. ثم بعد ذلك، اقترح عليّ أيضا أستاذنا الخبير أن يكون لهذا العمل في الموقع وقوع.

وكتاب “مفردة نافع” بدراسة وتحقيق الأستاذين الباحثين: سمير بلعشية ومحمد نافع، طبعته دار أبي رقراق للطباعة والنشر-الرباط، الطبعة الأولى 1432ه‍-2011م.

لا يختلف المطلعون عليه أنه كتاب ذو أهمية بالغة، نظرا لمكانة مؤلفه في المقرئين، ولظرفيتيه: الزمانية المتقدمة –القرن الهجري الخامس-، والمكانية الأندلسية الإشبيلية. ثم إن مفردته من صنف الكتب الأصول المختصرات، التي يضعها العلماء عادة للحفظ، ضبطا للرواية وأداء لها….

وقد أجاد الباحثان المقتدران في تحقيق نص الكتاب، وضبط مشكله، وترقيمه وتفقيره، بما يقربه من مراد مؤلفه منه، مبنى ومعنى. وأتماه بدقيق التعليق على مباحثه، بما يريانه محققا للفائدة، مجليا للإشكال. يقدم ذلك كله درسُ الكتاب في مباحث معيّنة، عن المؤلف، والكتاب، وعلاقته بما شاكله ….

ثم ختما الكتاب –مشكورَين- بكشافات على مصطلحاته، ومصادره ومراجعه، وموضوعاته ومحتوياته.

وأذكر هنا نص ما لخص الباحثان فيه جملة أعمالهما في دراسة الكتاب، قالا: “وبعد مقتضيات التحقيق جاء كتابنا هذا في قسمين:

جعلنا الأول منهما تقدمة للنص المحقق؛ عرضنا فيه حياة ابن شريح، ومشيخته، وتلامذته، ومؤلفاته؛ ومكانته العلمية وثناء العلماء عليه.

وخصصنا فصلا فيه للحديث عن الكتاب من حيث تحقيق نسبته إلى ابن شريح، ومن حيث موضوعه ومنهج المؤلف فيه.

وكانت لنا وقفة متأنية مع اختيارات ابن شريح في كتابه هذا. ولتعميق هذا الجانب قمنا بمقارنتين:

الأولى بين كتاب المفردة وكتاب الكافي.

والثانية بين كتاب المفردة والمقروء به من طريق حرز الأماني ووجه التهاني” (مفردة نافع: 2-3).

ورغبة مني في الاستفادة من الكتاب قريبا، ونزولا عند اقتراح أستاذنا الدكتور عباس أرحيلة مجيبا، وضعت هذه الملحوظات بعد قراءتي للكتاب، استوقفتني ! فأبديت فيما بدا لي منها مقترحا، واستفهمت واستوضحت فيما لم يتضح لي فيها استيضاحا. فهي تأملات مطالع، لعل الباحثَين يجدان فيها إشارات إلى هدى. –وفق الله الجميع-.

وقد رتبتُ هذه الملحوظات، بعد تقسيمها قسمين: الأول: حول الدراسة، والآخر: حول النص المحقق؛ فعرضتها حسب ورودها في الكتاب، بذكر رقم الصفحة، أتبعه بما وقع عليه النظر في الكتاب، ثم أذكر وجهة نظري فيه، اقتراحا، أو استفسارا.

وهذا أوان الشروع في المطلوب، نسأل الله الرشد والسداد، عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير.

القسم الأول: ملحوظات حول الدراسة:

الفصل الأول: لمحة إلى حياة

1. ص6: في مبحث اسم المؤلف ونسبه: ذكر الباحثان اسم المؤلف ونسبه، ثم نسبته، وشيئا من صفاته العلمية، فكنيته …. 

والأنسب -والله أعلم- تقديم الكنية على النسبة والصفة العلمية، وضمها إلى الاسم والنسب. 

2. ص7:  قول الباحثين: “المبحث الثاني: ولادته ونشأته ورحلته إلى المشرق”؛ وقد أتيا فيه بما يفيد أطراف المبحث، ثم ختماه بذكر تاريخ وفاته ومكانها والدفن.

فكان من الأنسب –أيضا- إضافة عنصر “الوفاة” إلى عنوان هذا المبحث. 

الفصل الثاني: مع كتاب المفردة

3. ص25: جاء الباحثان الفاضلان في العنوان “أ” من المبحث الثاني: موضوع المفردة ومنهج المؤلف فيها، والذي خصصاه للتعريف بلفظ “المفردة” ولموضوعها، جاءا فيه بتعريف مركز مفيد، وموضِح لمدلول هذا المصطلح عند القراء. 

غير أن لي في كيفية تناولهما لبنائه ملاحظ، وهي:

  لم يبين الباحثان أصل الكلمة ومعناها معجميا.

  لم يبين الباحثان تاريخ استعمال هذا اللفظ كاصطلاح عند القراء، على ما دل عليه عندهم، أو على الأقل أقدمَ من وقفوا له على استعماله للكلمة بهذا المعنى الاصطلاحي.

  لم يذكر الباحثان معتمدهما في صياغتهما للتعريف كما أورداه، أو بعضا ممن عرفه بنحو ما عرفاه به.

  وقول الباحثين في التعريف: “ويطلق عليها النسخة أو المجردة”؛ كان الأولى بيان من أطلق هاتين التسميتين على المفردة.

4. ص29: في العنوان “ب” -من المبحث الثاني أيضا- المتعلق بمنهج المؤلف في المفردة، أثناء بيان الباحثين هذا المنهج، جاء قولهما: “كما أنه –رحمه الله- التزم شرط الاختصار في تأليفه، حيث إنه لم يتعرض لتعليل الأحكام أو توجيهها…”.

لعل الباحثين بهذا النفي، يقصدان الغالب؛ وإلا ففي الكتاب –حسب رأيي- تعليلات وتوجيهات، وإن كانت قليلة معدودة، كان يحسن لندرتها تجليتها وإبرازها، -كما جلِّيت تعريفاته لبعض المصطلحات على قلتها أيضا- وهذه التعليلات بحسبي نوعان: صريحة وضمنية:

أما الصريحة؛ فقد قال المؤلف رحمه الله في ص58، في باب البسملة، بين السورتين لورش: “وأنا مخير القارئ في الفصل وتركه. والاختيار: البسملة لفضلها“.

وقال أيضا في ص107، في حديثه عن الوقف على أواخر الكلم لورش: “واختار الحذاق من أهل القراءات الوقف لجميع القراء بالروم والإشمام، ليعرف إعراب الكلمة“.

غلاف كتاب المفردة

وأما الضمنية؛ ففي قول المؤلف في ص85، عند الكلام عن الراء المتطرفة المكسورة عرَضا بالوصل، وتحركَ ما قبلها بالفتح أو الضم أو الكسر؛ فبيّن أن الوقف على هذا الفصل بالتفخيم، سوى ما سبق بالكسر فبالترقيق، ثم قال: “وقف له قوم على هذا الفصل كله بالترقيق كالوصل، واستثنوا….”؛ فقوله: “كالوصل”، قد يفهم منه نوع من التعليل، وهو ما يعبر عنه النحويون بالإجراء، وهو هنا إجراء للوقف مجرى الوصل. والله أعلم.

ومثله أيضا، قول المؤلف ص102، وهو يتحدث عن نحو: “مفترًى وقرًى” ترقيقا وتفخيما لورش، فقال: “واختلف عنه في الوقف: فبعض وقف على هذا الباب كله بالتفخيم كالوصل، …”.

5. ص30: أدرج الباحثان ضمن مبحث اختيارات ابن شريح في المفردة، استثناءه باب “يواخذكم” من قاعدته في مد البدل لورش. 

وفي إدراجه ضمن الاختيارات نظر، وذلك أن كافة القراء نصوا على استثنائه، واقتصروا فيه على ترك المد. وما ذكره الشاطبي فيه من الخلاف، وتبعه عليه ابن بري، لا يقوى أمام إجماع القراء على ترك مده. فاعتباره اختيارا لهذا فيه نظر. والله أعلم. ينظر شرح المنتوري 1/215 وبعدها، والنشر 1/340. 

6. ص30: جاء في قول الباحثَين في الاختيارات أيضا: “- مد البدل في ,سوءات, و,سوءاتهما,. – مد ألف الوصل عند الابتداء بها، نحو: ,ايذن لي, و,اوتمن,”. 

ومن خلال تتبعي للنص المحقق والتأمل فيه، تبيّن أن مراد المؤلف من اصطلاحه “مد” هو الإشباعُ والطول؛ وذلك لأنه عطفه على مد ورش حروف المد واللين قبل الهمزة، المعلومِ له فيه الطول، لا غير –كما بين ذلك الباحثان مشكورين في الهامش1 من الصفحة59-؛ فكان حريا بالباحثَين تبيين هذا المصطلح بقيد أو شرح، وهما يعرضان اختيارات المؤلف في هذه المسألة. دون الاكتفاء بعبارته -المستلة من السياق- التي قد تحتمل عند القارئ أكثر من دلالة. والله أعلم. 

7. ص30: ورد أيضا في مبحث الاختيارات: “إطلاق المد في الياء والواو الساكنتين إذا انفتح ما قبلهما وكانت بعدهما همزة، نحو: ,شَيء, و,السَّوء,…”. 

ففي قول الباحثَين: “إطلاق المد”، إبهام للمراد بالمد؛ مرتبةً أو أكثر؟ والمؤلف قد “أطلق المد” –حسب تعبير الباحثين- في الاختيارين السابقين –أيضا-، فما وجه قولهما في السابقَين: “مد البدل…” و”مد ألف الوصل عند الابتداء بها…”، وقولهما هنا: “إطلاق المد…”؟ هل يقصدان المغايرة، أم أنه لا فرق بينهما؟ وعلى كل حال، كلا التعبيرين يحتاج إلى إيضاح. والله أعلم.

8. ص38: لقد عقد الباحثان المجيدان مبحثا نفيسا قارنا فيه بين ما أورده ابن شريح في كتاب المفردة وكتابه الكافي، محاولين تلمس الفروق بين مضمن الكتابين حول قراءة نافع من روايتيه، فظهر لهما –من خلال عرض المقارنة- حقيقة ما بينهما من الانفصال.

ما أريده هنا هو الاستيضاح من الباحثَين الجليلين، في خلاصة المقارنة، هل دلتهما إلى كون الكتابين طريقين مختلفين من طرق المؤلف في روايتيه، كل واحد منهما مستقل عن الآخر؟. أم أن الكتابين أحدهما أصل للآخر، أو مختصر له…؟

لعله سيكون أفيد لو بين الباحثان هذه القضية، لما يترتب عليها من المباحث التي سوف يقوم الباحثان بالتعليق عليها توجيها وتحديدا، اعتمادا على كتاب الكافي.

9. ص38: وفي المبحث نفسه، في العمود الثاني من الجدول، ورد: “الوجهان: المد والتمكين”، ونحو ذلك تحته.

هنا قد يتساءل بعض عوام القراء: الوجهان لمن، لقالون أم لورش أم لهما معا؟. فالأولى تقييد اسم القارئ المراد. –تعميما للفائدة-. 

10. ص46: أثناء بيان الباحثَين الفاضلين خطوات منهجهما في التحقيق، جاء عنهما: “أدرجنا بين معقوفين [ ] ما ليس من صلب النص مما يفيد في تكملة مبناه، وتيسير معناه“.

وهذا ليس من دواعي إدراج ما ليس من النص فيه، وإنما يدرج فيه –على مذهب من يرى جوازه من أهل التحقيق- ما لا بد منه لاستقامة اللفظ والمعنى، ودفع الخلل والغلط عنهما. والملحظ هنا إنما هو على العبارة، لا على الواقع.

11. ص46: في خطوات منهج التحقيق دائما، جاء ترتيب خطوتين من خطوات منهج التحقيق هكذا: “- خرجنا الآيات القرآنية على العد المدني الأخير، مع الاقتصار على ذكر الموضع الأول في متعدد الورود. – رسمنا الكلمات القرآنية على ما يوافق قراءة نافع (رواية ورش أو رواية قالون)”.

والذي أراه مناسبا عكس ترتيبهما، لتعلق رسم الآيات بذات النص وصلبه، وارتباط تخريجها بهامش النص والتعليق عليه. وخدمة النص في ذاته، سابقة على خدمته في غيره. والله أعلم.

12. ص46: جاء في خطوات منهج التحقيق أيضا: “قمنا باستخراج اختيارات ابن شريح في هذه المفردة، ثم قارناها باختياراته في كتابه الكافي، وبما يقرأ به من طريق الحرز”.

يبدو لي –والله أعلم- أن هذه العملية تنتمي إلى أعمال الدراسة على النص المحقق، ولا تدخل ضمن خطوات تحقيق النص كما تعارف عليه أهل التحقيق.

مصادر استعنت بها:

شرح الدرر اللوامع: المنتوري، محمد بن عبد الملك ت‍834ه‍، تح: الصديقي سيدي فوزي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1 . 1421ه‍-2001م.

النشر في القراءات العشر: ابن الجزري، محمد بن محمد ت‍833ه‍، مراجعة: علي محمد الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت، دت.

والحمد لله في الأولى والآخرة. يتبع……

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق