مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

في رحاب توحيد ابن عاشر

إعداد:

د/ عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

د/ مولاي إدريس غازي، باحث بمركز دراس بن إسماعيل. 

قال الناظم رحمه الله:

يجب لله الوجــود والـقدم        كذا البقاء والغنى المطلق عـــــم

وخلفه لخلقه بلا مثـــــال        ووحدة الذات ووصف والفعـال

وقدرة إرادة علم حيـــــاة        سمع كلام بصر ذي واجبـــات

قال الشارح رحمه الله:

 

و(كذا) يجب لذاته تعالى وصفاته الذاتية (البقاء)، وهو الصفة الثالثة، وهو: عدم الآخرية للوجود، أو قل عدم انتهاء الوجود، أو قل انتفاء الآخرية أو الانتهاء للوجود، ووجوب البقاء خاص بذاته تعالى وصفاته الذاتية، وأما المستثنيات السبعة التي لا تفنى وقد تقدمت فبقاؤها جائز لا واجب، بدليل حدوثها وهي باقية بإبقائه لو انقطع إمداده عنها لاضمحلت.

وبما مر في معنى القدم والبقاء في حقه تعالى علم أنه مما لا تدرك العقول كنهه؛ لأنها وإن مدت نظرها في الماضي والآتي إلى ما عسى أن تمد إليه وجدت القدم قبله والبقاء بعده، فتكل وترجع، وكيف يمتد نظرها إلى غير أصل وبداية وغير آخر ونهاية، فالعجز عن الإدراك إدراك كما قال الصديق. وقد عد الحاكم في رواية عن أبي هريرة الباقي في التسعة والتسعين، ومنهم من جعل القدم والبقاء راجعين إلى الوجود الذي هو صفة نفسية، ففسرهما بالوجود المستمر في الماضي إلى غير ابتداء والوجود المستمر في المستقبل إلى غير انتهاء.

ولا يَرِدُ عليه ما أورده في شرح الصغرى من لزوم كونهما صفتين نفسيتين للذات، فيلزم أن لا تُعقل الذات في الخارج بدونهما، مع أنا نتعقل وجود الذات في الخارج، ثم نطلب بالبرهان قدمها وبقاءها؛ لأنا نجيب بأن هذا القائل جعلهما وجودا خاصا، فهما أخص من مطلق الوجود، والذي هو صفة نفسية لا تُعقل الذات في الخارج دونه هو مطلق الوجود الأعم، ولا يلزم من ثبوت وصفٍ ما للأعم من حيث عمومه ثبوته للأخص، فإن الحيوان مثلا الذي هو أعم من الإنسان ثبت له الانقسام إلى ناطق وغيره، ولم يثبت ذلك للإنسان الأخص.

وزعم قوم أن كلا من القدم والبقاء صفة معنى موجودة قائمة بالذات العلية كالعلم والقدرة، ورد بأنه يلزم عليه أن يكونا قديمين باقيين بقدم وبقاء آخرين، وننقل الكلام إلى الآخرين، فيلزم الدور أوالتسلسل. قلت ويلزم منه أيضا قيام المعنى بالمعنى، وفرق بعضهم بينهما فجعل القدم من السلوب والبقاء من المعاني الموجودة، والحق الأول، أي أن كلا منها صفة عدمية، أي تنفي معنى لا يليق بجلاله تعالى، ثم إن وجوب الوجود يستلزم وجوب القدم والبقاء، وكذا قد يوجد اللزوم بين غير ما ذكر من الصفات الآتية، لكن لما كان اللزوم قد يخفى وخطر الجهل في هذا العلم كبير، اعتنوا بتفصيل الصفات والدلالة عليها بالمطابقة إيضاحا واحتياطا ومبالغة في تحلية القلوب بيواقيت الإيمان.

 

شرح العالم العلامة البحر الفهامة شيخ الشيوخ سيدي محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المولود سنة 1172هـ المتوفى بمدينة فاس 17 محرم سنة 1227 هـ على توحيد العالم الماهر سيدي عبد الواحد بن عاشر قدس الله سرهما آمين، ص: 49.

(طبع على نفقة الحاج عبد الهادي بن المكي التازي التاجر بالفحامين)

مطبعة التوفيق الأدبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق