في رثاء أستاذنا الدكتور عبد الله الترغي رحمه الله تعالى

سقيا لربعك عند القبر يؤتنــف == يا من غدا بجميل الذكر يتصف
من ترغة المجد أصل فيك منتسب == فيه المكارمُ والعلياءُ والشرفُ
رحلت عنا، وقد خلَّدْت مفـــخرة == من التآليف، فيها الفكر والطّرفُ
تركت فينا من التحقيق مدرسة == ومن بحوثك، ما يهدي الذي يقف
قد كنت ملجأ أهل العلم ترشدهم == عند اشتباه الرؤى، والرأي مختلف
تحقق القول في مجرى الظنون إذا == ما أحجم الناس عند القول، وانصرفوا
وتخرج الخبء من مكنون ترجمة == إن قصَّرتْ في البيان الكُتْبُ والصُّحُفُ
وبحث غيرك مما شاع مورده == وبحثكم _إن كتبتم_، روضةٌ أُنُفُ
وهمكم في العلا والعلم تصرفه == وهم غيرك للذات ينصرف
أقوالكم حجة، والناس راوية، == إن قلت رأيا، فكل الناس يغترف
تحيي الموات بما تبديه من خبر == عمن مضى، بلباس العلم يلتحف
قد استوى عندك الماضي وحاضره، == فليس عندك إلا الحاضر الأَنِفُ
كأن ربك قد أحيا الذين مضوا == فصرت تبصر، ما تروي وما تصف
"ما كان في هذه الدنيا بنو زمن == إلا وعندك من أخبارهم طرف"1 .
رحلت عنا، وهذا الرزء أجمعه == وغبت عنا، وأنت العالم الكلِف
قد كنت تلهج بالتاريخ تحفظه، == فصرت أنت من التاريخ تتَّصف
كأن علمك بالتاريخ مغترف == من عالم الغيب، سرٌّ فيك ينكشف
لله درك من حَبر وراوية == في قبة العلم والتاريخ معتكف.
لك الفراسة في التاريخ منفردا == كأنها من معين الغيب ترتشف
قد كان علمك بالتاريخ نادرة == وكنت فينا وحيدا ما له خلَف
تحدث الناسَ عن خط، وعن كتب، == وعن وفاة، وعن قوم لهم تُحف
وعن إمام مضى في العلم منفردا، == وعن بلاد لها في الفكر منعطف
وعن أسام لها ضبط قد انفردت == به الرواية، لم تنبئ به الصحف
وعن كتاب، ومخطوط له نبأ، == وعن تقاييد منها العلم يأتلف
وعن خطوط، ونُسَّاخ، وعن طرر == تُمضِي القراءة فيها، ثم لا تقف
جمعت منها رفوفا قد ظفرت بها == فيها النفيس، وحُرُّ المال ينصرف
وتبذل العلم أصنافا لطالبه == وبذل غيرك فيه اللام والألف.
وتخدم العلم في المحراب مختليا == وخلوة العلم فيها العز والشرف.
حييتَ من علم شهم يشيعه == يوم النوى عَبرةُ الأحزان والأسفُ
سقيا لربعك مشمولا برحمته == لله درك من حَبر له الزُّلَفُ.
****
اللهم اغفر وارحمه وارفع درجته في عليين.
ــــــــــــــ
1- البيت للمعري، وتضمينه في هذا الموضع أليق.