الرابطة المحمدية للعلماء

في أصول فهرسة المخطوطات الإسلامية وتحقيقها

د. قاسم السامرائي: أُحذّرُ من دور النشر التي تنشر الغث والمشوه من النصوص التراثية

كان الدكتور قاسم السامرائي، الخبير الدولي في علم الاكتناه، ضيف ركن “حوار حي” الذي يبثه موقع الرابطة المحمدية للعلماء، زوال يوم الخميس 23 يونيو الجاري، للحديث عن أصول فهرسة المخطوطات العربية وتحقيقها.

والدكتور قاسم السامرائي، هو الأستاذ المؤطر للدورة التكوينية التي نظمها مؤخرا مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء، في موضوع: “فهرسة المخطوطات العربية”؛ والتي استهدفت تكوين وإعداد جيل جديد من الباحثين لخدمة تراث هذه الأمة المتفرق في العالم بين المكتبات العامة والخاصة، والمتاحف والمساجد، وصقل مهاراتهم في فنون الفهرسة وأصولها، وإذكاء مواهبهم في التعامل مع المخطوط والنهوض به، وتعريفهم بالمناهج العلمية الكفيلة بحمايته من الإهمال والتلاشي والنسيان.

وارتبطت أسباب تنظيم هذا الحوار مع مشاركة الدكتور قاسم السامرائي في أشغال هذه الدورة العلمية المباركة، وذلك من باب تعميق النقاش حول قضايا المخطوط العربي، وكانت البداية، تتطلب التوقف عند ما يُطلق عليه علم الاكتناه وعلم الفهرسة، معتبرا أن المصطلح الأول (علم الاكتناه) تم وضعه لتوضيح المفاهيم الخاطئة التي اعتورت ما يصطلح عليه الأوربيون بـ”الباليوغرافي” و”الكوديكولوجي”، مع أن بعض المتفرنسين من أبناء جلدتنا، يضيف السامرائي، ما يزالون يستعملون هذين المصطلحين كالبابغاوات؛ لأن هذين المصطلحين مازالا غامضين حتى في المفهوم الأوروبي المعاصر.

وبخصوص علم الفهرسة، وهل هناك أصول عامة في عالم المخطوطات أو معايير متفق عليها، فاعتبر المتدخل الكريم أنه لكل بلد عربي، بل وحتى لكل خزانة من خزائن الكتب بالبلدان العربية المختلفة، بطاقة فهرسة اختلقتها ولفقت موادها، محيلا المتصفح على قائمة نشرها لفهرسة المخطوطات نتيجة عمله الطويل الذي دام أربعين عاما في كتاب “علم الاكتناه العربي الإسلامي”.

وعن واقع تعامل الدول العربية الإسلامية عموما مع موضوع المخطوطات، وهل هناك ثمة وعي حضاري بأهمية هذه المخطوطات أم أن الأمر مقتصر على وعي بعض المهتمين والباحثين وحسب، أكد الدكتور قاسم أن هذا التعامل يكاد أن يصل إلى الحضيض، وذلك لغلبة السياسة على الثقافة، مضيفا أنه مما يعزي النفس أن وعيا بدأ على استحياء ينشأ عند بعض الشباب الجاد في العناية بهذا التراث المهان من أهله قبل غيرهم. ويشاء الله تعالى أن يبعث في قلوب هؤلاء حب هذا التراث لأن يرى أن لا حضارة لأمة إذا لم تهتم بتراثها فلا ماض لأمة ولا حاضر لها إذا لم تهتم بتراثها.

وبخصوص مأزق مطالبة الدول العربية والإسلامية بحق استرجاع هذه المخطوطات الموجودة في المكتبات الأوروبية أو الأمريكانية، فالأمر، ليس له علاقة مرتبطة بتواضع العدة التقنية والعلمية في الوطن العربي والعالم الإسلامي؛ على اعتبار أن هذه الدول التي تحتفظ مكتباتها بالمخطوطات العربية والإسلامية عموما كانت قد اشترتها أو سرقتها من مستعمراتها السابقة، أو أن بعض أثرياء هذه الدول مثل جستر بيتي في أيرلندا، استطاع عبر  سماسرة من العرب والمسلمين أن يشتري كثيرا من النفائس من البلدان العربية والإسلامية بسبب الفقر المتفشي في هذه الدول العربية والإسلامية؛ إضافة إلى أن الوعي بالتراث العربي والإسلامي في هذه الدول العربية والإسلامية كان ولم يزل ضعيفا جدا، ولذلك لا يمكن المطالبة باستعادة هذه المخطوطات لأن الغرب تملكها بالشراء أو بالسرقة، لولا أن لكن الفرق بين هذه الدول التي تحتفظ بتراثنا، وتهيأت السبل للحصول على مصورات لمن يتطلبها، وذلك بدفع ثمن تكاليف التصوير، وهي لا تضع العراقيل الشديدة التي يضعها المهيمنون على خزائن المخطوطات في العالم العربي أو الإسلامي بما في ذلك تركيا والهند وباكستان وغيرها من الدول التي تحتفظ بمجاميع من هذا التراث.

كما أكد الضيف الكريم أنه ليس هناك أية مخاوف من تراجع اهتمام الباحثين والمحققين عموما في الاشتغال على هذه المخطوطات، وإنما هناك معوقات تحبط ولكنها لا تمنع المحققين الجادين من تحقيق المخطوطات والعمل على نشرها، مضيفا أن هذه المعوقات يعرفها كل من اشتغل بالتحقيق، حيث إن الخزائن في العالم العربي والإسلامي تضع معوقات كثيرا، ومعهم المحققين، حيث يعزف بعض هؤلاء المحققين عن التحقيق بسبب هذه المعوقات. مع أن هؤلاء يبذلون من لقمة عيشهم وعيش أطفالهم من الحصول على صورة محفوظة في بعض هذه الخزائن، وقد لا يحصلوا عليها إلا إذا استطاع واسطة.

وأضاف قاسم السامرائي أن هناك أملا متناميا عند محبي هذا التراث للتغلب على كثير من هذه المعوقات لنشر بعض المخطوطات، ملاحظا أن العالم العربي بدأ في وقته الحاضر يعج بدور النشر التي تنشر الغث والمزيف والمصحف والمشوه من النصوص التراثية تطلبا للمال، فهم يعهدون إلى غير المتمرنين على أصول التحقيق، فتكون النتيجة شيوع الأخطاء في هذه الكتب المنشورة، فهي ليست دور نشر أمينة وحريصة على نشر التراث وإنما هي دور الزيف والزغل، ولكن مع كل هذا، يضيف الدكتور قاسم، فإن هناك جلة من العلماء الذين أفنوا أموالهم وأبصارهم، في تحقيق بعض هذا التراث ونشروه محققا للمهتمين به، ولكن أيضا إن هناك معوقات كثيرة لهؤلاء العلماء الأفذاذ، وهذه المعوقات أيضا تقع على عواتق الدول المهتمة إذا كان لها اهتمام بنشر التراث. لأن هؤلاء العلماء الأفذاذ لا يتلقون ما يكافؤون عليه من مال وجهد ووقت بذلوه في الحصول على نسخ النص الذي حققوه، فهم والكثرة الغالبة منهم أفقر من فأر الكنيسة كما يقول المثل الهولندي.

وجاء آخر الأسئلة حول عدد المخطوطات العربية والإسلامية في العالم، حيث اعتبر الضيف الكريم أن هناك آراء كثيرة، منها من يرى أن عددها يجاوز المليون، وبعضها يرى أن عددها الآن قد يصل إلى ثلاثة ملايين بما فيها من مكررات، بين أن الأمر الموثوق منه أن كثيرا من هذه المخطوطات المحفوظة في المكتبات الأوروبية على الخصوص ليس لها فهارس منشورة، وإنما لها نطاقات تعريفية أو قوائم بعناوين المخطوطات الموجودة لديهم وبأسماء مؤلفيها.

ومن باب التفاعل النافع، وضع الدكتور قاسم السامرائي رهن إشارة كل المهتمين عنوان بريده الإلكتروني، وهو التالي: ([email protected])

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق