مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةشذور

عَقِيدَةُ أَهْلِ الإيمَانِ للشيخ الإمام أبي محمد عبد القادر الفاسي

 

تـقـديم:
تناول الشيخ عبد القادر عقيدته الموسومة بـ “أهل الإيمان” على طريقة الأشاعرة، فقد جاءت مختصرة للمبتدئين، مقسمة كعادة أهل الكلام في تقسيم موضوعات العقيدة؛ بدءا بالإلهيات، ثم النبوات، ثم السمعيات، ثم الإمامة التي أشار إليها ضمن حديثه عن أفضلية الصحابة. 
نص العقيدة: [1]
بسم الله الرحمن الرحيم
وصل الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 
قال الشيخ الإمام العالم العلامة المشارك الفهامة ذو الفكر الصائب والذهن الثاقب الشهير الذكر في المشارق والمغارب الصدر الأوحد أبو محمد عبد القادر ابن الفقيه البركة أبي الحسن علي بن الشيخ الإمام محيي الدين أبي المحاسن يوسف الفاسي رضي الله عنهم:
   الحمـد للـه هـادي المؤمنيـن لتوحيـده، ومؤيدهـم بنـور توفيقـه وتسديـده، وصلى الله على سيدنا محمـد، صفوتـه من خلقـه، الساعي في إرشاد عبـيده، وعلى آله وصحبه تعظيما لحقـه واستجلابا لوداده. 
    اعلم أن اللـه أوجب على كل مكلَّف، -وهو العاقل البالغ، الذي بلغتـه دعوة النبوءة-، أن يكون عارفا بما يجب لـه –سبحانه-، وما يستحيل عليـه، وما يجـوز في حقـه. 
    فالواجب له كلُّ كمالٍ؛ فهو موجـود لا يجوز عليه العـدم سابقا ولا لاحقا.
قديـم لا أول له.
 باق لا آخر له.
 لا يشبهـه شيء من الحـوادث؛ فليس بجـرم ولا عرض، ولا في جهـة، ولا في مكان، ولا في زمان، ولا يتحيَّـز. 
مُنـزَّه عن المماسـة والاستقرار والتَّمكـُّن والانتقال والقرب والبعـد.
 لا تَحٌلُّ ذاتـه في شيء.
 ولا يَحُلُّ شيء في ذاتـه.
 ولا يحمله شيء؛ العرش وما حـوى، والملائكـة الحاملـون له محمولـون بقدرتـه، وتحت قهـره وفي قبضتـه، فكل ما يخطـر بالبال، أو يرتسم  في الخيال، من الكَيْفيَّات والأمثال يُنـزَّه عنه الكبيـر المتعال، فـ ﴿ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير﴾[الشورى :11].
 قائم بنفسـه: أي مستقل بذاتـه، لا يحتاج إلى غيـره، فهـو الغني على الإطلاق، قائم على كل نقس بـما كسبت، فهو الحي القيوم.
واحـد في صفاتـه لا يـماثلـه أحد في وصف من أوصاف الكمال، ونعوت الجـلال.
واحـد في أفعاله منفـرد بالخلق والإبداع، مستبد بالإيجاد والاختراع مـن غير معاونـة ولا معالجـة ولا مُؤازرة، فهو خالق الخلق، وخالق أعمالهم، وحركاتـهم وسكناتـهم وجميع أحوالـهم، وليس لغيـره تأثيـر في فعل من الأفعال، بوجه من الوجوه وما يوجد مـن الآثـار عنـد اقتران بعض الأشياء ببعض كوجـود الاحتِراق عند مُمَاسَّـةِ النار للحطب، والشبع عند الأكل، فإن المُشاهَـدَ اقتران النار بالحطب فقط، وكونـها هي أحرقت غير مُشَاهَـدٍ، ولا دل عليـه دليل عقلي، إنـما هو فعل اللـه، ومـن قال إنـما هو فعل النار، فهي شهـادة زور.
واحـد في ملكـه، منفـرد بتدبيـره، فلا مدبـر للعالم غيـره، ولا نافـذ إلا مشيئتـه وأمـره.
موصوف بصفات وجوديـة، قديـمة أبديـة، قائمـة بذاتـه، فهو حي بحياة، بغيـر بنيـة ولا مِزاج.
قادر بقدرة يتيسَّـر بـها إيجاد مقدورات لا تتناهى وإعدامـها.
مريـد بإرادة يتخصص بـها الممكنات ببعض الأحوال الجائزة عليها من الوجود والعـدم والجهـة والأزمنة والأمكنـة وسائـر الأعراض، فلا يقع في ملكـه إلا ما يريـد، من كفـر أو إيـمان أو طاعـة أو عصيان، فكل ذلك مخلوق لـه، ومقدور بتقديـره مخصوص بإرادتـه وتدبيـره.
عالـم بعلم واحـد، كاشف لمعلومات لا نـهاية لـها، كشفا إِحَاطيَّا؛ أحاط بكل شيء علما، وأحصى كلّ شيء عددا، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، يعلم حركـة الـهباء في الهـواء، وهواجس الضمائر، وتقلبات الخواطـر، وخفيات السرائـر، ويعلم ما كان وما يكـون، وما لـم يكن أن لو كان كيف يكون.
سميـع لا بِصِمَاخِِ وأذن، بل بسمع لا يعزب عنـه مسموع.
بصيـر لا بحدقـة وأجفان، بل ببصـر لا يغيب عنـه مرئيٌّ، ولا يحجبـه بُعد ولا قرب ولا ظـلام من غيـر مقابلـة ولا انبعاث أشعة، ولا يختص سمعـه بالأصوات، ولا بصـره بالأجرام والألوان والاجتماع والافتراق والحركة والسكـون، بل يسمع ويرى جميـع الموجودات  مـن الذوات والصفات الواجبات والجائزات، الظاهرات والخفيات، يسمع ويرى دبيب النملـة السوداء في الليلـة الظلماء على الصخرة الصمـاء.
متكلم بكلام ليس بحرف ولا صوت ولا يعتريـه سكوت ولا تقديم، ولا تأخير ولا ترتيب ولا تبعيض ولا انقطاع؛ إذ صفاتـه لا تشبـه صفات المخلوقين، كما أن ذاتـه لا تشبـه ذوات المخلوقين.
والمستحيل عليـه ما ينافي ما تقدم، كالابتداء والانقضاء والمشابهة لخلقه ووجود شريك له، وما يمنع الادراك كالموت والعمى والصمم، وما يـمنع الأفعال كالجهل والعجز، وعـدم التخصيص للممكنات، بأن لا يكون  مريدا مختارا لفعلـه، وما يمنع الكلام كالخرس.
والجائـز في حقـه –تعالى-، خلق المخلوقات وإعدامها، فهـو متفضل بالخلق والاختراع والتكليف والإنعام والإحسان والإصلاح بلا لزوم وإيجاب، فإنـه لا مُكِرِهَ له، بل فاعل مختار، إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل. بيده الهدايـة والإضلال والتوفيق والخذلان، فكل نعمة منـه فضل، وكل نقمة منـه عـدل، لا يوصف بالظلم و لا بالجور، إذ لا يصادف تصرفـه ملكا لغيـره حتى يكون ظلما لأن كل ما سواه من العرش إلى الفرش من جميع المخلوقات ملك لـه، فتصرفـه فيه، تصرف المالك في ملكـه: ﴿لا يسأل عمّا يفعل، وهم يسألـون﴾.
وتفضل ببعث الرسل من عباده أوحى إليهم شريعته وأحكامـه وأمرهـم بتبليغ الخلق أوامـره ونواهيـه وتحذيرهم مـن غضبـه وعقابـه، وتوجيههم إلى مولاهم، لتحصيل رضاه وثوابـه.
 وأيّـدهم بالمعجزات الخـوارق للعادات الدالـة على صدقهم.
 وعصمهم مـن الذنـوب كبارها وصغارها، الظاهرة والباطنـة قبـل النبوة  وبعدها، على الصحيـح مـن الأقوال، ومـن الغفلـة والشغل بغيـر اللـه –تعالى-، ومـن ميـل القلوب لشيء مـن زخرف الدنيا ومـن كـل جهل جلي أو خفي، ومن الكذب والخيانـة واتباع الباطل، والغش، وكتمان شيء من الوحي المأمـور بتبليغـه.
وشـرط الرسالـة: الذكـورة، وكمال العقل، والذكاء، والفطنـة، وقـوة الرأي، وشرف النسب، والسلامـة مـمّا ينفـر؛ كالفظاظـة، ووصف الآباء بالزنا والبرص والجذام والجنون والإغماء الطويل، ومـما يخل بالمروءة كالحرف الدَّنِيـَّة، كالحجامة، أو يُخل بحكمة البعثـة، كالعمى على الصحيح والصّمم والبكم.
والواجب في حقهم -عليهم الصلاة والسلام-: الصـدق، والأمانـة، والتبليـغ والنصيحـة.
والجائـز عليهم، الأوصاف البشريـة التي لا نقص فيها ولا تنفيـر؛ كالأمراض، والنوم والأكـل، والشرب والنكاح.
وما تلبسوا بـه من الأمـور المباحـة ليسـوا فيها كغيرهم؛ إذ هي قربـة في حقهم.
ويجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين والكتب المنزلـة من غير حصـر؛ إذ لم يصح عـدد الكتب والأنبياء. وما ثبت من الكتب والأنبياء بالإجماع فجاحده كافر.
وأن سيدنا  ونبينا ومولانا محمدا -صلى الله عليه وسلم-، خاتم النبيين والمرسلين، وأنـه أفضل الخلق بالإجماع، مرسـل إلى الجـن والإنس، وفي الملائكـة خلاف، وأن القرآن بالتعبين منـزل عليه.
ويجب تصديقهم فيما أخبـروا بـه مـن وجود الجـن وأنـهم مكلَّفون مثابون معاقبون، ومـن وجود الملائكـة، وهم عباد مكرمـون، لا تجوز في حقهم المعصيـة؛ لعصمتهم، ليسوا بذكـور ولا إناث، ومـن بعث الخلق بعد الموت بأجسادهم، التي كانوا بـها في الدنيا، للحساب والثواب والعقاب، وكالجنـة والنار وأنهما  مخلوقتان موجودتان الآن دائمتان، وكسـؤال الملكيـن في القبـر، لكل مـن يجري عليـه أحكام الإسـلام، ولو منافقا، واختلف في مظهر الكفر، والملكان: منكـر ونكيـر، وقيل: يسأل المؤمـن مبشـر وبشيـر. وكرؤيـة المؤمنيـن ربّـهم بلا تكييف، والحوض، والصـراط، ووزن الأعمال بـميزان، وأخـذ صحف الأعمال، وشفاعـة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- وسائـر المؤمنيـن. ونفوذ الوعيـد في طائفـة مـن المؤمنيـن بدخول النار، وعـدم خلـود المؤمنيـن في النار.
والمـوت فعل اللـه، وإن وقع عند سبب مـن الخلق.
وكل أحـد ميّت بأجلـه المقدور له.
ويقبض الأرواح «عزرائيـل» بإذن اللـه. 
وعلى كل مكلَّف حفظـة من الملائكـة يكتبون الأعمال.
والأرواح بعـد الموت باقية، ولا فناء لـها على الصحيـح، وقيـل: تفنى عند القيامـة، ثم ترجع للأجساد، وقبل القيامـة منعمـة أو معذبـة.
والكافر مخلَّـد في النار؛ ﴿إن اللـه لا يغفر أن يشرك بـه﴾[ النساء :48].
والمؤمـن العاصي المرتكب للكبائـر في المشيئـة، ولا نقطع على معيـن بالنار.
ولا تحبـــط السيئـة الحسنـة، ولا تسقـط الكبيـرة بالحسنـة، بل بفضـل اللــه أو بالتوبــة: وهي النـدم على المعصيـة من أجل أنـها مبعـدة عـن رضـوان اللـه مقربـة مـن سخطـه، ولا تتحقـق إلا بالإقلاع عـن المعصيـة والعـزم على  أن لا يعود أبدا، ومبـادرة قضاء ما ضيّعـه مـن حقوق اللـه وحقوق العباد.
وأعظـم شيء يعيـن عليها: مجانبـة خلاط السّـوء، ولا سيما الذيـن اشترك معهم في المعصيـة، وموالاة أبناء الآخرة مـمن تذكره بالله رؤيتـه، وتنهض بالله حالته ومخالطته، وهم أولياء اللـه، الذين يخشَعون ويخشِّعون.
ولا يُكفّـر أحـد مـن المؤمنيـن بارتكاب ذنب، إلا إذا جحـد ما علم مجيء الرسـول -صلى الله عليه وسلم- بـه ضـرورة، فالإيمان: تصديـق الرسـول فيما أخبـر بـه وتكذيبـه كفـر.
    ولا نعيـن أحـدا للجنـة إلا الأنبياء ومـن شهـد لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومـن ذلك الأولياء المشاهيـر وأئمـة الملـة الذيـن اجتمعت الأمـة على قبولهم وتقليدهم، فإجماع الأمـة معصـوم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (من أثنيتم عليه بخيـر وجبت له الجنـة)[2].
والذنوب كبائـر وصغائـر، والصغائـر تُـمحى باجتناب الكبائر وبالحسنات.
ولا نقول بلزوم الموازنـة بين الحسنات والسيئات، بل العبـد إذا أتى بحسنات أمثال الجبال، ولـه مخالفـة واحـدة فهو مرهـون بـها، إما أن يعفـو اللـه عنـه أو يؤاخـذه بـها ثم يخرج من النار.
وللساعة علامات أخبـر بـها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كخـروج الدجال الأعور الكذاب، وطلـوع الشمس من مغربـها، وخـروج الدابـة، وظهـور المهـدي الفاطمي، من ولـد فاطمـة -رضي اللـه عنها-، يـملأ الأرض عـدلا، ونزول عيسى بن مـريم -عليه السلام- بالشام مجددا لهذه الملة غيـر ناسخ لها، حاكما بكتاب اللـه كالخليفة للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع قيام وصف النبـوءة بـه، فيكسـر الصليب ويقتل الخنزيـر، ويبطل الجزيـة فلا يقبل إلا الإيمان.
والصحابي: المؤمـن الذي اجتمع مـع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكلهـم عـدول، وهـم أفضـل مـن سائـر  البشر بعد النبيئيـن، وأفضلهم: أبو بكـر، ثم عمـر، ثم عثمان، ثم علي، ثم باقي العشـرة، ثم بعـد ذلك بينهم تفضيل.
وأفضـل القـرون قـرن الصحابة، ثم الذيـن بعدهم، ثم الذيـن بعدهم، وهـذه الأمـة أفضل الأمم.
فهـذا سـرد عقيـدة أهل الإيـمان، موضوعة لمن أراد تعليمها للنساء والصبيان، مصونة عن شُبـه أهل الزيغ والخـذلان، خاليـة عن تقريـر الدليل والبرهان، قابلها الله بالقبول والرضـوان، وأتحف عبـده البائس المنكسـر بالعفـو والغفـران، والحمـد للـه على توالي الفضـل والامتنان، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمـد وعلى آلـه وأصحابـه والتابعيـن لهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمـد للـه رب العالميـن. 
———————–                                                                              
الهوامش:
1- مقتطف من كتاب: الرسائل الإيمانية والذخائر الاعتقادية لأئمة أهل السنة والجماعة السنية، جمعـها واعتنى بها  نزار حمادي ، ص: 33.
2-  أخرجه  مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى.
                                                                                            إعداد: حفصة البقالي

تـقـديم:

تناول الشيخ عبد القادر عقيدته الموسومة بـ “أهل الإيمان” على طريقة الأشاعرة، فقد جاءت مختصرة للمبتدئين، مقسمة كعادة أهل الكلام في تقسيم موضوعات العقيدة؛ بدءا بالإلهيات، ثم النبوات، ثم السمعيات، ثم الإمامة التي أشار إليها ضمن حديثه عن أفضلية الصحابة. 

نص العقيدة: [1]

بسم الله الرحمن الرحيم

وصل الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

قال الشيخ الإمام العالم العلامة المشارك الفهامة ذو الفكر الصائب والذهن الثاقب الشهير الذكر في المشارق والمغارب الصدر الأوحد أبو محمد عبد القادر ابن الفقيه البركة أبي الحسن علي بن الشيخ الإمام محيي الدين أبي المحاسن يوسف الفاسي رضي الله عنهم:

   الحمـد للـه هـادي المؤمنيـن لتوحيـده، ومؤيدهـم بنـور توفيقـه وتسديـده، وصلى الله على سيدنا محمـد، صفوتـه من خلقـه، الساعي في إرشاد عبـيده، وعلى آله وصحبه تعظيما لحقـه واستجلابا لوداده. 

    اعلم أن اللـه أوجب على كل مكلَّف، -وهو العاقل البالغ، الذي بلغتـه دعوة النبوءة-، أن يكون عارفا بما يجب لـه –سبحانه-، وما يستحيل عليـه، وما يجـوز في حقـه. 

    فالواجب له كلُّ كمالٍ؛ فهو موجـود لا يجوز عليه العـدم سابقا ولا لاحقا.

قديـم لا أول له.

 باق لا آخر له.

 لا يشبهـه شيء من الحـوادث؛ فليس بجـرم ولا عرض، ولا في جهـة، ولا في مكان، ولا في زمان، ولا يتحيَّـز. 

مُنـزَّه عن المماسـة والاستقرار والتَّمكـُّن والانتقال والقرب والبعـد.

 لا تَحٌلُّ ذاتـه في شيء.

 ولا يَحُلُّ شيء في ذاتـه.

 ولا يحمله شيء؛ العرش وما حـوى، والملائكـة الحاملـون له محمولـون بقدرتـه، وتحت قهـره وفي قبضتـه، فكل ما يخطـر بالبال، أو يرتسم  في الخيال، من الكَيْفيَّات والأمثال يُنـزَّه عنه الكبيـر المتعال، فـ ﴿ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير﴾[الشورى :11].

 قائم بنفسـه: أي مستقل بذاتـه، لا يحتاج إلى غيـره، فهـو الغني على الإطلاق، قائم على كل نقس بـما كسبت، فهو الحي القيوم.

واحـد في صفاتـه لا يـماثلـه أحد في وصف من أوصاف الكمال، ونعوت الجـلال.

واحـد في أفعاله منفـرد بالخلق والإبداع، مستبد بالإيجاد والاختراع مـن غير معاونـة ولا معالجـة ولا مُؤازرة، فهو خالق الخلق، وخالق أعمالهم، وحركاتـهم وسكناتـهم وجميع أحوالـهم، وليس لغيـره تأثيـر في فعل من الأفعال، بوجه من الوجوه وما يوجد مـن الآثـار عنـد اقتران بعض الأشياء ببعض كوجـود الاحتِراق عند مُمَاسَّـةِ النار للحطب، والشبع عند الأكل، فإن المُشاهَـدَ اقتران النار بالحطب فقط، وكونـها هي أحرقت غير مُشَاهَـدٍ، ولا دل عليـه دليل عقلي، إنـما هو فعل اللـه، ومـن قال إنـما هو فعل النار، فهي شهـادة زور.

واحـد في ملكـه، منفـرد بتدبيـره، فلا مدبـر للعالم غيـره، ولا نافـذ إلا مشيئتـه وأمـره.

موصوف بصفات وجوديـة، قديـمة أبديـة، قائمـة بذاتـه، فهو حي بحياة، بغيـر بنيـة ولا مِزاج.

قادر بقدرة يتيسَّـر بـها إيجاد مقدورات لا تتناهى وإعدامـها.

مريـد بإرادة يتخصص بـها الممكنات ببعض الأحوال الجائزة عليها من الوجود والعـدم والجهـة والأزمنة والأمكنـة وسائـر الأعراض، فلا يقع في ملكـه إلا ما يريـد، من كفـر أو إيـمان أو طاعـة أو عصيان، فكل ذلك مخلوق لـه، ومقدور بتقديـره مخصوص بإرادتـه وتدبيـره.

عالـم بعلم واحـد، كاشف لمعلومات لا نـهاية لـها، كشفا إِحَاطيَّا؛ أحاط بكل شيء علما، وأحصى كلّ شيء عددا، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، يعلم حركـة الـهباء في الهـواء، وهواجس الضمائر، وتقلبات الخواطـر، وخفيات السرائـر، ويعلم ما كان وما يكـون، وما لـم يكن أن لو كان كيف يكون.

سميـع لا بِصِمَاخِِ وأذن، بل بسمع لا يعزب عنـه مسموع.

بصيـر لا بحدقـة وأجفان، بل ببصـر لا يغيب عنـه مرئيٌّ، ولا يحجبـه بُعد ولا قرب ولا ظـلام من غيـر مقابلـة ولا انبعاث أشعة، ولا يختص سمعـه بالأصوات، ولا بصـره بالأجرام والألوان والاجتماع والافتراق والحركة والسكـون، بل يسمع ويرى جميـع الموجودات  مـن الذوات والصفات الواجبات والجائزات، الظاهرات والخفيات، يسمع ويرى دبيب النملـة السوداء في الليلـة الظلماء على الصخرة الصمـاء.

متكلم بكلام ليس بحرف ولا صوت ولا يعتريـه سكوت ولا تقديم، ولا تأخير ولا ترتيب ولا تبعيض ولا انقطاع؛ إذ صفاتـه لا تشبـه صفات المخلوقين، كما أن ذاتـه لا تشبـه ذوات المخلوقين.

والمستحيل عليـه ما ينافي ما تقدم، كالابتداء والانقضاء والمشابهة لخلقه ووجود شريك له، وما يمنع الادراك كالموت والعمى والصمم، وما يـمنع الأفعال كالجهل والعجز، وعـدم التخصيص للممكنات، بأن لا يكون  مريدا مختارا لفعلـه، وما يمنع الكلام كالخرس.

والجائـز في حقـه –تعالى-، خلق المخلوقات وإعدامها، فهـو متفضل بالخلق والاختراع والتكليف والإنعام والإحسان والإصلاح بلا لزوم وإيجاب، فإنـه لا مُكِرِهَ له، بل فاعل مختار، إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل. بيده الهدايـة والإضلال والتوفيق والخذلان، فكل نعمة منـه فضل، وكل نقمة منـه عـدل، لا يوصف بالظلم و لا بالجور، إذ لا يصادف تصرفـه ملكا لغيـره حتى يكون ظلما لأن كل ما سواه من العرش إلى الفرش من جميع المخلوقات ملك لـه، فتصرفـه فيه، تصرف المالك في ملكـه: ﴿لا يسأل عمّا يفعل، وهم يسألـون﴾.

وتفضل ببعث الرسل من عباده أوحى إليهم شريعته وأحكامـه وأمرهـم بتبليغ الخلق أوامـره ونواهيـه وتحذيرهم مـن غضبـه وعقابـه، وتوجيههم إلى مولاهم، لتحصيل رضاه وثوابـه.

 وأيّـدهم بالمعجزات الخـوارق للعادات الدالـة على صدقهم.

 وعصمهم مـن الذنـوب كبارها وصغارها، الظاهرة والباطنـة قبـل النبوة  وبعدها، على الصحيـح مـن الأقوال، ومـن الغفلـة والشغل بغيـر اللـه –تعالى-، ومـن ميـل القلوب لشيء مـن زخرف الدنيا ومـن كـل جهل جلي أو خفي، ومن الكذب والخيانـة واتباع الباطل، والغش، وكتمان شيء من الوحي المأمـور بتبليغـه.

وشـرط الرسالـة: الذكـورة، وكمال العقل، والذكاء، والفطنـة، وقـوة الرأي، وشرف النسب، والسلامـة مـمّا ينفـر؛ كالفظاظـة، ووصف الآباء بالزنا والبرص والجذام والجنون والإغماء الطويل، ومـما يخل بالمروءة كالحرف الدَّنِيـَّة، كالحجامة، أو يُخل بحكمة البعثـة، كالعمى على الصحيح والصّمم والبكم.

والواجب في حقهم -عليهم الصلاة والسلام-: الصـدق، والأمانـة، والتبليـغ والنصيحـة.

والجائـز عليهم، الأوصاف البشريـة التي لا نقص فيها ولا تنفيـر؛ كالأمراض، والنوم والأكـل، والشرب والنكاح.

وما تلبسوا بـه من الأمـور المباحـة ليسـوا فيها كغيرهم؛ إذ هي قربـة في حقهم.

ويجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين والكتب المنزلـة من غير حصـر؛ إذ لم يصح عـدد الكتب والأنبياء. وما ثبت من الكتب والأنبياء بالإجماع فجاحده كافر.

وأن سيدنا  ونبينا ومولانا محمدا -صلى الله عليه وسلم-، خاتم النبيين والمرسلين، وأنـه أفضل الخلق بالإجماع، مرسـل إلى الجـن والإنس، وفي الملائكـة خلاف، وأن القرآن بالتعبين منـزل عليه.

ويجب تصديقهم فيما أخبـروا بـه مـن وجود الجـن وأنـهم مكلَّفون مثابون معاقبون، ومـن وجود الملائكـة، وهم عباد مكرمـون، لا تجوز في حقهم المعصيـة؛ لعصمتهم، ليسوا بذكـور ولا إناث، ومـن بعث الخلق بعد الموت بأجسادهم، التي كانوا بـها في الدنيا، للحساب والثواب والعقاب، وكالجنـة والنار وأنهما  مخلوقتان موجودتان الآن دائمتان، وكسـؤال الملكيـن في القبـر، لكل مـن يجري عليـه أحكام الإسـلام، ولو منافقا، واختلف في مظهر الكفر، والملكان: منكـر ونكيـر، وقيل: يسأل المؤمـن مبشـر وبشيـر. وكرؤيـة المؤمنيـن ربّـهم بلا تكييف، والحوض، والصـراط، ووزن الأعمال بـميزان، وأخـذ صحف الأعمال، وشفاعـة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- وسائـر المؤمنيـن. ونفوذ الوعيـد في طائفـة مـن المؤمنيـن بدخول النار، وعـدم خلـود المؤمنيـن في النار.

والمـوت فعل اللـه، وإن وقع عند سبب مـن الخلق.

وكل أحـد ميّت بأجلـه المقدور له.

ويقبض الأرواح «عزرائيـل» بإذن اللـه. 

وعلى كل مكلَّف حفظـة من الملائكـة يكتبون الأعمال.

والأرواح بعـد الموت باقية، ولا فناء لـها على الصحيـح، وقيـل: تفنى عند القيامـة، ثم ترجع للأجساد، وقبل القيامـة منعمـة أو معذبـة.

والكافر مخلَّـد في النار؛ ﴿إن اللـه لا يغفر أن يشرك بـه﴾[ النساء :48].

والمؤمـن العاصي المرتكب للكبائـر في المشيئـة، ولا نقطع على معيـن بالنار.

ولا تحبـــط السيئـة الحسنـة، ولا تسقـط الكبيـرة بالحسنـة، بل بفضـل اللــه أو بالتوبــة: وهي النـدم على المعصيـة من أجل أنـها مبعـدة عـن رضـوان اللـه مقربـة مـن سخطـه، ولا تتحقـق إلا بالإقلاع عـن المعصيـة والعـزم على  أن لا يعود أبدا، ومبـادرة قضاء ما ضيّعـه مـن حقوق اللـه وحقوق العباد.

وأعظـم شيء يعيـن عليها: مجانبـة خلاط السّـوء، ولا سيما الذيـن اشترك معهم في المعصيـة، وموالاة أبناء الآخرة مـمن تذكره بالله رؤيتـه، وتنهض بالله حالته ومخالطته، وهم أولياء اللـه، الذين يخشَعون ويخشِّعون.

ولا يُكفّـر أحـد مـن المؤمنيـن بارتكاب ذنب، إلا إذا جحـد ما علم مجيء الرسـول -صلى الله عليه وسلم- بـه ضـرورة، فالإيمان: تصديـق الرسـول فيما أخبـر بـه وتكذيبـه كفـر.

    ولا نعيـن أحـدا للجنـة إلا الأنبياء ومـن شهـد لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومـن ذلك الأولياء المشاهيـر وأئمـة الملـة الذيـن اجتمعت الأمـة على قبولهم وتقليدهم، فإجماع الأمـة معصـوم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (من أثنيتم عليه بخيـر وجبت له الجنـة)[2].

والذنوب كبائـر وصغائـر، والصغائـر تُـمحى باجتناب الكبائر وبالحسنات.

ولا نقول بلزوم الموازنـة بين الحسنات والسيئات، بل العبـد إذا أتى بحسنات أمثال الجبال، ولـه مخالفـة واحـدة فهو مرهـون بـها، إما أن يعفـو اللـه عنـه أو يؤاخـذه بـها ثم يخرج من النار.

وللساعة علامات أخبـر بـها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كخـروج الدجال الأعور الكذاب، وطلـوع الشمس من مغربـها، وخـروج الدابـة، وظهـور المهـدي الفاطمي، من ولـد فاطمـة -رضي اللـه عنها-، يـملأ الأرض عـدلا، ونزول عيسى بن مـريم -عليه السلام- بالشام مجددا لهذه الملة غيـر ناسخ لها، حاكما بكتاب اللـه كالخليفة للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع قيام وصف النبـوءة بـه، فيكسـر الصليب ويقتل الخنزيـر، ويبطل الجزيـة فلا يقبل إلا الإيمان.

والصحابي: المؤمـن الذي اجتمع مـع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكلهـم عـدول، وهـم أفضـل مـن سائـر  البشر بعد النبيئيـن، وأفضلهم: أبو بكـر، ثم عمـر، ثم عثمان، ثم علي، ثم باقي العشـرة، ثم بعـد ذلك بينهم تفضيل.

وأفضـل القـرون قـرن الصحابة، ثم الذيـن بعدهم، ثم الذيـن بعدهم، وهـذه الأمـة أفضل الأمم.

فهـذا سـرد عقيـدة أهل الإيـمان، موضوعة لمن أراد تعليمها للنساء والصبيان، مصونة عن شُبـه أهل الزيغ والخـذلان، خاليـة عن تقريـر الدليل والبرهان، قابلها الله بالقبول والرضـوان، وأتحف عبـده البائس المنكسـر بالعفـو والغفـران، والحمـد للـه على توالي الفضـل والامتنان، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمـد وعلى آلـه وأصحابـه والتابعيـن لهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمـد للـه رب العالميـن. 

 

———————–                                                                              

الهوامش:

1- مقتطف من كتاب: الرسائل الإيمانية والذخائر الاعتقادية لأئمة أهل السنة والجماعة السنية، جمعـها واعتنى بها  نزار حمادي ، ص: 33.

2-  أخرجه  مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى.

 

إعداد الباحثة: حفصة البقالي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق