مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

عن الإمام أبي الحسن الأشعري بقلم: القاضي عياض

    «صنّف [أبو الحسن الأشعري] لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنة، وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى ورؤيته وقدم كلامه وقدرته، وأمور السمع الواردة من الصراط والميزان والشفاعة والحوض وفتنة القبر التي نفت المعتزلة، وغير ذلك من مذاهب أهل السنة والحديث، فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودفع شبه المبتدعة ومن بعدهم من الملحدة والرافضة، وصنف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وناظر المعتزلة، وكان يقصدهم بنفسه للمناظرة.
     وكُلِّم في ذلك، وقيل له: كيف تخالط أهل البدع وقد أُمِرت بهجرهم؟  – وكان أمرهم في ذلك الوقت شائعا، وكلمتهم غالبة – ، فقال: هم أهل الرياسة، وفيهم الوالي والقاضي، فهم لرياستهم لا ينزلون إليّ، فإن لم نسر إليهم فكيف يظهر الحق ويُعلم أن لأهله ناصرا بالحجة؟
     وكان أكثر مناظرته مع الجبائي المعتزلي، وله في الظهور عليه مجالس كثيرة. وله مجلس كبير مشهود في مناظرة الأمير بالبصرة- ابن وفاء- في مسألة الإمامة، ظهر فيه علمه وتفننه.
     فلما كثرت تواليفه، وانتُفع بقوله، وظهر لأهل الحديث والفقه ذبُّه عن السنن والدين، تعلَّقَ بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه لتعلُّم تلك الطرق في الذب عن السنة، وبسط الحجج والأدلة في نصر الملة، فسُمُّوا باسمه، وتلاهم أتباعهم وطلبتهم، فعُرفوا بذلك، وإنما كانوا يُعرَفون قبل ذلك بالمثبِتة، سمة عرفتهم بها المعتزلة، إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نفوه.
     فبهذه السمة أولا كان يعرف أئمة الذب عن السنة من أهل الحديث، كالمحاسبي، وابن كلاب، وعبد العزيز بن عبد الملك المكي، والكرابيسي إلى أن جاء أبو الحسن، وأشهرَ نفسه، فنسبَ طلبتَه والمتفقهة عليه في علمه بنسبه، كما نسب أصحاب الشافعي إلى نسبه، وأصحاب مالك وأبي حنيفة وغيرهم من الأئمة إلى أسماء أئمتهم، الذين درسوا كتبهم، وتفقهوا بطرقهم في الشريعة، وهم لم يحدثوا فيها ما ليس منها.
     فكذلك أبو الحسن، فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب بِحُججه يحتجُّون وعلى مناهجه يذهَبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنوا على مذهبه وطريقه… ».

[من كتاب : ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك- تأليف: القاضي عياض السبتي – تحقيق: الدكتور علي عمر- طبعة: دار الأمان – الرباط/ الناشر: مكتبة الثقافة الدينية- الطبعة الأولى/2009 – ج2 – ص:524/525/526]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق