الرابطة المحمدية للعلماء

على هدى مقصدية التكامل في الأدوار والوظائف والعلوم

الرابطة المحمدية للعلماء تعد “برامج عملية لتنشيط دور العلماء وتوثيق صلتهم بالمجتمع”

تأكيدا للإشعاع المتنامي للرابطة المحمدية للعلماء، الذي تجاوز، بحمد الله وتوفيقه، حدود الوطن ليعانق تطلعات المسلمين ومشاغلهم في كل مكان، يأتي الحوار التواصلي المفتوح للسيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء الدكتور أحمد عبادي مع جمهور المسلمين على مدى أسبوع كامل في موقع “إسلام أون لاين. نت”، ليؤكد أن الرابطة المحمدية للعلماء سائرة بعزم وثقة على هدي توجيهات أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الذي ما فتئ يعبر عن إرادته في أن تخرج الرابطة من “سباتها” لتضطلع بوظيفتها كأكاديمية للعلوم الشرعية والفكر الإسلامي..

وعلى أهمية هذا اللقاء، إلا أننا لن نستعيد كل ما جاء فيه، بقدر ما سنقتصر على تسليط الضوء على أهم محاوره وقضاياه التي انطلقت من التساؤل عن حقيقة وظيفة الرابطة المحمدية للعلماء، وموقعها ضمن خريطة تدبير الحقل الديني ببلادنا، وحدود دورها الإصلاحي؛ حيث انصبت الاستفسارات، بشكل أساسي، على الموقف مما أثير حول حملات التشيع.. وواقع التصوف.. والحوار مع رموز “السلفية الجهادية”، ومقاربة الرابطة لمحاربة طاعون السيدا ودورها في التوعية بمخاطره..

وقد جاءت إجابات السيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء صادرة عن تصور منهجي مقاصدي يقوم على مفهوم التكامل في الأدوار والوظائف؛ فبعد أن أكد فضيلته أن “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص أمة الختم التي أكرمها الله بها، وهي آلية ربانية لإحقاق الحق وإبطال الباطل، والحفاظ على طهر الحياة الاجتماعية واتساقها مع مرجعيتها”، إلا أنه يعود ليشدد على أن ذلك وجب أن يحصل في “إطار التكامل بين مختلف مؤسسات المجتمع الدينية والتشريعية والحقوقية”. إذ من غير المجدي أن “تهب جميع الهيئات الدينية والسياسية والحقوقية للقيام بالدور نفسه، وبالأساليب نفسها.” مبرزا كيف أن للرابطة، في إطار التكامل المفترض حصوله بين مختلف مؤسسات المجتمع، “دورها المعروف ووسائل اشتغالها المتميزة..” مثلما أن لباقي الهيئات وظائفها المحددة وطرق اشتغالها، و” ليس من السليم أن تقفز كل مؤسسة على صلاحيات وأدوار مؤسسات أخرى.”

وتأصيلا لهذا الرأي يضيف الأستاذ أحمد عبادي: “أعتقد، من وجهة نظر أصوليةـ مقاصدية، أن تكامل الأدوار هذا يدخل ضمن مفهوم فرض الكفاية؛ ففي الوقت الذي ننشغل فيه نحن بالجانب الأكاديمي العلمي وعقد شراكات عمل وتنسيق مع مؤسسات المجتمع، يقوم البرلمان إلى جانب التنظيمات السياسية والحقوقية والإعلامية بمراجعة الضوابط القانونية والإجرائية، والتفاعل السريع مع القضايا التي تطفو على السطح”.

وانطلاقا من هوية الرابطة كأكاديمية للعلوم الشرعية والفكر الإسلامي، نوه السيد الأمين العام بالورش الفكرية العديدة التي تم فتحها وتتويجها بأعمال علمية منشورة توجد رهن إشارة عموم المعنيين، وفي مقدمتها ندوة “أهمية السياق في المجالات التشريعية وصلته بسلامة العمل بالأحكام”، ، وكذا ندوة “مناهج الاستمداد من الوحي”.

كما أوضح فضيلته كيف إن الرابطة تعمل على إعداد “برامج عملية لتنشيط دور العلماء وتوثيق صلتهم بالمجتمع وقضاياه” من الوجهتين الأكاديمية والاجتماعية، انسجاما مع أهداف خطة إصلاح الحقل الديني التي حدد معالمها الخطاب الملكي ليوم 30 أبريل 2004، وهي الخطة التي تستهدف ،أول ما تستهدف، ضمان الأمن الروحي للمواطنين..من خلال إعادة النظر في برامج التعليم الديني، وضبط الأنشطة الوعظية بالمساجد، وتفعيل دور المجالس العلمية وجميع المؤسسات الدينية الرسمية..

وبخصوص الحوار مع رموز السلفية الجهادية حبذ الأستاذ أحمد عبادي ألا ” يكون الحوار معهم وعظيا، بل يجب أن يحترم الشروط العلمية الواضحة، حيث تواجه الحجة بالحجة والدليل بالدليل، ومحاكمة كل الأقوال إلى الأصول الكبرى التي جاء بها الإسلام والمتفق عليها من طرف علماء الأمة”.

أما عن موقفه من التصوف ضمن “تعددية المدارس الدينية”، فقد اعتبر فضيلة الأمين العام أن هذه التعددية تعبر عن “ظاهرة صحية”؛ نافيا أن يكون التصوف بدعة لمجرد أن ذكره لم يرد من الناحية الاصطلاحية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كاشفا في هذا السياق كيف أنه “لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء اسمه أصول الفقه، أو الفقه، أو السيرة، أو علم العقيدة، أو علوم الحديث، ولا حتى التصوف. فهي علوم كلها خرجت من مشكاة الهدي النبوي، وهو ميراث مبارك توزع بين مختلف علماء الأمة ولن يؤتي هذا الميراث أكله كاملا إلا إذا حصل التكامل بين تلك العلوم دون مفاصلة أو مفاضلة..”

وتأكيدا لمكانة التصوف السني فقد شبهه فضيلته بعلم الطب والصيدلة من منطلق أن هدف الطب يتمثل في “محاولة رد حالة الاختلال في الجسد إلى وضع السواء، بينما هدف التصوف هو تزكية النفس عبر رصد حالات الاختلال فيها وردها إلى حالة السواء بكل الوسائل المناسبة من أذكار وطاعات يكون شيوخ التربية أدرى بما يناسب كل إنسان منها في وضعه وبحسب ظروفه”.

وتعزيزا لهذه المكانة التي يحوزها التصوف فقد دعا الأستاذ أحمد عبادي أهل التصوف إلى “صدّ الأدعياء الذين يسيئون إلى هذا العلم الذي يسمو بالنفوس إلى مراتب عالية.”

وبصدد ما أثير حول التشيع من ردود فعل، فقد عبر فضيلته عن رفضه سعي أتباع أي مذهب لنشر مذهبهم على حساب مذهب قائم، لما يمثله ذلك من تهديد لاستقرار الأمة ووحدتها، مؤكدا، في الوقت نفسه، أن “التشيع يبقى مدرسة أصولية فكرية تعمل ضمن النسيج الإسلامي، وقد تعايشت مع باقي المدارس منذ القرن الثاني الهجري”، واعتبر أن “عدم استيعاب حقيقة كون التنوع البناء ثراء وغنى للأمة، وأن سلوك التضادّ والتنافي خطأ كبير وسلوك غير صحي”.

وقد جدد دعوته، في هذا السياق، إلى ضرورة “التناصح والحوار بين المدارس الإسلامية.. ضمن شروط واضحة أهمها الصراحة والشفافية والالتزام والشجاعة في الاعتراف بالأخطاء..” دون أن يخفي قلقه مما حدث قائلا: “لقد كنت شخصيا دائما مع الحوار والتقريب بين مذاهب الأمة،( غير أنه ) لم يسرنا أبدا الارتباك الذي حدث أخيرا..”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق