مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

عالم الصوفية وصوفي العلماء جعفر ابن إدريس الكتاني(1245-1323م).

   هو إمام وعلامة كبير، ومحدث وفقيه جليل، وعارف صوفي شريف، علمٌ من أعلام المغرب الشوامخ، “إنه الحبر العلامة المحقق، البحر الفهامة المدقق أبو الفيض وأبو التقى مولاي جعفر بن إدريس بن الطائع الحسني الإدريسي الشهير بالكتاني، الفاسي دارا وقرارا، ومولدا و مزرارا، المزداد سنة 1245م.[1]

   نشأ سيدي جعفر الكتاني بمدينة فاس عاصمة المغرب الروحية، حيث عاصر كبار العلماء، والصلحاء في زمانه، كالعلامة حمدون بن عبد الرحمان السلمي، والعلامة الصوفي عمر بن الطالب بن سودة، والعلامة الصوفي أبو عبد السلام بن الطائع الحسني الإدريسي، وعبد الرحمان العلوي المدغري وغيرهم، ومن حسن حظه أنه تربى في كنف أسرة عريقة الأصول، وشريفة الفروع، جُلُّهم علماء كبار، أبا عن جد، مما ساعد على علو شأنه في العلم و المعرفة، واعتلائه درجات الورع والتقوى، حتى لقب بـ :”شيخ الإسلام، ومفتي المغرب، فكان أحد رواد النهضة العلمية، والفكرية زمن السلطان الحسن الأول، وعرف بنبوغه المبكر، حيث تصدر للتدريس في ريعان شبابه بجامع القرويين، والزاوية الكتانية الكبرى، وغيرهما، من مساجد، وزوايا فاس، كما اشتغل بالخطابة والإمامة، ولنبوغه الناذر، فقد قرّبه ملوك المغرب، لتصدر مجالس إقراء الحديث بالضريح الإدريسي، والمجالس العلمية بالقصر الملكي بفاس…، وكان أحد رجال مجلس الشورى…، وكان محدثا حافظا، له اعتناء كبير بعلم الحديث سندا، ومتنا، و ضبطا، ونقدا، درس وسرد صحيح البخاري، وصحيح مسلم، و يعد شيخ هذا الفن في القرن الرابع عشر”.[2]

   كان فقيها مالكيا، عالما بتراجم الرجال ومناقبهم، فقد “… فطم على العلم المحصن بالتقوى، والورع، والإخلاص، والزهد، وهذه الصفات هي التي تحمي العالِم وعِلمهْ، و تُبقي له الأثر في الدنيا، والذخر والأجر في الآخرة، ولا خير في علم عري عن هذا”.[3]

   أما عبادته وتصوفه، فقد زاناه مع كل خصاله الحميدة، يقول محمد بن عزوز محقق فهرسته: “لازم العبادة حتى صار مثلا يقتدى به، فلقد كان قواما بالليل، متهجدا، حريصا على عدم تخلية وقته من العبادة، وكان كثير الذكر، والتسبيح، والاستغفار، يقول حفيده محمد الزمزمي: اتفق أغلب أهل المغرب على صلاحه، وولايته، كان راسخ القدم في العلم بالله والمعرفة به”،[4] وهذه هي سمة أعلام التصوف بالمغرب.

   كان رحمه الله من التلامذة النوابغ، وطلاب العلم المفاخر، تتلمذ على فحول علماء عصره، كمحمد بن عبد الواحد بن أحمد الكتاني، والإمام الحافظ عبد الله الوليد بن العربي العراقي الحسيني، والإمام محمد بن عبد الرحمان العلوي، والعلامة الأديب محمد بن حمدون ابن الحاج السلمي وغيرهم.

   وهذا ما جعل تلامذته أيضا يصطبغون بصبغته، ويقتبسون من علمه وصلاحه، حيث تخرج على يده كبار علماء المغرب والمشرق من بعده، وكان أول تلامذته أنجاله، عبد العزيز بن جعفر، والحسين بن جعفر، وعبد الرحمن بن جعفر، وأحمد بن جعفر، ومحمد بن جعفر، ثم سيدي أحمد بن محمد الخياط الإدريسي الحسني، وعبد الحفيظ بن الطاهر الفاسي الفهري، والإمام المهدي بن محمد الوزاني الإدريسي، والعلامة الكبير جمال الدين القاسمي.

أما أحد أبنائه فيقول: “كان إليه المرجع في وقته، قوالا بالحق، عاملا بالشريعة الغراء، معرضا عن اللهو وكل باطل، مائلا إلى اللين و التواضع، تاركا للدعوى، منسلخا من الحول و القوة[5].”

يقول حفيده محمد الزمزمي: “…و يحب أهل العلم وطلبته، ويفرح بملاقاتهم، ويستعمل ما أمكنه من ترفيع شأنهم”.[6]

و يقول العلامة المؤرخ عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة في «إتحاف المطالع»: “علم الأعلام المحدث المشارك المطلع، الحجة الحافظ، الولي الصالح”.[7]

و يقول صاحب شجرة النور الزكية: “العلامة القدوة الفهامة، العمدة المحدث النظار، الذي لا يجارى بعلمه وفهمه في كل مضمار، بيته بفاس معروف بالصلاح والعلم، والعدالة، والسؤدد والجلالة”.[8]

   وقيل عنه أنه كان : “فقيه المغرب، والترجمان المعرب، علامة الزمان، وواسطة عقد الأقران، وارث مالك بن دينار في السنن المحمدية، وخليفة مالك بن أنس في المسائل النظرية، ويقول محمد بن عزوز: إنه البحر من أي النواحي جئته، والبدر من أي الضواحي رأيته، رضع ثدي العلم منذ فطم، وطلع وجه الصباح ليحاكيه فلطم، وقطع الليل والنهار ردائين، واتخذ العلم والعمل صاحبين”.[9]

   كتب في علم  التفسير، والحديث، والتاريخ، والفقه، والتصوف، والعقائد، والأدب، والاجتماع وغيرها، وكان من زبد تلك المؤلفات:

– إعلام أئمة الأعلام وأسانيدها بما لنا من المرويات وأسانيدها .
– أحكام أهل الذمة .
– إتحاف الطالب الحاذق اللبيب بما يحصل من العلم الرطب الرحيب .

– حقيقة الحقائق في مولد الشفيع المشفع وخير الخلائق.

   كما له ختمات كثيرة:كختم البخاري، وختم مسلم، وختم الموطأ، وسنن أبي داوود، والمرشد المعين في الفقه والأجرومية في النحو، والهمزية للبوصيري، فقد ألف المترجم العديد من المؤلفات النفيسة التي تعدت المائة ويزيد و لا زال بعضها مخطوطا لم يحقق بعد.

    توفي رحمة الله عليه عام 1323، “ودفن داخل قبة الشيخ دراس بن إسماعيل في جنبها الأيمن للواقف على قبره من جهة رجله بسمته، وذلك بالقباب خارج باب الفتوح”.[10] بمدينة فاس وقبره هناك إلى يوم الناس هذا رحمة الله عليه.

الهوامش: 

 


[1] – السفر الصوفي، أبو عبد الله محمد بن جعفر الكتاني، تحقيق: أسامة الكتاني والزمزمي الكتاني، ط:1/2005، دار الكتب العلمية، لبنان، ص:17.

[2] – معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة، مطابع سلا، 2002، 20/6750-6751.

[3] – فهرسة جعفر بن إدريس الكتاني، جعفر بن إدريس الكتاني، تحقيق: محمد بن عزوز، دار ابن حزم، ط:1/2004، ص-ص: 38-39.

[4] – نفس المصدر السابق، ص:45.

[5] – السفر الصوفي، ص:17.

[6] – نفسه، ص:94.

[7] – إتحاف   المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث والرابع عشر،عبد القادر ابن سودة، تحقيق محمد حجي، ط:1/1997م، دار الغرب الإسلامي، 1/365

[8] – شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد بن محمد مخلوف، تحقيق: علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، ط: 1/2007، القاهرة، 2/492.

[9] – فهرسة جعفر بن إدريس الكتاني، ص ص:5-11.

[10] – إتحاف المطالع، 1/365.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق