يقول العلامة أبو العباس سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي (ت1175هـ)
مُبيناً شروط الإفتاء:
وأما من له فهم ثاقب وليس بحافظ، فإن لم تكن له كتب فهو كالذي قبله في حكمه، ومثله كمثل من يحسن الرماية ولا آلة له أو الفروسية ولا فرس له، وإن كانت له كتب معتمدة وممارسة لها ومعرفة بمظان المسائل فهو ملحق بالحافظ؛ لأن الحفظ -كما قاله أهل الحديث- حفظ صدر وحفظ كتاب، ولكن لابد له من دوام الممارسة، كما يتأكد ذلك أيضا على الحافظ؛ فقد قال ابن عبد السلام: من لا يختم التهذيب مرة في العام لا يفتي به.
قلت: ومثل التهذيب مختصر الشيخ خليل في زماننا، قال لنا شيخنا الحبيب -قدس الله سره-: ينبغي أن يختم مرتين في العام.
ثم قال البرزلي: لقد درست طرق العلم في هذا الزمان، وانعكست الحقائق وعُدل بالمناصب الشرعية عمن يستحقها إلى من لا يستحقها، إمّا بجاه عنده وإمّا لكونها لأبيه ونحوه، فتولاها بالإرث.
وقد ذكر بعض شراح الرسالة أن من البدع المجمع على تحريمها، تقديم الجهّال على العلماء وتولية المناصب الشرعية بالتوارث لمن لا يصلح لها. اهـ باختصار وبعضه بالمعنى. ثم قال: وفي مثل هذا أنشد أبو حيان:
بُلينا بقوم صدروا في المجالس لإقراء علم ضلت عنهم مراشده
لقد أخر التصدير عن مستحقه وقدم غمر جامد الذهن فاقده
وسوف يلاقي من سعى في جلوسهم من الله عقبى ما أكنت عقائده
علا عقله فيهم هـواه أمــا درى بأن هوى الإنسان للنار قائده
وهذا ونحوه يبين لك حال طلبة هذا الزمان في البوادي والقرى، فإن أكثرهم من هذا القبيل المجمَع على تحريم تعدّيه لإفادة الأحكام الشرعية، وقد ألقوا بأيديهم إلى التهلكة وتصدروا للحكم والفتيا وكتْب الوثائق، ومنهم من لا يحسن مسألة واحدة، نسأل الله العافية.
ولقد رأيت بعضهم أفتى في هبة المُشاع بأنها باطلة حتى يتميز بالقسمة؛ لأنه مجهول، فحاصل فتواه أن كل مشاع مجهول، وأن كل مجهول هبته باطلة.
فالصغرى ضرورية البطلان عند العوام، فكيف بمن يدعي العلم، ولا أدري كيف يتصور هنا بيع المشاع وثبوت الشفعة ونحوهما من الأحكام الضرورية المبنية على صحة البيع.
والكبرى أيضا باطلة، لكنها نظرية لتصريح المدونة وغيرها بصحة هبة المجهول لغير الثواب، وحكى بعضهم الاتفاق عليه، وحكي الخلاف في اللزوم إن تبين أكثر مما ظنه الواهب.
وقد وقفت على كثير من هذا النمط هذه الأيام الغريبة، ورأيت قوما لا يحسنون مسألة واحدة في فن من الفنون، وسُمّوا بالعلماء بمجرد جرأتهم على الأحكام،﴿ إنا لله وإنا إليه راجعون﴾[1].
النسختان المعتمدتان:
1- طبعة حجرية بدون تاريخ، ص132 وما يليها.
2- طبعة دار يوسف بن تاشفين – الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ومكتبة الإمام مالك- الإمارات العربية المتحدة. ط.1:(1428هـ-2007م). مراجعة وتصحيح: محمد محمود ولد محمد الأمين. ص. (123-124).
[1] - سورة البقرة، الآية : 156.