مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

شرح”موجز البلاغة” للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (الحلقة السادسة)

قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ:” أما بعد، حمدا لله الذي أنطق البلغاء، وفضل النبغاء، وميزهم عمن يسر حسوا في ارتغاء، والصلاة والسلام على المرسل بالحنيفية لا أمت فيها ولا شَغَاء، وكلِّ من صغا إلى دعوته أفضلَ صغاء..”.
حمدا لله: التقدير هنا: أحمد الله حمدا. فحمدا: مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف. ولذلك فهي أقوى في المعنى من قولك: أحمد الله. لمعنى التوكيد الذي فيها. والتوكيد هنا أدخَلُ في المناسبة، وأدل على الحذق لما في البلاغة من التوليد وابتكار المعاني وجلب الأسماع إلى الاستماع. 
وأقصد بالمناسبة هنا: مناسبة التحميد لموضوع الكتاب. وأقصد بقولي: وأدل على الحذق لما في البلاغة من التوليد وابتكار المعاني وجلب الأسماع إلى الاستماع أن توكيد التحميد يبعد القائل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر. أي : أقطع. والبتر: القطع. ومنه: السيف الباتر، أي: القاطع. 

د.محمد الحافظ الروسي

في معنى قوله:”حمدا لله..”

قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ:” أما بعد، حمدا لله الذي أنطق البلغاء، وفضل النبغاء، وميزهم عمن يسر حسوا في ارتغاء، والصلاة والسلام على المرسل بالحنيفية لا أمت فيها ولا شَغَاء، وكلِّ من صغا إلى دعوته أفضلَ صغاء..”.

حمدا لله: التقدير هنا: أحمد الله حمدا. فحمدا: مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف. ولذلك فهي أقوى في المعنى من قولك: أحمد الله. لمعنى التوكيد الذي فيها. والتوكيد هنا أدخَلُ في المناسبة، وأدل على الحذق لما في البلاغة من التوليد وابتكار المعاني وجلب الأسماع إلى الاستماع.

 وأقصد بالمناسبة هنا: مناسبة التحميد لموضوع الكتاب. وأقصد بقولي: وأدل على الحذق لما في البلاغة من التوليد وابتكار المعاني وجلب الأسماع إلى الاستماع أن توكيد التحميد يبعد القائل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر. أي : أقطع. والبتر: القطع. ومنه: السيف الباتر، أي: القاطع. 

ومعنى ذلك أن كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله تعالى لا أثر له، ولا بركة فيه، ولا يتولد منه شيء، ولا كلام آخر، ولا معنى جديد. وذلك لأن من معاني الأبتر الذي لا عقب له, وبه فُسر قوله تعالى: إن شانئك هو الأبتر. أي: المنقطع العقب، أو المنقطع عنه كل خير. 

وليست البلاغة في جل أبوابها إلا الابتكارَ، والتوليد، والأثر.

ثم إنه قوى جعلَ التحميد مناسبا لمعنى الكتاب وموضوعه بذكر سبب الحمد وهو قوله: الذي أنطق البلغاء، وفضل النبغاء. وهذا سبب له علقة قوية بموضوع الكتاب.

فحسن هذا الكلام من جهتين: الأولى: جهة الأخذ بالشريعة. فإن مخالفة صاحب الشريعة في ابتداء الكلام مطلقا بحمد الله تعالى تفقد الكلام أمرين، هما: 

1 ـ جلب الأسماع إلى الإصغاء. لأن النفوس تتشوف إلى الثناء على الله تعالى, فهو داعية إلى الاستماع، كما ذكر العسكري في الصناعتين. 

2 ـ وتشوُّه بنية الكلام، فتلحقه صفة الأبتر. فكأنه دابة قطع ذنبها، فقل قدرها، وضعفت قيمتها. وقد سموا خطبة لزياد بن أبيه, على فصاحته, بالبتراء، لأنه لم يذكر الله تعالى فيها، ولم يصل على نبيه صلى الله عليه وسلم.

وهذا أولى بالاتباع ممن جعل التحميد خاصا بما تضمن أمورا لائقة بالتحميد، كفتح مقفل، وهزيمة جيش، ومحل ذلك عنده الكتبُ السلطانية وما ناسبها.

الثانية: جهة مناسبة التحميد المختار لموضوع الكتاب. وهذا من الحذاقة التي أشار إليها ابن الأثير في “المثل السائر”، عند حديثه عن الكتب السلطانية. قال:” وجدتُ أبا إسحاقَ الصابي على تقدمه في فن الكتابة قد أخل بهذا الركن الذي هو من أوكد أركان الكتابة، فإذا أتى بتحميدة في كتاب من هذه الكتب لا تكون مناسبة لمعنى ذلك الكتاب، وإنما تكون في واد والكتاب في واد، إلا ما قل من كتبه”. 

 

الدكتور محمد الحافظ الروسي

  • رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق