مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكأعلام

سيدي أحمد بن محمد البرنسي الفاسي زروق محتسب العلماء والأولياء

 

           “نحن لا تفوح رائحة مِسْكِنا إلا بعد ما نتسوس تحت التراب”

 

 دة. أمينة مزيغة

 باحثة بمركز دراس بن إسماعيل

 

          أزروق أهل الله في كل برهــــة

ومأوى العفاة في اليسار وفي العسر

          فلا زلت للإحسان أهلا وموطناً

ومأوى الخصال الساميات لدى الدهر 

          عليكم من الرحمن أزكــى تحية

وأسمى مهابات إلى الحشر والنشــر

          وصلى الذي ولاك مجداً وسؤدداً

على المنتقى المبعوث للسود والحمر

  وآله والأزواج طـــــــراً وصحبه

ذوي النجدة الفيحاء والســــــادة الغرّ

 

           حق للشيخ زروق أن يُمدح بهذه الأبيات وغيرها، حبا فيه واعترافا بفضله وعلمه وطول باعه، ولا ضير في ذلك، فهو الشيخ الكامل والولي الصالح العارف بالله، الفقيه المحدث الصوفي المتضلع المتبحر، بحر العلوم والمعارف، القطب الرباني والهيكل الصمداني ذو التصانيف العديدة والمناقب الحميدة، ولد رحمه الله صبيحة يوم الخميس الثاني والعشرين من محرم سنة ست وأربعين و ثمانمائة، من قبيلة البرانس البربرية ما بين فاس و تازة، وتربى في حجر جدته، بعد وفاة والديه، السيدة الفقيهة الصالحة، الورعة الصابرة أم البنين، التي حرصت على أن يشب حفيدها على خير وجه، فعلمته الصلاة وأمرته بها وهو ابن خمس، وأدخلته الكتاب وعلمته التوحيد والتوكل والإيمان و الديانة، وكان تأثيرها عليه عظيماً في صغره.

          كان رضي الله عنه إنساناً حيياً، متواضعاً تقياً مرحاً لطيف المعشر، سهل المخالطة، يخاطب أصحابه برقة ولطف ويناديهم بكنى مضحكة أحياناً، وكان أتباعه سعداء كل السعادة بتلك الكنى.

          انتظم وهو ابن ستة عشر في سلك طلبة جامع القرويين والمدرسة العنانية معاً، وصار يتردد عليهما لدراسة أمهات كتب المذهب المالكي، والحديث، والأصول، وقواعد العربية، كما درس بعضاً من كتب التصوف، وتتلمذ على أشهر علماء فاس آنذاك، بين فقيه ومحدث ومتصوف، فأخذ عن حلولو و الرصاع والسنوسي، والشيخ الجزولي، و المجاصي، وابن زكري، وأحمد الحباك، ومن المشرق القطب أبوالعباس أحمد بن عقبة الحضرمي، والحافظ السخاوي وغيرهم كثير…وبذلك اجتمع له في المغرب والمشرق شيوخ من الفقهاء والفقراء، مما كان له وقع وأثر على حياته و أفكاره، حيث رأى أن الفقه والتصوف موضوعان مترابطان، ومن هنا أطلق عليه لقب “الجامع بين الشريعة والحقيقة”. وأخذ عنه جماعة من الأئمة كاللقاني ومحمد بن عبد الرحمن الحطاب، وغيرهم.

          خلّف رحمه الله تآليف حسان في كافة فنون العلوم متسمة بالاختصار مع التحقيق والإتقان والإفادة فيها وعلى رأسها: تفسير القرآن العظيم، شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ومن أهم مؤلفاته في التصوف: قواعد التصوف، وعدة المريد الصادق، والنصيحة الكافية، وإعانة المتوجه المسكين، ومن مؤلفات الشيخ ذائعة الصيت في السلوك رسالة أصول الطريقة الزروقية وما يتفرع عنها من خلق وسلوك.

           شَرُفت مصراته بمقام الشيخ زروق بها عام ست وثمانين وثمانمائة، حيث قضى فيها بقية أيام حياته، وقد تكون المدينة أعجبتة ببساطتها وصفائها، وبحياتها شبه البدوية، ولعل ما ذكره المؤرخ الصوفي محمد بن ناصر الدرعي بعد مرور قرن من ذلك الزمان يصف مصراته ويقول: “وحسب مصراتة أن زروقاً اختارها مسكناً، وان الله اختارها له مدفناً، ذلك لما طبع عليه غالب أهلها من الحياء والتقشف ومحبة الصالحين، والاعتناء بالمنتسب إلى طريقتهم، ولما طبعوا عليه من الكلام من عدم الفحش، ولما فيهم من السخاء ولين الجانب للغريب، وغير ذلك”.

          وقد أصاب الشيخ زروق في مصراته المكانة الرفيعة والتوقير العظيم من أهلها بفضل مكانته العلمية وشهرته الصوفية، وأصبح واحداً من أهلها، وتجمع الطلبة والمريدون من حوله، وصارت له الصدارة في مجالسهم، وغدا ينشر علمه بين الناس في المسجد الذي كان يؤدي فيه صلاته قرب منزله.

           وقد ذكر الشيخ حين سأله خادمه أحمد عبد الرحيم يوماً بعد استقراره في مصراته: “ألا نبني هنا زاوية ونتخذ لها أوقافاً ؟” فأجابه بقوله: “نحن لا تفوح رائحة مسكنا إلا بعد ما نتسوس تحت التراب”، وبعد وفاة الشيخ بعشرين عاماً كاملة كثر خلالها عدد الزائرين لضريحه، وذاع صيته في الآفاق، وعندها بنى أحمد عبد الرحيم جامعاً بجانب الضريح وعاش فيه، وصار هذا الجامع بمرور الزمن”زاوية سيدي أحمد زروق” وأصبحت أحد المعالم الرئيسية في المنطقة، ومعهداً دينياً معروفا في البلاد الليبية، يقصده كل من أتم حفظ القرآن الكريم، ليقضي فيه فترة من الزمان يدرس خلالها اللغة العربية وأصول الفقه والشريعة والمعرفة الدينية الضرورية، كما كانت مأوى للفقراء و المساكين، ومقصداً للعلماء والفقهاء والصوفية من جميع أنحاء العالم الإسلامي

          وفي اليوم الثاني عشر من شهر صفر سنة تسع وتسعين وثمانمائة التحق الشيخ زروق بجوار ربه ، في خلوته، وعمره أربعة وخمسون عاماً.

            نُبش قبره وسرق رفاته الطيّب في شهر شوال سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وألف.

من مصادر ترجمته:

             – شجرة النور الزكية 1/386 رقم 1014.

             – النبوغ المغربي لعبد الله كنون 1/207.

             – نيل الابتهاج 1/138، رقم 125.

             – الفكر السامي  596 رقم 696.

             – أحمد زروق و الزروقية، دراسة حياة وفكر ومذهب وطريقة، لعلي فهمي خشيم.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق