مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

سلطان الأولياء المولى إدريس بن إدريس الحسني177هـ/213هـ

هو الإمام إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان مولده يوم الاثنين الثالث من شهر رجب الفرد عام سبعة وسبعين ومائة. وكنيته أبو القاسم.

ولما كمل الإمام إدريس بن إدريس من العمر إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر، ظهر من ذكائه وعقله ونبله وفصاحته وبلاغته ما أذهل عقول العامة والخاصة، فأخذ له راشد البيعة على سائر قبائل البربر، وذلك يوم الجمعة سابع ربيع الأول سنة ثمانية وثمانين ومائة، فصعد إدريس رضي الله عنه المنبر وخطب في ذلك اليوم ودعا إلى بيعته، فبايعته كافة قبائل المغرب من زناتة وأوربة وصنهاجة وغمارة وسائر قبائل البربر، فتمت له البيعة، وبعد بيعته بقليل توفي مولاه راشد.

فاستقام الناس لإدريس بن إدريس بالمغرب، وتوطأ له الملك، وكثر سلطانه، وقويت جنوده وأتباعه، وعظمت جيوشه وأشياعه، ووفدت عليه الوفود من البلدان، وقصد الناس نحوه من كل ناحية ومكان.   

وصفه الكتاني بقوله: “بركة فاس والمغرب، وأمانهما وحرزهما، وواسطة عقدهما، وفخرهما، سلطان الأولياء، ونخبة الصلحاء والكبراء والعظماء والأتقياء، سيد الأسياد، وقطب الأقطاب الأمجاد، الغوث الجامع، والنور الساطع اللامع، المجاهد في سبيل رب العالمين، والمؤسس لما عفى ودثر من معالم الدين…، من تحلى بحلية الكمال والإرشاد والهداية، واتسم بسمة الدلالة على الله تعالى والقبول والرعاية… اسمه إدريس، هو اسمه في الظاهر، وأما في الباطن وعند أهل الله تعالى وأهل الحضرة، فيقال له: فضل…”.[1]

وذكر له أبو العباس أحمد بن عبد الحي الحلبي مجموعة من الكرامات في كتابه الموسوم ب”الدر النفيس والنور الأنيس في مناقب الإمام إدريس بن إدريس” أفرد لذلك قسما سماه “النفحات القدسية في الكرامات الإدريسية” حيث يقول المؤلف عن المولى إدريس الأزهر في معرض حديثه عن معنى الكرامة والفرق بينها وبين المعجزة، “ونظيرُ الحكم في الظاهر والباطن ما وقع للإمام إدريس بن إدريس وهو ابن عشر سنين لما بويع له بالخلافة وخطب البرابرة وغيرهم من أهل المغرب، فأذهل الخاصة والعامة، وأخذ بمجامع قلوبهم فملكهم ظاهرا وباطنا وهو لم يبلغ الحِنْث وذلك من قوة المدد المحمدي وقرب عهده بالوجود النبوي، فألان الله له بالنور القلوب، كما ألان لجده عليه السلام قلوب الكفار للإسلام، قالوا: وهذا أبلغ من لين الحديد لداوود عليه السلام في المعجزة، وما كان معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي، فلانت للإمام إدريس بن إدريس قلوب البرابرة القاسية التي كانت أشد من الحديد…”.[2]

وهكذا كان حال المولى إدريس الثاني الذي أظهر الله عز وجل على يديه من الكرامات، وخصه تعالى بأكمل النفحات، بسبب التزامه بالشريعة والحقيقة، وتمسكه بالعلم والعمل به، وزهده وتنسكه،  “فعلم ببركته أهل المغرب بعدما جهلوا، وعملوا بعدما ضيعوا، وأقبلوا بعدما أعرضوا، واتصلوا بعدما انفصلوا، وقربوا بعدما بعدوا، وتأنسوا بعدما استوحشوا، وعزوا بعدما ذلوا، وغلوا بعدما رخصوا، وعلوا بعدما سفلوا…”.[3]   

وما زال المغرب بفضل ملوكه الذين تعاقبوا على حكمه يحتفظون بأصالتهم الإسلامية منذ عهد المولى إدريس الأول إلى عهد جلالة الملك محمد السادس الذي ينحدر من تلك السلالة الشريفة المتجدرة في بيت النبوة، المتمسكة بالتعاليم الإسلامية الصحيحة. 

الهوامش

[1]– أبو عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني (1274-1345ھ): سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس، تحقيق: عبد الله الكامل الكتاني، حمزة بن محمد الكتاني، محمد حمزة بن علي الكتاني، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1425ھ/2004م، 1/71.

[2]– أبو العباس أحمد بن عبد الحي الحلبي (ت1120ھ): الدر النفيس والنور الأنيس في مناقب الإمام إدريس بن إدريس (باب الكرامات)، تقديم وتحقيق: عبد العلي الوردي، إشراف: خالد سقاط، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز، فاس، 1428ھ/2007م، ص: 27. (ينظر مطبوعا على الحجر بخزانة القرويين بفاس، مسجلا تحت رقم 103).

[3]– سلوة الأنفاس، 1/73.

د. طارق العلمي

  • أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، متخصص في المجال الصوفي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق