مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

سابق البربري من جديد

فصلة من مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق مجلد 61 ج2 (1406هـ-1986م)

بقلم عبد الله كنون

في البحث الذي كتبته عن هذا الشاعر الخالد، موزعا على ثلاث مقالات، في فترات متباعدة لم أفتأ أؤمل أني ربما عدت إليه في كل مقالة منها. وها أنا ذا أعوذ إليه فعلا، بعد مرور فترة طويلة، على المقالة الثالثة، لأقول شيئا جديدا عنه وإن قل، فإن ذلك البحث إنما تكوّن من مثل هذه النتف التي لم أزل أتصيدها من مختلف الكتب المظانّ وغيرها سنين عديدة.

فقد نشر في العراق أخيرا كتاب حماسة الظرفاء لأبي محمد عبد الله بن محمد العبدلكاني الزوزني بتحقيق محمد جبار المعيبد، وهو يحتوي على بعض شعر سابق مما ذكرته في بحثي المشار إليه، والذي اعتمده المحقق الفاضل، وزاد ببعض أبيات منها بيتان يندرجان في قصيدته الرائية المذكورة في المقالة الأولى، وهما (حماسة الظرفاء:1/161):

وربما جاءني ما لا أؤمله               وربما فات مأمول ومنتظرُ

من عاش أدرك في الأعداء بغيته      ومن يمت فله الأيام تنتصرُ

ومنها بيت مفرد من قطعة نسبها المؤلف إلى صالح بن جناح وهو البيت الثاني الذي ذكر المحقق أنه منسوب لسابق في كتاب غريب الحديث... ونص القطعة كاملة (حماسة الظرفاء1: 161-162):

إذا الواشي لديك بغى صديقا      فلا تدع الصديق بقول واش

فلا تمذل بسرك، كل سر          إذا ما جاوز الاثنين فاش

ولا تصحب قرين السوء وانظر    لنفسك من تقارن أو تماشي

ومن يرفع مليكُ الدهر يُرفع       ومن يخفض فليس بذي انتعاش

هذا وممن ذكر شاعرنا أبو حيان التوحيدي في كتابه الامتاع والمؤانسة، الجزء الثالث، حين قال: «واعترض حديث العلم فأنشد ابن عبيد الكاتب لسابق البربري قوله:

العلم يجلو العمى عن قلب صاحبه      كما يجلّي سواد الظلمة القمرُ

ولكن وصف البربري تصحف في الطبع بالزبيري، والكتاب كما هو ثابت في صفحته الأولى مطبع بتصحيح الأستاذين أحمد أمين وأحمد الزين وتحقيقهما، وذلك مما يدل على الجهالة الفاشية بهذا الشاعر الكبير.

والبيت المذكور هو من القصيدة الرائية المشار إليها آنفا.

وذكرنا في المقالة الثانية بيتين من قصيدة لامية طويلة له على اختلاف في بعض ألفاظها عما في القصيدة، كان سفيان الثوري يتمثل بهما، كما في جامع بيان العلم لابن عبد البر، وأغفلنا ذكر كون الحسن البصري كذلك كان يتمثل بهما على ما جاء في رواية أخرى لابن عبد البر. وثمّ بيت آخر كان يتمثل به الحسن من هذه القصيدة لم يرد فيها، وإنما ذكره ابن عبد البر وهو قوله:

يسر الفتى ما كان قدم من تقى   إذا عرف الداء الذي هو قاتله

ولم نثبته في البحث.

ونسيت أن أنبه في المقالة الثالثة على أن البيت الذي أنشده ابن عبد البر في كتاب الجامع وأوله: والعلم يشفي، والآخر وأوله: موتُ التقيّ حياة.. ربما كانا هما والأبيات الستة التي وردت في المقالة الأولى، من قصيدة واحدة، لأنها كلها من بحر واحد وهو البسيط وقافية واحدة، وهي الهمزة المضمونة.

ولا يفوتني أن أشير إلى البيت الرجز: قد قيل قبلي في الزمان الأقدم... وما يحتمل أن يكون من علاقة بينه وبين الرجزية التي أنشدها ابن عبد البر في أدب التعلم والتفقه وهي مما ينسب إلى المأمون.. وفي النفس من هذه النسبة شيء. وقد جعل لها الشيخ مرتضى الحسيني صدرا وذيلا كما بفهرسته، والسؤال القائم المحتمل هو ألا تكون هذه الرجزية من نظم سابق؟

ثم نلاحظ أنه بعد نشر بحثنا عن سابق في مقالات ثلاث بأعداد متفرقة من مجلة دعوة الحق، ثم نشره مجموعا بمجلة المجمع العلمي العربي بدمشق وصدر عنه فصلة في شكل كُتيب، وقع الالتفات إلى هذا الشاعر والعناية به، والكتابة عنه وذِكرُه في تاريخ الأدب المغربي كما فعل الأساتذة مؤلفو (تاريخ الأدب والنصوص الأدبية للسنة الدراسية الثانوية، وفقا للمنهج الحديث الذي أقرته وزارة التربية الوطنية المغربية)، والدكتور الجراري في كتابه الجديد (الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه) والأولون عدوُّه مغربيا أَقْصَوِيا خالصا وذكروه على أنه أول شاعر نبغ في المغرب على عهد الولاة أي قبل العهد الإدريسي، وهو من حيث التاريخ كذلك ولكن من حيث المغربية الأقصوية، نحن لم نجزم بشيء في ذلك.

والثاني ذكر أننا بعد ما قلنا أنه ربما كان أول شاعر مغربي يعني بالمعنى الخاص، عدنا إلى القول بأننا لم نتحقق بعد من مغربيته الضيقة، وليس في كلامنا شيء من الزعم المذكور، فإننا من أول الأمر، لم ننسبه إلا إلى المغرب الكبير ولم يتحقق عندنا البلد الذي ينتمي إليه من هذا المغرب لا أولا ولا أخيرا، ولعل ما كُتب برأس أولى المقالات عنه في دعوة الحق وهو هذه العبارة: «دراسات في تاريخ الأدب المغربي» هو ما أوهم الكاتبين أن سابقا مغربي أقصوي، أو أننا قلنا بذلك ثم رجعنا عنه، حسب الكاتب الثاني، والمسؤولية في هذا تقع على محرر المجلة، فهو الذي كتب العبارة المذكورة، وكثيرا ما يتدخل محررو الصحف في مقالات الكتاب بما لا يكون من غرض الكاتب وربما عاكس قصده، وقد وقع لنا معهم كثير من ذلك، وهذا منه.

ونخلص من هذا المقال الصغير بزيادة أربعة أبيات على ما أحصيناه في البحث من شعر ستبق، وهو 169 بيت فيصير الحاصل الآن 173 بيت والبقية تأتي إن شاء الله.

نشرنا منذ أيام كلمة عن هذا الشاعر الكبير وصلنا بها ما سبق لنا من بحث عنه وعن شعره في مقالات جمعت في كتيب بعناية المجمع العلمي العربي بدمشق، واستدركنا فيها بعض المعلومات التي وقفنا عليها من بعد، وبعض الأبيات الشعرية التي لم تُثْبَت في ذلك البحث، وقلنا في آخرها لعلنا نعود إليه في فرصة أخرى حين يجدّ عندنا ما يحملنا على هذه العودة.

ولم يطل بنا العهد لتحقيق هذا الرجاء، فقد نشر في العراق كتاب الزاهر لأبي بكر القاسم بن محمد الأنباري المتوفي سنة 328هـ بتحقيق الدكتور حاتم صالح الضامن في مجلدين كبيرين وهو في معاني الكلمات التي يستعملها الناس ويعني بذلك اللغة والأمثال. واشتمل هذا الكتاب على ذكر سابق مرتين في مجلديه الأول والثاني ورواية بيتين من الشعر له زائدين على ما ذكرناه له فيما كتبنا عنه. ذلك أن المحقق أورد بحثنا المشار إليه في مصادر تحقيقه لكتاب الزاهر، واعتبر هذين البيتين مما خلا منهما، كما خلا الزاهر من كل ما نشرناه لسابق من الأشعار.

والبيت الأول يقع عند ابن الأنباري أثناء كلامه على قولهم فلان سفيه بمعنى قليل الحلم وثوب سفيه أي خفيف رقيق، وأنشد على ذلك بيتا لذي الرمة، ثم قال (الزاهر 499:1):

«وقال سابق:

سبقت يداك له بعاجل طعنة       سفهت لمنفذها أصولُ جوانح

ويُروى للصَّلتان ولزياد الأعجم، أراد أسرع الدم منها وبادر وخفَّ». ولاشك أن هذا البيت من قصيدة طويلة وإن يكن متنازعا عليه بين سابق وشاعرين آخرين.

أما البيت الثاني فعزاه إلى سابق محقق الكتاب في تعليقه عليه، وابن الأنباري لم ينسبه وإنما قال فيه (الزاهر209:2): «وقال الآخر:

يا نفس إن سبيل الرشد واضحة        منيرة كبياض الفجر غراءُ»

وجاء في التعليق عليه: «سابق البربري في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 320 وليس في شعره» يعني شعره الذي جمعناه له في بحثنا. وقد أورد الزاهر هذا الشاهد في قولهم: قتل في سبيل الله.

على كل إن كتابا يقع في أكثر من 1300 صفحة لا يرد اسم سابق فيه إلا مرتين اثنتين لدليل على ندرة أخبار هذا الشاعر، كما يدل على أنه من الذين يستشهد بشعرهم في مسائل العربية لغة ونحوا، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كتابتنا السابقة عنه. والبيت الأول المتنازع فيه لا يشبه عامة شعره بخلاف الثاني فإنه من مشربه الخاص، وبذلك فإنا نضيف هذا إلى عدد الأبيات التي نسبناها له باطمئنان ونتحفظ في ذلك، وإلى فرصة أخرى بحول الله.

قلنا في آخر مقالة كتبناها عن سابق البربري بعد نشر شعره مجموعا في كتيب صغير يتكون من المقالات الأولى التي نشرت بمجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، وتفضل المجمع بإخراجها في الكتيب المشار إليه، معبرين عن أملنا في العثور على شيء جديد له: وإلى فرصة أخرى بحول الله.

وهاهي الفرصة قد أمكنتنا من ذلك، وكنا في تلك المقالة ومقالة أخرى قبلها استدركنا من شعر سابق خمسة أبيات أو ستة إذا لم نعتبر الشك الذي طرقناه في أحد هذه الأبيات، والآن نستدرك بيتا سابعا وقفنا عليه في شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات لأبي بكر الأنباري كذلك الصادر عن دار المعارف في سلسلة ذخائر العرب بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون، وهو هذا (شرح القصائد السبع:462):

فلم ينج منهم في البحور ملجج       ولم ينج من جاب الصخور اجتيابها

أورده في الاستشهاد على معنى جاب الصخر أي شقه وبنى فيه كما في الآية الكريمة (الذين جابوا الصخر بالواد) ويلوح عليه أنه من شعر سابق.

وقرأت في مجلة المستمع العربي (العدد392) للأديب حسن الكرمي بمقاله المعنون: «قول على قول» هذا البيت منسوبا لسابق:

إن عبت يوما على قوم بعائبة       أمرا أتوه فلا تصنع كما صنعوا

ولم ينسبه إلى أي مصدر، ولكن الكاتب مطلع يصح الوثوق به(1).

ورجعت لكتاب بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب تأليف السيد محمود شكري الألوسي، وكنت قرأته قديما، وقد وقع في وهلي أنه ذكر سابقا، وبالفعل وجدت اسم سابق في تعليق على الأبيات المعروفة: ابدأ بنفسك فانهها عن غيها... نسبها المؤلف للمتوكل الليثي، وهي مما نسب لعدة شعراء منهم شاعرنا، وكان ذلك موجب ذكره من قبل المعلق صديقنا العلامة محمد بهجة الأثري.

ثم إنه ذكره أيضا في الكلام على أما بعد وموضعها من الكلام، واستشهد بمطلع قصيدة سابق الرائية المذكورة في الكتيب، وهو الذي يقول فيه:

بسم الذي أنزلت من عنده السور      الحمد لله، أما بعد، ياعمر

وأعقبه بالبيت الذي بعده

وأنشد له اليوسي في كتابه زهر الأكم هذا البيت في كتمان السر:

فلا تخبر بسرك، أي سر      إذا ما جاوز الاثنين جاشا

وقال: الاثنان هنا الشفتان، وهو تفسير حسن، وهذا البيت هو أحد الأبيات الأربعة التي ذكرناها في المقالة الأولى بعد مقالات الكتيب، نقلا عن كتاب حماسة الظرفاء للزوزني، وهي في هذا الكتاب منسوبة لغير سابق، ولكن المحقق الفاضل لهذا الكتاب قال إن البيت الثاني منها هو لسابق كما نسب إليه في كتاب غريب الحديث. وهاهو اليوسي ينسبه إليه أيضا، وإن كان في بعض لفظه مخالفة لما في كتابي الحماسة والغريب. وأمر آخر وهو أن قافيته في الأبيات المشار إليها وفي كتاب الغريب مكسورة، وفي زهر الأكم مفتوحة، وجاءت بلفظ جاشا وهي في المصدرين الأولين فاش، وذلك هو الأنسب من جهة المعنى واللفظ، فهل ما عند اليوسي تصحيف؟...

الخلاصة أن هذين بيتان جديدان يضافان إلى الحصيلة السابقة فيصير جملة ما بيدنا من شعره176 أو 177 بيتا، والبقية تأتي إن شاء الله.

بعد الكتيب الذي ضمنته ما تحصلت عليه من ترجمة هذا الشاعر المغربي الرائد وشعره وصدر عن مجمع اللغة العربية بدمشق منذ أكثر من 15 سنة، لم أزل أتتبع ما يقع لديّ من أخباره وأقف عليه من شعره مطالعاتي وقراءاتي كما فعلت في مادة الكتيب المذكور خلال سنوات عديدة لتفرق أخبار سابق وضياع شعره الذي كان مدونا هو وأخباره حسبما يستفاد من فهرس ابن خير الأندلسي، وقد كتبت عنه بعد ذلك ثلاث مقالات في فترات متباعدة مبادرة بما أظفر به من شعره ولو بيتا أو بيتين أوفهما للمهتمين بمثل هذه الأبحاث وفي كل مرة أقول وإلى فرصة أخرى إن شاء الله.

وهذه مقالة رابعة في الموضوع أثبت فيها بعض الأبيات من شعره لم تأت في الكتيب المشار إليه ولا في المقالات التي كتبتها بعده، وقد جاءت في كتاب شعر الفقهاء للدكتور حسني ناعسة نقلا عن كتاب شعر الدعوة الإسلامية في العصر الأموي لعبد العزيز الزيد ومحمد الأطرم الذي لم نقف عليه مع الاهتمام بطلبه من الجهات التي صدر عنها، وصاحب هذا الكتاب قد اطلع على ما أجمعناه من شعر سابق وأثبت بعضه في كتابه مشيرا إلى مصدره على طريقة العلماء.

والمهم أن ما انفرد به هذا الكتاب عن كتيّبنا من شعر سابق هو خمسة أبيات لا غير ثلاثة منها بحسب ما يظهر هي من قصيدته الرائية الطويلة التي رويناها بنصها الكامل عن كتاب مناقب عمر بن عبد العزيز للحافظ ابن الجوزي، أولها قوله:

لكل بيت خرابٌ بعد جدته    ومن وراء الشباب الموت والكبر

وقد أنشد قبل البيت الذي أوله: والموت جسرٌ والثاني والثالث لم يعين موضعهما وهذا نصهما:

مالي أرى الناس والدنيا مولية     وكل حبل عليها سوف ينبتر

لا يشعرون بما في دينهم نقصوا      جهلا وإن نقصت دنياهم شعروا(2)

والبيت الرابع نرجّح أنه من قصيدة طويلة هي التي رويناها منها قطعة من حماسة الجراوي وأخرى من شرح المقامات الحريرية للشريشي وثالثة منه أيضا، وهو هذا:

وكل نفس لها زَوْرٌ يصبّحها        من المنية يوما أو يمسّيها(3)

والخامس هو هذا:

متى تكونوا على منهاج أولكم       وتصبروا عن هوى الدنيا كما صبروا(4)

والغالب أنه من الرائية الطويلة وأخرنا إيراده لنورد تعليقا عليه للمؤلف يقول فيه:

«ومما يلفت النظر في شعر سابق تفاوت مستواه ولا أعني التفاوت المألوف في نتاج كل شاعر وإنما أعني أن يجزم المضارع بعد متى الاستفهامية» وكان من حق الشاعر على المؤلف أن يخرّج قوله على وجه معروف كحمل متى الاستفهامية على الشرطية الجازمة وإن لم يكن هناك شرط، أو على أنها شرطية جازمة والجواب محذوف والوجه الأول ورد في أقوال النحاة تخريجا لقراءة ابن محيصن قوله تعالى(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) بضم الميم وإلغاء عمل أن حملا على ما المصدرية وأنشدوا عليه قول الشاعر:

يا صاحبيّ فدت نفسي نفوسكما       وحيثما كنتما لقيتما رشدا

إن تحملا حاجة لي خف محملها       تستوجبا منة عندي بها ويدا

أن تقرأان على أسماء ويحكما       مني السلام وأن لا تشعرها أحدا

فرفع تقرأان مع دخول أن عليها، ولا ننسى أن سابقا هو ممن يحتج به عند علماء النحو، وهناك شاهد آخر لإلغاء عمل أن هو قول الراجز:

فيا الغلامان اللذان فرا

إياكما أن تكسبان شرا(5)

.. ثم إن المؤلف سامحه الله تعرض لبعض المؤاخذات بحسب نظره بتباعد مخارج الحروف في البيت الآتي:

لكم بيوت بمستن السيول وما       يبقى على الماء بيت أسُّه مَدَرُ

وقال:..«وهذه الهفوات اللغوية والفنية إذا لم يكن لتحريف الناسخين فيها نصيب تؤيد مَغْربية سابق، وقد يمكن أن يستنبط منها أنه لم يقل الشعر قبل وفادته الشام(كذا) وإتقانه العربية» ومعنى هذا الطعن في عربية المغاربة وجهلهم بحيث إذا لم يفدوا على المشرق لا يعتد بعربيتهم، ومع أن العربية هي من المشرق لكن الأمر فيها بعد انقراض عصر السليقة صار سواء بالنسبة إلى المشرق والمغرب معا، وقد كان من المغاربة من حفظوا على المشارقة في بعض الأحيان علم العربية كابن مالك وأبي حيان وابن عصفور والشلوبين وغيرهم. وكانت مقدمة ابن آجروم هي ألف باء النحو في المشرق والمغرب عبر عدة قرون.

وبإضافة الأبيات الخمسة التي اشتملت عليها هذه المقالة يصير ما عندنا من شعر سابق 182 بيتا وإلى اللقاء إن شاء الله.

كانت العودة إلى سابق البربري في هذه المرة أقرب مما نظن، فقد كنا وقفنا على كتاب بهجة المجالس للحافظ ابن عبد البر في طبعته المصرية التي إنما وصلنا منها الجزء الأول وقد ألمَّ ببعض أبيات من شعره ولكنا آثرنا الانتظار حتى يأتينا الجزء الثاني منه أو على الأصح بقية الكتاب فطال انتظارنا وهاهو الكتاب يأتينا كاملا في ثلاثة أجزاء من طبع بيروت بتحقيق الأستاذ محمد مرسي الخولي وبعد تصفحه وجدناه يحتوي على سبعة عشر بيتا مما لم يتقدم له ذكر في المجموعة الأولى وفي المقالات التي تلتها من بعد فضلا عن خمسة أبيات وقع الإلمام بها في المجموعة وما ألحق بها(6)

وهذا العدد الكثير في الجملة من شعر سابق الذي احتواه كتاب ابن عبد البر يدل على أن ديوان شعر سابق كان موجودا بالأندلس حسبما علمنا من فهرس ابن خير وروايته له على ما أشير إليه في المجموعة المنشورة بعناية مجمع دمشق إلا أن هذا العدد المذكور من أبيات شعر سابق إنما يتمحض له منه بغير نزاع تسعة أبيات، أما الثمانية الباقية فهي من قصيدة قافية يقول محقق الكتاب إنها لصالح بن عبد القدوس ذكرها له ياقوت في معجم الأدباء (7)

ولا شك أن ابن عبد البر إنما نقلها من ديوان سابق فهي من الشعر المختلف في نسبته.

ونذكر أولا الأبيات التي لا نزاع في نسبتها إلى صاحبنا سابق مما نسبه إليه ابن عبد البر وهي أربعة ميمية يقول فيها:

يا أيها الظاعن في حظه        (و) (*) إنما الظاعن مثل المقيم

كم من لبيب عاقل قلَّب         مصحح الجسم مقلّ عديم

ومن جهول مكثر ماله        ذلك تقدير العزيز العليم

حظك يأتيك وإن لم تَرم     ما ضر من يرزق ألا يريم

وبيت مفرد هو:

جنى الضغائن أباء لنا سلفوا    فلن تبيد وللآباء أبناء

ويظهر أنه من قصيدة همزية من بحر البسيط سبق أن ذكرنا منها أبياتا متفرقة، وبيت آخر مفرد هذا نصه:

وتأخير ما يرجى بلاء مبرح       وأفضل ما يرجى من الخير عاجله

ولعله من القصيدة التي رويناها عن ابن عساكر على هذا الوزن وبهذه القافية، وهذان البيتان:

لسانك للدنيا عدو مباين(8)            وقلبك فيها للسان مباين

وما ضرها ما قلت فيها وقد صفا     لها منك ودّ في فؤادك كامن

ونرى أنهما من قصيدة بهذا الوزن وهذه القافية ذكرنا منها في المجموعة عدة أبيات، وأخيرا بيت مفرد هو:

جمعت لها أكلا وذما بألسن      أليس عجيبا ذمها واحتلابها

ويظهر أنه في الدنيا وتعلق الناس بها مع ذمها، ولا يبعد أن يكون من قصيدة لم يصلنا منها الآن هذا البيت، والبيت السابق عن شرح القصائد السبع الطوال لأبي بكر الأنباري.

أما الأبيات القافية المحتمل أن تكون له ولصالح بن عبد القدوس فهي مع المطلع:

المرء يجمع والزمان يفرق    ويظل يرقع والخطوب تمزق

ولأن يعادي عاقلا خير له     من أن يكون له صديق أحمق

والناس في طلب المعاش وإنما        بالجد يرزق منهم من يرزق

ولو أنهم رزقوا على أقدارهم         ألفيت أكثر من ترى يتصدق

ما الناس إلا عاملان فعامل          قد مات من عطش وآخر يغرق

                      .........................

إن الترفق للمقيم موافق           وإذا يسافر فالترفق أوفق

لو سار ألف مدجج في حاجة      لم يلقها إلا الذي يترفق

                     .........................

لا ألفينك ثاويا في غربة        إن الغريب بكل سهم يرشق

                    .........................

بقي مما ذركه ابن عبد البر في كتابه هذا من شعر سابق الذي تقدم لنا الإلمام به بيتان من القطعة الشينية التي أولها:

إذا الواشي بغى يوما صديقا

وثلاثة أبيات من القصيدة الزهدية التي أوردناها منها قطعا متفرقة عن حماسة الجراوي وعن الشريشي وهي من بحر البسيط وقافية الياء والهاء.

وباعتبار القطع القافية التي قيل أنها من قصيدة لصالح بن عبد القدوس، من شعر سابق، وهي شديدة الشبه بنفسه وأسلوبه وقد نسبها إليه الحافظ ابن عبد البر وكلا الشاعر والراوي متقدم على صالح وياقوت(7)، يصبح معنا سبعة عشر بيتا أخرى من شعر سابق نضيفها إلى ما ذكرناه قبل فنخرج بتسعة وتسعين ومئة بيت(199) والبقية تأتي إن شاء الله(9).

.................................................................

(*). الواو ساقطة في الأصل ولا بد منها لإقامة الوزن.

التعليقات: (الدكتور شاكر الفحام)

(1)    هذا البيت جاء في مجلة المستمع العربي كان الأستاذ الكريم عبد الله كنون قد أورده في مقالته الأولى المنشورة في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق(مج 23:44)، وذكر أنه مما أنشده البحتري لسابق البربري في حماسته.

(2)    أورد الأستاذ عبد الله كنون رائية سابق البربري من كتاب مناقب عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي، وكانت عدة أبياتها(44) بيتا.

وقد عدت إلى كتاب سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي، الذي حققه الأستاذ محب الدين الخطيب(ط القاهرة، سنة1331هـ. ق- 1291هـ.ش)، وقد وردت رائية سابق البربري في الصفحات (142-144)، فوجدت أن عدة أبياتها (47) بيتا، منها الأبيات الأربعة والأربعون التي سردها الأستاذ كنون. أما الأبيات الثلاثة الباقية فأولها:

وكل بيت خراب بعد جدته       ومن وراء الشباب الموت والكبر

وموقعه بعد البيت السابع والعشرين في رواية الأستاذ كنون المماثلة في ترتيبها لرواية القصيدة في كتاب سيرة عمر بن عبد العزيز.

وأما البيتان الباقيان فهما:

مالي أرى الناس والدنيا مولية      وكل حبل عليها سوف ينبتر

لا يشعرون بما في دينهم نقصوا    جهلا وإن نقصت دنياهم شعروا

وقد ورد هذان البيتان في ختام قصيدة سابق.

أما الحافظ أبو القاسم بن عساكر فقد كان جملة ما رواه من رائية سابق أحد عشر بيتا، عشرة منها مما جاء في الرائية التي سردها الأستاذ كنون، وإن اختلف بعض ألفاظها. أما البيت الذي لم يرد له ذكر في الرائية فكان البيت الأخير الذي ختمت به قصيدة سابق الواردة في كتاب سيرة عمر بن عبد العزيز. وقد أشار الأستاذ كنون إلى تفرد ابن عساكر بهذا البيت وأنه لم يرد في الرائية التي أوردها (مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، مج36:44).

وجاء في جزء منتقى من معجم مشايخ أبي الحسين أحمد بن حمزة بن علي(مخطوط الظاهرية، مجموع رقم3846 ورقة219) عشرة أبيات من رائية سابق المذكورة كان ختامها البيتين المذكورين:

مالي أرى الناس والدنيا مولية      وكل خير عليها سوف ينبتر

لا يشعرون بما في دينهم نقصوا    جهلا وإن نقصت دنياهم شعروا

(3)    صدق ظنّ الأستاذ كنون، فالبيت المذكور هو من قصيدة طويلة في الزهد، أورد الأستاذ منها سبعة عشرة بيتا، خمسة منها من كتاب صفوة الأدب، وستة منها من شرح المقامات للشريشي، فإذا أسقطنا منها بيتا سبق ذكره في الخمسة الأولى، كان مجموع ما بقي عشرة أبيات، يضم إليها الأبيات الخمسة التالية، وبيتان جاء بهما الأستاذ في آخر مقالته الثالثة السابقة(مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، مج 44: 21-22-43-44). وقد أورد صاحبنا شعر الدعوة الإسلامية في العصر الأموي (ط 1972م): أبياتا من هائية سابق هذه عدتها ستة عشر بيتا. منها بيتان لم يوردهما الأستاذ كنون في مقالته الأولى، واستدرك في مقالته الجديدة الثاني منهما، وهما:

فلا الإقامة تنجي النفس من تلف       ولا الفرار من الأحداث ينجيها

وكل نفس لها زور يصحبها            من المنية يوما أو يمسيها

وأشار جامعا الكتاب إلى مصدر البيتين، وأنهما استمداهما مع أخوين لهما من كتاب روضة العقلاء لابن حبان، الذي أورد الأبيات الأربعة دون نسبة.

ومن غريب المصادفات أن علماء العروض والقوافي قد آثرت طائفة منهم أن يوردوا في كتبهم بيتا أو بيتين من هائية سابق البربري حين يضربون الأمثلة للهاء التي لا تكون إلا رويا لسكون ما قبلها. ويزيد بعضهم فيجد في البيتين شاهدا لجواز وقوع الواو ردفا في بعض أبيات القصيدة الواحدة والياء في بعضها الآخر. قال الأخفش في كتاب القوافي (بيروت1974م): 87-89«فإذا سكن ما قبل الهاء التي للاضمار....والتي للتأنيث كنّ رويا، ولم يكنّ وصلا، لأن الساكن لا يكون له وصل، إنما الوصل للحرف المتحرك يولد مثل حركته....وقال:

قس بالتجارب أغفال الأمور كما         تقيس نعلا بنعل حين تحذوها

وقال:

أموالنا لذوي الميراث نجمعها          ودورنا لخراب الدهر نبنيها

فجمع الواو والياء، لأن الياء ساكنة. ولا يكون للساكن وصل ولا مجرى....»

وقد خرج محقق الكتاب الأستاذ الصديق أحمد راتب النفاخ البيتين فقال: «البيتان لسابق البربري من أبيات في فصل المقال في شرح كتاب الأمثال لأبي عبيد البكري، والأول مع آخر في تهذيب تاريخ ابن عساكر، والثاني مع أبيات من القصيدة في شرح المقامات للشريشي، والبيت الثاني وحده في كتاب القوافي لأبي يعلى التنوخي».

وقد أورد الدمنهوري في حاشيته على متن الكافي في علمي العروض والقوافي (ص89) البيتين معا.

والبيت الثاني في شمس العلوم 169:2 (ذرأ).

(4)    هذا البيت ليس جديدا، بل أورده الأستاذ عبد الله كنون حين سرد أبيات الرائية من كتاب مناقب عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي، وهو آخر بيت فيها (مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، مج25:44)، ولكن البيت جاء محرفا في مطبوعة المجمع، كما جاءت الكلمة الأولى منه محرفة في النص الوارد في كتاب شعر الدعوة الإسلامية في العصر الأموي. وصواب البيت، ما يقتضيه السياق، يوافق ما جاء في كتاب سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي(ص:144):

حتى تكونوا على منهاج أولكم       وتصبروا عن هوى الدنيا كما صبروا

ولم أستبن السر الذي حدا بجامعي شعر الدعوة الإسلامية أن يبدلا ترتيب الأبيات الذي ورد في كتاب سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي.

(5)    أورد النحاة في كتبهم هذين البيتين المشطورين من الرجز شاهدا على الجمع بين حرف النداء وبين الألف واللام للضرورة.

(6)    لعل الأدق أن يقال: «فضلا عن عشرة أبيات وقع الإلمام بها في المجموعة وما ألحق بها».

لقد ذكر الأستاذ الكريم عبد الله كنون الأبيات التسعة التي لا نزاع في نسبتها إلى سابق، ثم ساق بعدها الأبيات الثمانية القافية التي نسبت إلى سابق البربري وصالح بن عبد القدوس.

وبدأ بعد ذلك يعدد أبيات سابق التي أوردها ابن عبد البر مما سبق الإلمام به، فذكر بيتين من القطعة الشينية، وثلاثة أبيات من القصيدة الزهدية الهائية. وأغفل بيتي سابق البربري على روي الباء (بهجة المجالس /ط مصر، 113:1-114)، وأبياته الثلاثة على روي العين (بهجة المجالس337:2-338). وهذه الأبيات الخمسة مما سبق الإلمام به في مقالة الأستاذ كنون الأولى (مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، مج 19:44،26).

(7)    الأبيات القافية الثمانية التي رواها ابن عبد البر في بهجة المجالس لسابق البربري، علق عليها المحقق الأستاذ محمد مرسي الخولي، رحمه الله وأفاض عليه سحائب رضوانه، فذكر أن ياقوتا الحموي نسبها في معجم الأدباء(7:12-8) إلى صالح بن عبد القدوس (بهجة المجالس/ط مصر، 1:191هـ 2،220هـ 1،223هـ1)، ونقل الأستاذ عبد الله كنون ذلك عنه وكأنه قبله، فذكره أولا ثم أعاده في ختام كلمته ثانيا.

وإن العودة إلى ترجمة صالح بن عبد القدوس في معجم الأدباء (6:12-10) لتوضح أن ياقوتا لم يرو في معجمه من القافية بيتا قط. كل ما في الأمر أن محقق معجم الأدباء قد نقل في حاشية المعجم ترجمة صالح بن عبد القدوس من تاريخ بغداد، وتضمنت تلك الترجمة أبيات صالح بن عبد القدوس القافية التي روى ابن عبد البر أبياتا منها ونسبها إلى سابق البربري. فالأبيات القافية من مرويات الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد. قال: «ومن مستحسنات قصائد صالح القصيدة القافية. أنشدناها عبيد الله بن أبي الفتح وأحمد بن عبد الواحد الوكيل قالا: أنشدنا محمد بن جعفر بن هارون التميمي الكوفي قال: أنشدنا أبو بكر الدارمي عن عمه لصالح بن عبد القدوس:

المرء يجمع والزمان يفرق       ويظل يرقع والخطوب تمزق...»

وسرد الخطيب البغدادي ثمانية عشر بيتا من قافية صالح، وأعاد ذكر بيتين منها برواية ثانية. ومن هذه القافية أورد ابن عبد البر ثمانية أبيات نسبها إلى سابق البربري (بهجة المجالس 1: 191،220،223،538).

(8)    الرواية في بهجة المجالس (286:2):

لسانك للدنيا عدو مشاحن         وقلبك فيها للسان مباين

(9)    أورد ابن عبد البر في بهجة المجالس (454:1) نصف بيت من البحر الطويل لسابق وهو:

..............................         وقبل أوان الرمي تملا الكنائنُ

وعلق المحقق الأستاذ الخولي بأن هذا الشطر قد جاء في كتاب التمثيل والمحاضرة للثعالبي (ص152)، وروايته فيه:

..............................        وقبل نزول الحرب تملا الكنائن

وقبل سابق هذا إنما يتضمن قول العرب: قبل الرماء تملأ الكنائن، وقولهم: قبل الرمي يراش السهم، ومنه قول رؤبة:

قبل الرماء يملأ الجفير

انظر: الأمثال لأبي عبيد:215، مجمع الأمثال للميداني 47:2، لسان العرب- رمى، ولم أجد البيت المنسوب إلى رؤبة في ديوانه.

انتقاء: ذة. نادية الصغير

Science

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق