مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

رفع الالتباس في شركة الـخَمَّاس

يُعْتبر «كتاب رفعُ الالتباس في شركة الـخَمَّاس»، لأبي علي الحسن بن رحَّال بن أحمد الـمَعْدَانِـي(ت1140هـ)، من الرّسائل الفقهية المفيدة في بابها، انفرد فيه صاحبه بمناقشة نازلة تضاربت فيها الأقوال بين فطاحل علماء المذهب المالكي، بين مجيز لها ومانع، وتتميز هذه الرسالة بكونها جامعة لشتات ما قيل في شركة الخماس من بطون أمّهات المذهب المالكي، ومبينة لما يتفرع عنها من جزئيات، وما يتمخض عنها من أحكام قضائية.

 ورغم أنّ أبا علي لم يُصرِّح في مقدمة رسالته بالوازع الذي دفعه لتأليفها إلا أن القارئ لها يستشف ذلك من خلال قوله:  ( … فكيف يأتي قاض جهول إلى ضعيف دخل مع ضعيف بالـخُمُس في زرعه، وقد قاسى شدائد السَّمَائِم، ويفسخ عقدته ويحرمه من زرعه، مع كون العلماء أباحوا ما هو من هذا الأمر)؛ فهذا التلميحُ يفيد أنّ أبا علي كان غرضه من هذه الرسالة تنبيه قضاة عصره إلى ضرورة مراعاة أعراف الناس وأحوالهم قبل تنزيل الأحكام، وأن هذا النوع من المعاملة قد جرى العمل به في الأصقاع المغربية، فلا داعي للتحجير على النّاس، وتضييق ما وسعه الله على عباده.

وكان انطلاقه رحمه الله تعالى في تحريره لهذه النازلة من قول الشيخ أبي المودَّة خليل بن إسحاق (ت776هـ) في مختصره: (أو لأحدهما الجميع إلا العمل إن عُقدا بلفظ الشركة لا الإجارة أو إطلاقا)، مقصوده: أنَّ ربّ الأرض يقدم إضافة إلى أرضه البذر والدواب، وعلى الـخـمَّاس الاشتغال بيده، والمؤلّف لم يكتف بهذه الصورة التي عرضها الشيخ، بل أتى بصُور أخرى ذات صلة بسابقتها؛ كإتيان الـخمّاس بالبقر، أو ببعض البدر إضافة إلى عمل يده.

هذا، وقد تحدث المؤلف في رسالته عن بعض الشروط التي يشرطها أحد الطرفين على الآخر؛ كاشتراط الخمّاس على رب الأرض: المأكل، والمشرب، والملبس، والمبيت، وأضحية العيد، واشتراط المُشَغِّل عليه: جمع الحطب، والعشب للبهائم وسقيهم، كما تحدث عن بعض المنازعات التي قد تحصل بين الطرفين مثل: تمسك الخمّاس بحقه في التّبن، وامتناع رب الأرض عن مشاركة الخماس في الحصاد، ونقله إلى البَيْدَر، ودرسه، وما إلى ذلك.

وتتجلى قيمة هذه الرسالة في رصانة لغتها، وسلاسة أسلوبها، مع عناية مصنفها بانتقاء الألفاظ، وحسن تنظيم النصوص المُستشهَد بها، ونقد بعضها بدون تجريح أو تنقيص، وما زادها بهاءً وشأنا وفرة مواردها التي تعد في طليعة المصادر المعتمدة عند السادة المالكية؛ إذ من جملة ما اعتمده منها في تحريرها: كتاب التبصرة  للخمي، والجامع لابن يونس، والمقدمات الممهدات لابن رشد الجد، وتقييد الزرويلي،  ومختصر الشيخ خليل، وفتاوي البرزلي، والمعيار للونشريسي.

طبع الكتاب أول مرة على الحجر، ثم حُقق من طرف الباحث رشيد قباظ، ونشره مركز الدراسات والأبحاث التابع للرابطة المحمدية للعلماء، الطبعة الأولى(1433هـ ـ 2012م).

إعداد: ذ. رشيد قباظ.

Science

الدكتور رشيد قباظ

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق