الرابطة المحمدية للعلماء

رعاية الدين والملة في الدول الديموقراطية موضوع الدرس الحسني الخامس

عقيل سراج: مهمة الإسلام أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور

ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس،نصره الله،عشية أمس الخميس 15 رمضان 1431 هـ بالقصر الملكي بالدار البيضاء، درسا دينيا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية.

وألقى الدرس بين يدي جلالة الملك، السيد سعيد عقيل سراج، رئيس جمعية نهضة العلماء بأندونيسيا، تناول فيه بالدرس والتحليل موضوع ” رعاية الدين والملة في الدول الديموقراطية” انطلاقا من قوله تعالى “لا إكراه في الدين ،قد تبين الرشد من الغي ، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم” صدق الله العظيم.

وتطرق المحاضر في مستهل الدرس إلى تقرير حرية الاعتقاد وتعدد الأديان من المنظور الإسلامي، مشيرا إلى أنه ثبت بالقرآن الكريم والسنة النبوية والتجارب التاريخية أن تعدد الناس في الخلق والعرق والشعب والدين أصبح سنة من سنن الله الخالدة التي لا وسع للإنسان في تغييرها وتبديلها مصداقا لقوله تعالى ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم”.

وأبرز أن التعددية وحرية الاختيار مع كل عواقبه شيئان لا تنفك عنهما حياة الإنسان، مؤكدا أن الإسلام جاء لا لمحو هذه التعددية بل لتقريرها وبيان عواقب اختيار الناس في كل شيء من خير أو شر، وهو ما ينطبق على التعددية في الأديان التي قررها القرآن في آيات كثيرة.

وأكد المحاضر أنه ليس من مهمة الإسلام في شيء أن يكره الناس على التدين به، وإنما مهمته أن يبين لهم الصراط المستقيم ويخرجهم من الظلمات إلى النور، بحيث يهمه أن يعتنقه الناس عن قناعة راسخة في القلب لا عن إكراه واضطرار.

وأضاف أنه إذا صح أن تعدد الأديان يعتبر من قبيل ما لا بد منه وأمرُ الاعتقاد موكول إلى حرية اختيار صاحبه،فإن مهمة الدولة لم تكن إلا ضمان الأمن العام وحرية أهل الأديان المختلفة في أداء شعائرهم الدينية، مؤكدا أن ذلك ينطبق على الدول التي فيها تعدد ديني تاريخي لا على إدخال أديان جديدة لأغراض لا تخدم الدين.

واستحضر في هذا الإطار تجارب من التاريخ الإسلامي، مشيرا إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع معاهدات صلح وعقد العهود والمواثيق مع غير المسلمين ليتسنى لهم وللمسلمين العيش في سلام وأمن.
وتطرق المحاضر في هذا السياق إلى مضامين “ميثاق المدينة” الذي أقر تساوي أبنائها في الحقوق والواجبات العامة التي تتعلق بحفظ أمن المدينة وتحقيق مصالح أبنائها وتأكيد مبادئ العدل والإنصاف بينهم.

وتابع بالقول إن تعايش الجماعات الدينية والعقدية في الدولة الإسلامية استمر في سلام واحترام متبادل للحقوق والواجبات ضمن مجتمع تعددي،سمح لأبناء الديانات المختلفة بممارسة شعائرهم، واتباع أسلوب حياة يتناسب مع قيمهم ومعتقداتهم، مستشهدا بتجربة الدولة العثمانية التي قامت بتقنين التعددية السياسية والإدارية والدينية ضمن النظام المللي الذي أعطى غير المسلمين استقلالية كبيرة على الأصعدة الثقافية والإدارية والتجارية والدينية.

وأضاف المحاضر أن الخبرة التاريخية الإسلامية، رغم العديد من المثالب التي طبعتها، تظهر إمكانية تأسيس مجتمع تعددي، مؤكدا أن المطلوب من المثقف المسلم اليوم تقديم صياغة جديدة مستمدة من رؤية الإسلام الكلية وتجربته التاريخية الثرية تسمح بقيام حضارة عالمية تعددية تحترم فيها الخيارات الثقافية والقيمية للشعوب.

وانتقل المحاضر إلى الحديث عن التجربة الأندونيسية في رعاية الدين والملة مشيرا في هذا الصدد إلى أن هذا البلد لديه خمسة مبادئ هي الربانية الموحدة، والإنسانية العادلة والمهذبة والوحدة الاندونيسية والشعبية التي تقودها الحكامة الرشيدة عن طريق الشورى والتمثيل النيابي ,ثم العدالة الاجتماعية لكافة الشعب الأندونيسي.

وأضاف أن هذه المبادئ التي يؤيدها دستور الجمهورية لسنة 1945 ،وتتفق بشأنها أطياف الشعب الأندونيسي، تكون كالمرسى للسفينة الأندونيسية التي يركبها قرابة مائتين وثلاثين مليونا من البشر بإثنيات وأديان متعددة ،مشيرا في هذا الإطار إلى أن كل أفراد الشعب الأندونيسي متساوون أمام القانون بغض النظر عن العرق والدين والانتماءات الأخرى وكذالك الحالة في ما يخص الحقوق المدنية.

وتفاديا للفوضى التي تسببها المبالغة في استعمال حرية التدين ،يضيف المحاضر،سنت اندونيسيا قانون منع المساس بقدسية الدين بتحريف أصوله أو غير ذلك ,موضحا أن القانون لا يعتبر ذلك يتنافى مع حرية التعبير التي تعتبر السمة البارزة للدولة الديموقراطية .

وأشار السيد سعيد عقيل سراج إلى أن حرية التدين لا تعني حرية التنصير والتبشير وممارسة الحملات المعادية للإسلام ,ذلك أنه لوحظ أن هذه الحملات مورست بدافع الخوف من انتشار الإسلام وأمته ليس فقد بإندونيسيا وحدها وإنما أيضا في العالم العربي والإسلامي ,مبرزا أن الصليبية العالمية والصهيونية العالمية والإلحاد العالمي، تعمل على تفتيت وحدة المسلمين ووقف المد الإسلامي، وتنصير من يستطيعون تنصيره وإبعاد المسلمين عن دينهم وتشويه مفاهيم الإسلام السمحة.

ودعا المحاضر في هذا الإطار إلى وضع الاستراتيجيات الفكرية والمالية والسياسية لتقليص ووقف الحملات التنصيرية التي تستهدف العالم الإسلامي،وتوحيد صفوف المسلمين ضد الحركات المعادية للإسلام،معددا المبادئ العامة والخطوات التي يتعين اتخاذها.

وأكد المحاضر في هذا السياق على ضرورة قيام الحكومات الإسلامية بجمع شمل المسلمين وتوحيدهم وذلك بإعطاء الحقوق العادلة والمتساوية في ما بين أبناء الأمة، و”تقوية الروح الدينية داخل المجتمع الإسلامي” من خلال ندوات تتعلق بمسائل عقائدية “كي لا يشك المسلم في صحة عقيدته ودينه”.
كما حث على “تفعيل وتكثيف دور الهيئات الإسلامية في العالم بمتابعة ما يكتبه المغرضون عن الإسلام في كل مكان، وترجمة أعمالهم إلى لغات الشعوب الإسلامية مع دحض شبهاتهم وانحرافاتهم”، وكذا دعم رسالات الهيئات الإسلامية في الدول النامية بتقديم المعونات اللازمة حتى تؤدي واجبها على الوجه المطلوب.

وأبرز أنه إذا كانت هذه المبادئ العامة صالحة للجميع،فإنها تراعي أيضا خصوصيات البلدان مستعرضا في هذا الإطار أمرين أساسين يطبعان خصوصية المملكة المغربية يتمثل أولهما في قيام نظام إمارة المؤمنين فيها، بحيث يعتبر أمير المؤمنين حاميا للدين للملة والدين،وهو الإمام الأعظم في البلاد ومرجع العلماء ومرجع الأئمة وسائر العاملين في الحقل الديني.

أما الخصوصية الثانية للمملكة المغربية، يضيف المحاضر،فتهم ما يتعلق بتعدد الأديان، على اعتبار أن المملكة رعت التساكن بين الأديان في الأندلس لعدة قرون،ورعته في أرض المملكة بدليل حماية حقوق الطائفة اليهودية فيها،وحرية النصارى في بناء كنائسهم.

و خلص المحاضر إلى أن مقولة فصل الدين عن الدولة لم يكن لها أي أساس من الصحة في تجربة الأمة الإسلامية لا نظريا ولا تطبيقيا،وأن الدين هو القلب النابض بالنسبة للأمة الإسلامية، كما أن الدولة هي الوسيلة التي تحقق بها المصالح وتدرأ بها المفاسد،وهي التي تحفظ الدين والنفس والنسل والعرض والمال،وتحمي الأمن وتدافع عن سلامة أبنائها وتحقق العدل لجميع أفراد الشعب بدون النظر إلى انتماءاتهم الدينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق