الرابطة المحمدية للعلماء

رحيل أحد الوجوه التاريخية لحركة التحرير بالمغرب العربي

يعد السيد أحمد بن بلة أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال والذي وافته المنية اليوم الأربعاء عن عمر يناهز 96 عاما أحد الوجوه السياسية والتاريخية البارزة التي ناضلت من أجل حصول الجزائر على استقلالها.

ويحفظ التاريخ لابن بلة الذي يعد قائدا كان له سجل حافل في النضال ضد الاستعمار توجهه نحو خيارات إيديولوجية تقطع مع الحقبة الاستعمارية وتأثيره الكبير في المشهد السياسي الجزائري ومستقبله وذلك خلال الفترة بين تنصيبه رئيسا للجمهورية سنة 1962 في ظل مناخ يتسم بالتقلبات المرتبطة بالتنافس الشرس بين مكونات الطبقة السياسية إبان تلك الفترة وإلى غاية الإطاحة به وسجنه سنة 1965 من طرف وزير دفاعه هواري بومدين.

وحسب أقاربه فقد قضى بن بلة نحبه بمحل سكناه بالجزائر العاصمة وذلك بعد تدهور حالته الصحية في الآونة الأخيرة حيث أدخل مرتين إلى المستشفى العسكري بعين النعجة خلال شهر واحد.

واستفاد أحمد بن بلة أحد أقطاب حرب التحرير بالجزائر من تعاطف كبير من أبناء شعبه ودعم منقطع النظير من طرف حركة دعم الشعوب المغاربية ولاسيما من المغرب الذي لم يتوان قط عن تسخير جميع الوسائل لدعم ومساندة حركة تحرير الشعب الجزائري الشقيق من ربقة الاستعمار.

والواقع أن بن بلة يمثل أحد عناصر القلة القليلة من نخبة الحركة الوطنية بالمغرب العربي التي كانت تعتبر أن لا تحرر لشعوب المنطقة إلا من خلال النضال من أجل التضامن والتواصل جميعا من أجل تكوين مستقبل مشترك للمنطقة جميعها.

وعلى الرغم من سلسلة التراجعات في المواقف والتي أدت إلى “حرب الرمال” سنة 1963 فقد ظل بن بلة قائدا مغاربيا وفيا لقناعاته الراسخة خاصة في ظل اعتزازه وافتخاره بأصوله المغربية بعد أن هاجر أجداده في بداية القرن الماضي من نواحي مراكش للاستقرار بالغرب الجزائري.

وشكل الموقف المغربي الغاضب إزاء قيام السلطات الفرنسية بتحويل مسار الطائرة التي تقل خسمة من القادة التاريخيين لجبهة التحرير الوطنية سنة 1956 (بن بلة آيت أحمد الخيضر وبوضياف والأشرف) مناسبة للتأكيد على عمق روابط التضامن القوية بين الشعوب المغاربية وهو ما يعتبره رواد الحركة الوطنية في المغرب العربي رصيدا قيما يستحق العمل على استثماره بالشكل الأفضل لتحقيق حلم الوحدة المغاربية. غير أن الانقلاب الذي أطاح بأول رئيس للجزائر ساهم في تأجيج النعرة القومية ورسم ظلالا قاتمة فوق سماء المنطقة.

بعد خروجه من السجن سنة 1979 في أعقاب التحولات التي شهدتها الجزائر في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد عاود بن بلة الذي رجع للبلاد سنة 1990 الانخراط في العمل السياسي من خلال سلسلة من المواقف الوازنة بخصوص الخيارات السياسية للجزائر ودعواته إلى تفضيل خيار التهدئة والمصالحة في أعقاب الاضطرابات التي شهدتها البلاد عشية وقف العملية الانتخابية سنة 1992 والصراع الدموي الذي أعقب ذلك مع الجماعات الإسلامية.

أما على الساحة الإفريقية فإن الراحل لم يتوان عن تقديم مساعدته ومساندته من خلال القبول بترؤس مجموعة حكماء الاتحاد الإفريقي سنة 2007.

لقد قدر لابن بلة أن يحيى إلى غاية الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس الجمهورية الجزائرية غير أن الأكيد أن مساره السياسي والنضالي كان طويلا ومريرا ومحفوفا بالكثير من المخاطر فقد ذاق مرارة السجن ثلاث مرات إذ اعتقل لأول مرة في 13 ماي 1950 بعد سقوطه في أيدي السلطات الفرنسية بعد أن ظل مبحوثا عنه طيلة سنة كاملة وقضى سنتين في سجنه قبل أن يتمكن في مارس 1952 من الفرار في ظروف استثنائية وفريدة التحق بعدها بالقاهرة.

وفي 22 أكتوبر 1956 كان بن بلة ضمن وفد القادة التاريخيين لجبهة التحرير الوطني بالمنفى والذين أجبرت طائرتهم على النزول بمطار الجزائر بعد تعرضها لعملية قرصنة جوية نفذها الطيران العسكري الفرنسي حيث تم اقتيادهم إلى السجن بالجزائر قبل نقله إلى جزيرة إكس.

بعد الإفراج عنه في 1962 استفاد الراحل من وضع يليق به كزعيم ذاق مرارة السجون غير أنه كافح طويلا من أجل تجاوز خصومه وتتويج هذا المسار بانتخابه في نهاية السنة ذاتها. كما شغل في السنة الموالية منصب رئيس الوزراء أيضا حيث اتخذ سلسلة من الإجراءات التي تكشف تفضيله لنظام التدبير الذاتي وهو ما جعله سريعا في مرمى نيران خصومه في جبهة التحرير الوطني والجيش.

وذاق مرارة السجن للمرة الثالثة بعد تنحيته عن السلطة سنة 1965 وإلى غاية سنة 1979 حيث فضل بعدها الابتعاد عن الساحة مفضلا المنفى الاختياري في لوزان قبل عودته إلى الجزائر سنة 1990. ت/

و.م.ع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق