د. الأحمدي أبو النور يعرض “أخلاقيات الحوار مع الآخر” في الدرس الثاني من الدروس الحسنية الرمضانية
ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده٬ مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد٬ أمس الخميس بالقصر الملكي بالرباط درسا دينيا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية التي تلقى بين يدي جلالته.
وألقى درس أمس بين يدي جلالة الملك٬ الأستاذ محمد الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف المصري الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بجمهورية مصر العربية٬ متناولا بالدرس والتحليل موضوع "من أخلاقيات الحوار مع الآخر" انطلاقا من قول الله تعالى: "وقولوا للناس حسنا".
واستهل الأستاذ أبو النور هذا الدرس بتبيان الآيات التي تظهر أن الله جعل البشر شعوبا وقبائل تتمايز بالتعددية للتلاقي والتعارف والتفاعل الحضاري وللتبادل الصناعي والزراعي والمعرفي والتقني٬ لا للتصارع والتنازع وإعادة بناء النظام العالمي الجديد كما يقول صمويل هتنغتون ومشايعوه٬ موضحا أن الله عز وجل خلق البشر من نفس واحدة هي آدم و"أننا بهذا كنا نوعا واحدا ليسهل التآلف بيننا"٬ ومن ثمة فإن التعارف إنما ينبغي أن يتم في إطار القرابة والرحم.
وبعد أن ذكر بعدد من الملتقيات الدولية للحوار وما تم الالتزام به في إطار مقرراتها من مبادئ٬ أبرز أن صوت العقل والحكمة يتكاثر العاملون على إسماعه والتأثير به في المجتمع الدولي شيئا فشيئا ويؤازر الكثيرون من المسلمين هذه الفكرة على أن يتم بذلك التضييق على تجار الحروب وصناع الصراع.
وأشار إلى المعاني العديدة التي يتضمنها الحوار في اللغة٬ إذ يمكن أن تفسر المحاورة بالمخاطبة والمخاصمة والمجادلة٬ ليبين أنه ما دام الحوار يقوم على المراجعة٬ فالشأن في المحاور أن يراجع قلبه وعقله قبل أن يطرح ما يريد أن يطرحه أو قبل أن يحكم على طرح محاوره٬ كما أن الشأن في المحاور أن يراجع ذاكرته العلمية أثناء الحوار٬ ولهذا ينبغي أن يدقق في من يختار للحوار بحيث يكون موائما لما يفوض في الحوار فيه كالمعلم والفقيه والمفتي والقاضي والسفير والمفاوض وغيرهم.
وتوقف الأستاذ محمد الأحمدي أبو النور٬ في سياق حديثه عن النماذج الحوارية٬ مطولا عند حوار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدي بن حاتم الطائي وأخته سفانة٬ حين خطر لعدي٬ بعد أن ذاق حلاوة الإيمان وعرف أن من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما٬ أن يطمئن على والده الذي كان بعيد المدى٬ في الجود والندى٬ فحاور النبي صلى الله عليه وسلم في أدب جم واحتشام بالغ٬ فأجابه رسول الله بحكمة بالغة٬ فلم يعد صلى الله عليه وسلم حقيقة٬ ولم يجرح شعورا٬ ليوضح المحاضر أن الرائع في هذا الحوار أن عديا لم يعلق كما أنه لم يرجئ ما اعتزم أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
"ماذا يكون السلوك الحضاري مع المسيحي أو اليهودي الذي لم نعرض عليه الإسلام من مثل الزميل في الدراسة٬ أو الجار في السكن أو الشريك في التجارة٬ أو الصاحب في السفر..." يتساءل الأستاذ أبو النور قبل أن يضيف "ألا ينبغي أن تكون المعاملة لهؤلاء مثل معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته لسفير قيصر من باب أولى وألا تقل إن لم تكن تزيد".
واستطرد المحاضر أنه إذا كان الانتساب إلى إبراهيم عليه السلام يعطي وصف الأخوة بين المنتسبين إليه، سواء أكانوا متفقين في الاعتقاد أم مختلفين٬ فإن الانتساب إلى آدم أبي البشر يعطي كل المنتسبين إليه وصف الأخوة الإنسانية٬ وهو أمر٬ يقول الأستاذ أبو النور٬ "يوجب على البشر أن يكون حوارهم معا من هذا المنطلق الأخوي والإنساني٬ وهو أمر في غاية الأهمية، سيما في علاج المشكلات الأسرية والمجتمعية والدولية من جهة، وفي القضاء على نزعات الاستعلاء من جهة ثانية٬ وفي استلال دوافع الكراهية والتعصب للرأي من جهة ثالثة".
وفي سياق تعداده لأخلاقيات الحوار٬ أشار المحاضر إلى حب المحاور للمحاور ما يحب لنفسه سواء في ذاته أو في من له به صلة٬ والصدى البالغ لحسن خلق المحاور ونبل سلوكه عند المحاور٬ وعدم ادخار وسع في استخدام الوسائل المختلفة مع المحاور في إطار ما يشير إليه المنهج القرآني "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة٬ وجادلهم بالتي هي أحسن".
كما أن من هذه الأخلاقيات٬ يضيف الأستاذ أبو النور٬ الرفق بالمحاور والاصطبار عليه٬ والنأي عن التعسف معه وتأسيس الحوار على المنطق العقلي الذي يستقوي بالدليل النقلي٬ والانطلاق في الحوار على أساس التآخي الإنساني والرحم الواصلة والجوامع الإيمانية والقيم الحضارية المشتركة٬ واحترام المحاور وإحسان الاستماع إليه٬ والحرص الرحيم على هداية المحاور بتكرار الموعظة الحوارية معه إذا لم يستجب بادئ الرأي٬ وحسن استخدام المفاجأة للمحاور٬ والاقتدار على التحليل النفسي للمحاور وحسن التأتي به من الشك إلى اليقين٬ وحسن التأتي إليه في الإجابة، بما ينأى به عن أن يكون في صدره حرج من الإجابة٬ فضلا عن الاهتمام بما ييسر ولا يعسر وبما يبشر ولا ينفر.
وخلص الأستاذ محمد الأحمدي أبو النور إلى إبراز ما في الحوار من علاج للخلاف في الأسرة، وفي المجتمع إذ هو الذي يحيط الأسرة والمجتمع بسياج الوحدة كأساس للقوة والتقدم وكقاعدة للإبداع والابتكار٬ كما أن في الحوار علاجا للمشكلات الإنسانية على الصعيد الدولي، بعيدا عن المواجهات والصراعات٬ موضحا أن الحوار يؤثر آثاره حين يقوم على العلم والحكمة، وحين يتوخى طريق الهدى والحق والحرية والعدالة الاجتماعية والسلام بين الإخوة من البشر في أنحاء المعمورة.
عن و.م.ع