دور علماء القرويين في مقاومة الاستعمار9
الدكتور سعيد المغناوي
أستاذ التعليم العالي كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس سايس
وفي يوم 23/8/1930م وقع انتخاب الوفد فكان من بين المنتخبين العلامة سيدي عبد الرحمن بن القرشي، والعلامة سيدي الهادي بن المواز، والعلامة سيدي عبد الواحد الفاسي. واستبعد الفرنسيون آخرين كعلال الفاسي ومحمد الحسن الوزاني[1].
وفي يوم 26/8/1930م سافر الوفد إلى الرباط تحت رئاسة العلامة عبد الرحمن ابن القرشي حاملا العريضة التي ضمنها مطالب تعكس معارضة قوية لأهداف الظهير البربري. ومن هذه المطالب[2]:
- توحيد برامج التعليم في سائر المدارس، سواء في المدن أو القرى.
- تعميم اللغة العربية.
- وتعميم التعليم الديني الإسلامي.
- احترام اللغة العربية في الإدارات والمحاكم.
ولما عاد هذا الوفد بنتيجة سلبية، استئنفت المظاهرات وقراءة اللطيف في المساجد لمدة ثلاثة أيام. فاعتقلت السلطات الاستعمارية جماعة من الشباب والشيوخ ونفت بعضهم كعلال الفاسي وعبد العزيز بن إدريس والهاشمي الفيلالي ومحمد بن الحسن الوزاني، وسجنت آخرين، وألزمت العلامة ابن القرشي بالإقامة الإجبارية في منزله.[3]
وفي يوم 2/9/1930م احتل الجيش الفرنسي مدينة فاس وعسكر في جنباتها وفي أبواب المساجد لمنع كل مظاهرة، ولكن نفرا من المواطنين تسربوا وقرؤوا اللطيف آخر مرة، حيث اعتقل بعضهم، منهم أحمد الوزاني[4].
وقد زادت قضية الظهير البربري من تضامن الشعب المغربي، فبدأت الاتصالات بين جماعات فاس والرباط وسلا و تطوان على مستوى أوسع، وأسسوا خلية سرية تحت اسم "الزاوية" حوالي 1931م، كان من أعضائها أحمد بلافريج ومحمد اليزيدي، ووضع قوانينها الأستاذ علال الفاسي ومحمد الحسن الوزاني.[5]
ومن ثم بدأت الحركة الوطنية تتبلور في شكل تنظيم سري محكم يعمل على توعية الشعب المغربي. ولتحقيق ذلك قام الأستاذ علال الفاسي سنة 1933م بإلقاء دروس في تاريخ الإسلام في مسجد سيدي عبد القادر الفاسي، وبعد ذلك انتقل بدروسه إلى جامع القرويين فالتفت حولها جماهير غفيرة وأصبحت دروسا في التربية الوطنية والتعريف بالحركة الوطنية أكثر مما كانت دروسا في التاريخ [6] ،وقد ساهمت هذه الدروس في توعية المواطنين ونشر الحركة الوطنية بين الطلبة وجماهير سكان مدينة فاس وتهييئهم للانخراط في الخلايا .[7]
فحاول الفرنسيون إيقافها، لكن دون جدوى لأنهم كانوا يصطدمون بأنها دروس دينية في مظهرها، تعتمد على دراسة تاريخ الإسلام والحديث وتفسير القرآن. فانتهزوا الفرصة لتحقيق هدفهم حينما سافر علال الفاسي إلى طنجة ثم إلى تطوان حيث اتصل بالجماعة الوطنية هناك فألقى خطبا وقصائد وطنية، فكان هذا الاتصال بمثابة جريمة في نظر إدارة الحماية الفرنسية فقررت اعتقاله، لكنه سافر سرا إلى سبتة فالجزيرة الخضراء، ومن هناك إلى مدريد ففرنسا ثم إلى سويسرا، وبعد ستة أشهر قررت إدارة الحماية السماح له بالعودة إلى المغرب. وفي طنجة أرسلت الإقامة العامة الفرنسية مبعوثا خاصا ليتعرف على وجهة نظره الوطنية، وليحاول أن يحدث جوا من التصالح بينه وبين إدارة الحماية. وكان مما عرضه مندوب الإقامة العامة على علال الفاسي، أن يعود ويتولى وزارة العدل، فامتنع من قبول هذا المنصب، وأوضح للمندوب وجهة نظر الحركة الوطنية في سياسة الحماية، وعاد إلى فاس ليستأنف دروسه في القرويين في يناير 1934م .[8]
ولم تنته هذه الدروس إلا بعد أن اعتقل علال الفاسي في 1936م، وحتى في الوقت الذي انقطعت فيه دروسه أثناء تغيبه عن المغرب، أخذ الشهيد المرحوم عبد العزيز بن إدريس العمراوي يلقي دروسا مماثلة في القرويين موضوعها تاريخ المغرب .[9]
دراسات فاسية، للدكتور سعيد المغناوي، ص28 وما يليها، الطبعة الأولى 1424هـ-2003م. مطبعة آنفو – برينت. فاس.
[1] - الحسن بوعياد: الحركة الوطنية والظهير البربري ، ص 19-20.
[2] - عبد الكريم غلاب: تاريخ الحركة الوطنية المغربية، ص 75.
[3] - نفسه ، ص 76.
[4] - نفسه ، ص 76.
[5] - نفسه ، ص81.
[6] - نفسه ، ص83
[7] - نفسه،ص83
[8] - نفسه، ص 84ـ 85
[9] - نفسه، ص 86