مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

دور علماء القرويين في مقاومة الاستعمار 5

الدكتور سعيد المغناوي

أستاذ التعليم العالي كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس سايس

 

هذا، وإذا كانت فئة من علماء القرويين قد قاومت الاستعمار بالحديد والنار، فإن فئة أخرى منهم قارعته باللسان، وأبلت بلاء حسنا في هذا الميدان، منهم الشيخ محمد بن العربي العلوي الذي كان يلقب بشيخ الإسلام. فقد قدم ـ رحمه الله ـ أيام شبابه من قصر السوق (الراشدية) مع أبيه مولاي العربي ليدرس بجامعة القرويين، وذلك في بداية القرن العشرين، وسكن بمدرسة الصفارين. كان تيجاني الطريقة في أول شبابه، ثم درس كتب ابن تيمية وابن قيم الجوزية والنهضة الوهابية وآراء محمد عبده، فانقلب من فقيه عادي إلى مفكر إسلامي يفضح المشعوذين ويقنعهم بالحجج الدينية والعقلية. وانطلق كالنور يضيء عقول طلبة القرويين الشباب مثل علال الفاسي وعبد العزيز بن إدريس ومحمد إبراهيم الكتاني وإبراهيم الوزاني وعبد الهادي الشرايبي ورشيد الدرقاوي والهاشمي الفيلالي ومحمد الزغاري والحاج عبد الكريم بن جلون التويمي وإدريس المحمدي وأحمد أبا حنيني وأخيه الحاج امحمد أبا حنيني وغيرهم. واقتفى تلامذته أثره فساروا على نهجه يبشرون بأفكاره التقدمية ووطنيته الصادقة المسلمة [1].

وقد درس – رحمه الله – بمدغرة على ابن عمه سيدي محمد بن الطيب العلوي والد العلامة مولاي عبد الواحد العلوي ومولاي هاشم بن الأمين قاضي مدغرة.

 ودرس بفاس على العلامة أبي عبد الله الحاج محمد كنون، وشيخ الجماعة أبي العباس سيدي أحمد بن الخياط والعلامة السيد أحمد بن الجيلالي المغاري، والعلامة القاضي الشاعر مولاي احمد بن المأمون البلغيتي والعلامة السيد عبد السلام بناني وأخيه سيدي عبد العزيز بناني[2].

وتخرج- رحمه الله- من القرويين بطريق الإجازة كما هو الشأن في ذلك العهد، فعين عدلا، ثم أستاذا بثانوية مولاي إدريس بفاس. وفي هذه المؤسسة، وجد شبابا متفتحا حببت إليه دراسة الثقافة العربية والإسلامية. أما في القرويين فكان يلقي دروسا تطوعية، فقهية وأدبية، ولكنها مشحونة بالسلفية والتنكيت على الطوائف والطائفية، خصوصا التيجانية والعيساوية والدرقاوية، فلقي بسبب صراحته وسلفيته  بلاء عظيما من قبل شيوخ هذه الطوائف، حتى صدر أمر من الإقامة بعزله والإتيان به إلى الرباط مهانا فنجاه الله سبحانه[3]. ثم عين قاضيا بفاس الجديد سنة 1915م، ورئيسا للاستئناف الشرعي سنة 1928م، ثم وزيرا للعدلية سنة 1938م [4]. وتعرض للاضطهاد عدة مرات لتضامنه مع الحركة الوطنية، وعزل من منصبه كوزير للعدل بسبب مساندته للاستقلاليين في المطالبة بالاستقلال، واعتقل ونفي سنة 1953م لأنه أبى أن يبايع ابن عرفة اللعين[5].

لقد كان -رحمه الله- شجاعا لا يهاب المستعمر ولا يخاف في الله لومة لائم. يقول عنه امحمد بن هاشم العلوي: “وبعد أن قدم شيخ الإسلام استعفاءه من رئاسة الاستئناف الشرعي للدوائر المسؤولة. طلب الاجتماع به المسؤول عن القسم السياسي إذ ذاك بونفاس، وأجرى معه الاستجواب الآتي بمنزل الشيخ بالعلو بالرباط:

–         قال بونفاس: عجيب أن يوافق شيخ مثلك له المكانة المرموقة في الدولة على طلب قدمه شباب طائش ( الوطنيون) لا يقدر المسؤولية .

–         فأجاب ابن العربي: الأغرب هو أن لا يوافق شيخ مثلي يقدر مسؤوليته المدنية والروحية على تحرير بلاده من ربقة الاستعمار وطغيانه.

–         وعاد بونفاس يسأل : لو فرضنا أن الحماية سلمت لكم الاستقلال، فمن يسير شؤونكم الفنية والتقنية والإدارية.

–         فأجاب ابن العربي: من دولة غير مستعمرة مثل سويسرا أو النرويج أو الدانمارك ومن إخواننا الشرقيين، وهذه مرحلة انتقالية جميع الشعوب الحديثة الاستقلال تمر بها ونحن من جملتها.

–         واستمر ابن العربي في حديثه قائلا: أتدري من حمل المغرب على طلب الاستقلال ؟

–         لا، أخبرني من ؟

–         أنتم معشر المستعمرين .

–         ورد عليه بونفاس منزعجا: نحن ، أبدا أبدا.

–         قال ابن العربي: أتريد البيان؟

–         فأجاب بونفاس : نعم نعم

–         فواصل ابن العربي حديثه قائلا: ألم يقدم المغاربة مطالب جذرية تستهدف إصلاح الإدارة والتعليم والعدلية والأوقاف إلخ …؟ ألم يقدموا ذلك في سنوات ( 1930-1933-1937م) ؟ فكان الجواب هو سجن ونفي وتعذيب إلخ إلخ.

–         ثم قال ابن العربي: توجد قاعدة شرعية. المرأة تطلب من زوجها القيام بالنفقة في المرة الأولى وفي الثانية، وإذا لم يستجب طلبت الفراق، فيفرق القاضي بينهما. وكذلك نحن لما يئسنا من عدالتكم أقدمنا على طلب الفراق ونحن بالغون إن شاء الله .

–         فرد بونفاس: لهذا لم يبق إلا أن أودعكم، وأن الإدارة تملك السجن والنفي والإعدام، فحذار وأنت شيخ كبير.

–         فقال ابن العربي : أنت تهددني، الأمر لا يعدو أن يكون نفيا فسياحة، أو سجنا فعبادة، أو موتا فشهادة. والكل فيه خيري وليس خيركم فيه”[6].

 

دراسات فاسية، للدكتور سعيد المغناوي، ص19 وما يليها، الطبعة الأولى 1424هـ-2003م. مطبعة آنفو – برينت. فاس.

 

 


[1] – امحمد بن هاشم العلوي: من وراء السدود، ص97

[2] – نفسه ص84-93

[3] – نفسه ص: 84-85

[4] – نفسه، ص95

[5] – عبد الكريم غلاب: تاريخ الحركة الوطنية المغربية، ص:62

[6] – محمد بن هاشم العلوي: من وراء السدود ص82-83

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق