مركز الأبحاث والدراسات في القيمدراسات وأبحاث

خرافة قيم التحديث وتطوير الذهنية المغربية في الفكر الكولونيالي الفرنسي4/6

 

يتابع الأستاذ محمد أعمار قراءته في كتاب “المنهاج التربوي بالمدرسة المغربية زمن الحماية “للدكتور محمد بلكبير،وهو يبين مسألة” التحديث الفرنسي في المستعمرات كقيمة مغلفة بحق يراد به باطل:

ادعت فرنسا أنها ،استجابة للعناية الربانية ،وبناء على عبقريتها الفذة ،ستعمل على تحديث الشعوب المتبربرة بكل ما يحمله مفهوم “التحديث”من معان كثيرة :(تحديث الفكر،تحديث السلوك…) لأن سكان المستعمرات يعيشون خارج نطاق المنطق والمعقول،حسب رأي المستعمر.وقد عبر عن هذه الدعوى السيد هاردي حينما قال :”إنه بالاستناد إلى كلام أوجيست كونت،يمكن القول إن الأهالي في مستعمراتنا لازالوا يعيشون في المرحلة الأولى من التطور العقلي،أي أنهم لازالوا في المرحلة اللاهوتية،وأن الكثيرين منهم غير مهيئين للخروج منها”1 وهذا حكم خطير يدخل ضمن الأحكام التي جعلت من الاستعمار رسالة حضارية للشعوب الفقيرة،استنادا إلى افتراض إيديولوجي يجعل سبب نهضة أوروبا الرأسمالية كامنا في العلم والمدرسة،وليس في العنف الموجه نحو الخارج،كما يجعل سبب انحطاط الشعوب المتخلفة في الجهل والثقافة المعتمدة في هذه الشعوب،وليس في التفكك والجمود اللذين كان من أسبابهما سيطرة الغرب على هذه الشعوب.

لقد غدت هذه الإيديولوجية التحديثية فكر كل العلماء الكولونياليين،لدرجة أن التنظير المركزي الأوروبي دعا إلى إعادة كتابة التاريخ العالمي في عصر التوسع الاستعماري،لفرض صورة تاريخية عالمية لكل الشعوب،يختص هو بإخراجها،وتكون دليلا على العقلانية الأوروبية.والنتيجة أن القدرة على إنتاج الحضارة والعلوم هي من حق واختصاص الجنس الآري 2.وبناء عليه يصبح من الضروري اعتماد التجربة التاريخية الأوروبية مصدرا للتحليل ونموذجا للاقتباس،ويصبح الإستعمار هو الوسيلة الوحيدة لنقل هذه التجربة”الإنسانية والكونية”ودفع الأهالي،عن طريق مؤسسات متعددة وعلى رأسها المدرسة،إلى تمثل فكر الغرب والتماهي به،حتى يصبح هذا التمثل جزءا من الوعي التاريخي”للمثقف الحديث”،هذا الوعي الجديد الذي سيتم فيه الانقطاع عن الماضي الوطني التراثي،والتواصل مع الماضي الأوروبي عبر عقلانية جديدة تؤسس لواقع جديد : “الديموقراطية” و”التقدم” و”الرفاهية”و”حقوق الإنسان”و”المجتمع المدني…”.وفي نفس الوقت تصادر التراث القومي لأنه في منظور الغرب “متصلب”و”غيبي”و”خرافي” .

وهكذا تبدو الدعوة إلى التحديث مشروعا تبعيا واستراتيجية للهيمنة الغربية،لأنه اختيار حُكِّمَ

فيه منطق القوة.إنه بناء تاريخ ومستقبل جديدين،ينتعش فيهما الفكر الغربي بكل أبعاده على حساب تدمير تاريخ الشعوب الأخرى.إنه إعادة إنتاج التاريخ الأوروبي على مستوى شعوب أخرى مثل المغرب.

وهكذا تصبح مفاهيم الحداثة من مثل:”العلم”و”التقدم”و”الليبيرالية”و”الديمقراطية” مفاهيم إيديولوجية بعيدة حتى عن المعاني التي أرادها لها المفكرون الغربيون من مثل ديدرو،ومازيني،وفخته…وينجم عن هذه الاستراتيجية إلغاء تاريخ الشعوب اللاغربية،وتصبح المؤسسات والقيم المغايرة لقيم أوروبا قيما مغايرة لمنطق التحديث،ودليلا على “التخلف”.ولذلك لا تدرس كصيغ من أنماط الحياة والعلاقات،أنتجها واقع معين فتعاملت معه دون أدنى مشكل.

إن مسألة التحديث تعني،بكل بساطة،أن تتمثل كل الشعوب مفاهيم التاريخ الأوروبي وتعيد إنتاجها على مستوى الخطاب المحلي،فينعكس ذلك في جملة من الشعارات والتصورات الإيديولوجية،قصد بناء تاريخ محلي افتراضي،على قياس وشاكلة التاريخ الأوروبي نفسه. 

1-G.Hardy « Les Eléments de l’Histoire Coloniale »paris-La renaissance du Livre .p.80

2-Cité par Maxime Radinson .in « Marxisme et Monde Musulman »paris 1972.pp97-98

ذ. محمد أعمار

• خريج جامعة السربون باريس فرنسا.
• حاصل على الإجازة في الآداب من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، تخصص الفلسفة.
• حاصل على شهادة التخرج من المدرسة العليا للأساتذة سابقا. وكلية علوم التربية حاليا.
• أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي بالعديد من المؤسسات التربوية بالمغرب.
• أستاذ مادة علوم التربية بالعديد بالمراكز التربوية، بالمغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق