الرابطة المحمدية للعلماء

“حوار الحضارات.. مقاربة تصنيفية ومقترحات منطلقية..”

د.عبادي: المقاربة المعرفية لأسس الحوار الحضاري لا تلغي أهمية البحث عن الأسباب التاريخية الموضوعية المولدة للصراع في العلاقات الدولية..

ألقى فضيلة الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء الدكتور أحمد عبادي يوم الخميس 12مارس 2009 على الساعة السادسة والنصف مساءا بقاعة الندوات، كلية الطب والصيدلة ـ جامعة القاضي عياض بمراكش، محاضرة علمية ضافية حضرها عدد غفير من المهتمين بالشأن الثقافي العام حول موضوع “حوار الحضارات.. مقاربة تصنيفية ومقترحات منطلقية..” في إطار فعاليات الاحتفال بمرور ثلاثين سنة عن تأسيس جامعة القاضي عياض، وذلك ضمن كرسي ابن رشد الذي اتخذ من محور “المواطنة وتنمية قيم التسامح” شعارا له. تحث الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.

بعد كلمة استهلالية قدم فيها رئيس الجامعة الدكتور محمد مرزاق السيد المحاضر منوها بمكانته العلمية ومبرزا مختلف إسهاماته العلمية.. أبرز أن موضوع”المواطنة وتنمية قيم التسامح” الذي تم اختياره من طرف اللجنة الثقافية المنبثقة عن مجلس الجامعة كعنوان لسلسلة محاضرات الدورة العاشرة لكرسي ابن رشد للدراسات المتوسطية للسنة الجامعية2008-2009 يأتي استجابة للتوجيهات الواردة في الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في الندوة الوطنية المنعقدة يومي 23 و24 ماي 2007 التي نظمها المجلس الأعلى للتعليم في موضوع” المدرسة والسلوك المدني”. وتعزيزا لتوجه جامعة القاضي عياض وانخراطها في نشر قيم التسامح وتكريس مبادئ المواطنة الحقة في المجتمع المغربي، والتي تعتبر عنصرا إيجابيا للتفاهم المتبادل بين الأشخاص والجماعات الإنسانية بحوض البحر الأبيض المتوسط وبكل أرجاء العالم.

بعد ذلك تناول الكلمة الأستاذ أحمد عبادي الذي عمل على إبراز الأسس المعرفية والمنهجية للحوار الحضاري انطلاقا من مقاربة تصنيفية وقف من خلالها على مختلف المحافل الحوارية مبرزا منطلقاتها وأبعادها وخلفياتها.. ليقع ترجيحه للمحفل التعارفي أو النموذج التعارفي؛ الذي يفترض أن كل طائفة من بني آدم قد عاشت في سياقاتها التي ضغطت فيها على أزرار معينة، بحيث إن التحديات التي تفرضها السياقات المختلفة تضغط أزرارا في الكينونة الإنسانية، وتفرض أضربا من الحكمة التي عادة ما ينفرد بها كل فريق من بني آدم،  بشكل يجعل باقي بني آدم متعطشين للاستمداد من حكمته. إن هذا النموذج إذن، يعترف بأن كل طائفة من بني آدم قد بلورت حكمة خاصة بها وتحتاج من خلال تشغيل نموذج التعارف أن تتقاسمها مع الآخرين…

كما حرص د. عبادي على التأصيل لمفهوم وقيمة التعارف في القرآن الكريم واعتبره واردا على سبيل الوجوب.. مستوحيا شعيرة الحج بكل ما ترمز إليه من مغزى تعارفي ومعرفي عميق.. ليقف على أهم عوائق الحوار التي أجملها في عائق الشواهدية، وعائق التمويل بكل ما يعرفه من اشتراطات، وكذا عائق خضوع الحوار إلى أجندات ورهانات دولية سياسية مغرضة، فضلا عن أن الذين يديرون الحوار الحضاري “موظفون تقنيون” يفتقدون في غالب الأحيان إلى الرؤية المعرفية والاستبصار التاريخي والوعي الحضاري الكفيل بالإدارة الناجحة والمتوازنة لهذا الحوار..

وفي هذا الإطار أكد الأستاذ أحمد عبادي على أهمية وعي الإنسان بنسبيته ومحدوديته، وتمكينه من أخذ مسافة بينه وبين العالم من حوله، من منطلق أن الإنسان إذا استبصر أنه محكوم بمجموعة من الأنساق والتمثلات والبراديغمات التصورية فإنه عادة ما يكون أقدر على تغيير ذاته.. كما أبرز أن كل حضارة تقوم على مجموعة من الأنساق التصورية التي تشكلت لديها من خلال تجربتها التاريخية الطويلة. ومن هنا تنبع أهمية تأسيس أي حوار حضاري على الوقوف على هذه الأنساق التصورية، التي عبر عنها الأستاذ أحمد عبادي بـ” الرمانة التمثلية التصورية” انطلاقا من الوعي بمراحل التفاعل الحواري الأساسية التي أجملها في عمليات؛ الفتح، والدخول، والاستكشاف ثم التقنية وفق معايير محدد سعيا لإزالة مختلف معوقات التعايش. بما يسعفهنا على إعادة ترتيب أنساقنا التصورية انطلاقا من الوعي بنسبيتنا، وكذا الوعي بالطبيعة الوظيفية للتعارف والحوار.     

لينتهي إلى تقديم تصور استشرافي لتجاوز مختلف هذه العوائق من خلال تقديمه لجملة من المقترحات العلمية، التي تراهن أول ما تراهن، على إعداد وتأهيل الموارد البشرية من خلال تعزيز دبلوماسية شعبية، ودبلوماسية ثقافية وروحية، وتأسيس “كراسي سلام”بمختلف الجامعات. إلى جانب تشديده على أهمية بلورة مناهج ناجعة كفيلة بتعزيز المحفل التعارفي..

ومن وحي المناقشات الغنية وفي تفاعل معها، وقف السيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء على أهمية الإستراتيجية الألسنية في عملية الحوار الحضاري، مشددا على أن اللغة الأم هي الأقدر على نقل مكنونات نفسيات الأفراد والشعوب، والتعبير عن تطلعاتهم..
كما أبرز أن مختلف مظاهر التسلط الدولي تعمل على تعزيز أهمية وحيوية الحوار الحضاري من أجل تعميق التعارف بين الشعوب والأمم ولا تقلل من جدواه وأهميته..معتبرا أن المقاربة المعرفية لأسس الحوار الحضاري لا تلغي أهمية البحث عن الأسباب التاريخية الموضوعية المولدة للصراع في العلاقات الدولية..

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق