مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامةنصوص مترجمة

حملة خلع الحجاب تركز على الإيرانيات وحرية اللباس

سيا طه[1]

تقديم وترجمة بشرى لغزالي

تعددت واختلفت أشكال الاحتجاج لدى النساء في مختلف أنحاء العالم. فمنهن من اخترن خلع ملابسهن لإثارة انتباه الرأي العام لقضاياهن باعتباره شكلا من أشكال حرية التعبير؛ ومنهن من تحدت القوانين التي تفرض خلع الحجاب أو النقاب عبر إصرارهن الإبقاء على هذا اللباس وتغطية جسدهن كاملا باعتباره أيضا نوعا من أنواع حرية التعبير. لكن طريقة تعامل وسائل الإعلام الغربية مع هاتين الفئتين، عبر الاحتفاء بالفئة الأولى ومهاجمة الفئة الثانية، دفعت الكاتبة سيا طه Sya Taha إلى رصد كيفية التعامل مع لباس المرأة عبر أحداث تاريخية معاصرة، محاولة في نهاية المقال وضع تعريف للحرية ومحذرة من عواقب هذا النوع من الاحتجاج-من خلال نموذج إيران- الذي يمكن أن يصل إلى التدخل الأجنبي وتهديد استقلال البلد. ونقدم فيما يلي ترجمة لهذا المقال لعرض وجهة نظر الكاتبة إزاء قضية ما فتئت تثير لغطا في المجتمعات الإسلامية.

بعد الحملة الإعلامية التي أطلقتها نساء منظمة “فيمين” عبر عرض صورهن والاحتجاج عاريات الصدور، يطفو على السطح حاليا في وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية شكل آخر معتدل من أشكال خلع اللباس. ففي الشهر الماضي، أعلنت ماسيه علي نجادMasih Alinejad ، صحافية إيرانية مستقرة في لندن، عن إطلاق حركة على الفايسبوك والتويتر تحت شعار “حريتي المسلوبة” لتسليط الضوء على “القيود القانونية والاجتماعية” التي تواجهها النساء في إيران. في هذا الإطار، نشرت نساء مسلمات وعلمانيات في كل أنحاء إيران صورهن التي يظهرن فيها دون غطاء الرأس الإلزامي، في أماكن مغلقة تغيب عنها الشرطة الدينية التي تملك سلطة معاقبتهن على عدم احترام قانون اللباس المعمول به في البلاد. وتتزعم هذه الحركةَ نساءٌ أزلن غطاء رأسهن ونشرن صورهن بكامل إرادتهن ورغبتهن.

لكن العنوان الذي اختير لأحد المقالات المنشورة في موقع إلكتروني “الحملة الكبرى لخلع غطاء الرأس” أربكني، لأن “خلع غطاء الرأس كرمز للتحرر” هي فكرة مثقلة بحمولة تاريخية تُذكر بما وقع مرارا في التاريخ المعاصر، مثل ما حدث في الجزائر خلال فترة استعمارها. وفي هذا الإطار، أشار فرانتز فانونFrantz Fanon  في كتابه a dying colonialism (احتضار الاستعمار) (1959) إلى أن النساء استُعملن للدلالة على العرب المستعمَرين وكناية عن الشرق، على وجه الخصوص. فقد كانت النساء الهدف الرئيس “لمهمة المستعمر الحضارية”، لأن كشف الغطاء عن النساء كانت طريقة انتهجها الفرنسيون ليثبتوا أنهم اخترقوا مستعمرتهم الجزائرية بكل ما للكلمة من معنى.

ففي عام 1958، نظم الجيش الفرنسي مراسم جماعية لنزع الغطاء عن نساء في عدة مدن كبرى، بما فيها الجزائر العاصمة لاستقطاب الصحافة الدولية. ويُروى أن نساء لم يرتدين قط غطاء الرأس، بمن فيهن نساء قرويات، أُجبرن على وضعه ثم خلعه لمجرد المشاركة في هذه المراسم. كما كان يُعتبر الغطاء رمزا لبدائية الجزائر، ودافعا لجلب التحضر على يد الفرنسيين، بطبيعة الحال.

اعترضت النساء على قوانين اللباس التي تُفرض عليهن منذ بدء سنها. وفي هذا السياق، عرض تميم أنصاري في كتابه Destiny Disrupted (2009) (قدر ممزق)، أمثلة لهذه القوانين التي وُضعت في العشرينيات. فبعد إعلان أتاتورك رئيسا سنة 1923، صدرت قوانين جديدة منعت ارتداء غطاء الرأس ولم تشجع على ارتداء العمامة وإطلاق اللحي. ونفس الأمر حدث في أفغانستان عندما اعتلى أمان الله العرش في عام 1919 وأعلن عن تحرير النساء، وفرض نوعا من اللباس على خطى أتاتورك. وفي سنة 1925، أعلن الكلونيل ريزا باهلافيReza Pahlavi، بعد أن أصبح شاه إيران، عن إصلاحات وقوانين تفرض نوعا من اللباس على العامة من المواطنين.

لكن ماذا لو احتجت النساء الإيرانيات على اللباس المفروض آنذاك، ونشرن صورهن في وسائل الإعلام الاجتماعية المُتاحة حينها في بداية القرن العشرين؟ ماذا لو ارتدين بفخر على شاطئ البحر أو في المدن المتحررة، الحجاب أو النقاب أو التشادور وهو يهتز على إيقاع النسيم، وينسدل على وجوههن بين الفينة والأخرى، مطالبات بحرية تغطية جسدهن؟

إن التاريخ يعيد نفسه، ولعل أبلغ دليل على ذلك هو فرض لباس من نوع آخر تماما عندما حكمت الأحزاب الإسلامية هذه البلدان بعد حوالي نصف قرن، وإجبار الرجال على إطلاق اللحي والنساء على ارتداء غطاء الرأس، وتعريضهم للضرب والسجن عند رفضهم الامتثال لهذه القوانين.

تناضل النساء اليوم في جميع أنحاء العالم، ولاسيما في أوروبا الغربية، من أجل امتلاك حرية تغطية جسدهن. وهذا ما يعرضهن لدفع غرامة مالية ودخول السجن، أو الاعتداء والموت لمجرد ارتداء الحجاب. وكانت بلجيكا أول بلد أوروبي يمنع النقاب في عام 2011، قبل أن تليه فرنسا وهولندا. كما حاولت كندا المصادقة على ميثاق مثير للجدل يمنع أيضا ارتداء الرموز الدينية كالحجاب والنقاب.

تُقْدم هؤلاء النساء على القيام بعكس ما تفعله أولئك الإيرانيات –وهو ما يمكن أن أسميه “بالحملة الكبرى لتغطية الجسد”- ويسعين إلى تغطية أجسادهن في هذه الدول، لكنهن لا يحظين بإعجاب الإعلام الذي يعتبرهن إرهابيات ومواطنات غير صالحات ومهاجرات جاحدات.

أحترم “الحرية المسلوبة” التي تبحث عنها هؤلاء النساء الإيرانيات. لكنني أخشى أن تعتبر وسائل الإعلام، التي ترى الغطاء رمزا للقمع والتعري رمزا للحرية، هذه الحركة دليلا على أن الإيرانيات سيحتجن عما قريب إلى “النجدة” على يد القوى الإمبريالية الغربية. وقد استعمَلت من قبل هذه القوى الحجاب/النقاب/البرقع كرمز لقمع النساء بغية تبرير الاجتياح الأمريكي في أفغانستان والعراق.

لا أنكر تعرض مسلمات أو نساء في الدول الإسلامية للقمع. لكن الدولة هي المسؤولة عن هذا القمع وليس غطاء الرأس. فالحرية ليست مجرد القدرة على الإحساس بنسمات الهواء تهز خصال شعرك، وإنما هي امتلاك القدرة على الاختيار ما بين أن تضعي غطاء على رأسك أو تمتنعي عن ذلك.

وختاما، أظن أن هدف هؤلاء النساء الإيرانيات يتمثل في رغبتهن تسليط الضوء على أن الحرية تكمن في القدرة على امتلاك وعي حر والقدرة على التعبير بكل حرية عن الرأي دون خوف، واتخاذ القرار بشأن جسدهن، وامتلاك آمال تخص حياتهن.


[1]  نشرت الكاتبة Sya Taha مقالها الأصلي باللغة الإنجليزية على الرابط التالي:

http://www.aquila-style.com/focus-points/hijab-removal-iran/66005/

نشر بتاريخ: 03 / 02 / 2014

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق